"أمريكا أولاً" في مواجهة "الصين أولاً"
٢٨ ديسمبر ٢٠١٩في الـ 15 من كانون الأول/ ديسمبر كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنوي فرض رسوم جمركية على واردات صينية. لكن قبل ذلك الموعد بيومين أعلن الجانبان التوصل إلى اتفاق جزئي في نزاعهما التجاري المستمر منذ سنتين تقريباً. بموجب ذلك الاتفاق، تخفض واشنطن إلى النصف الرسوم الجمركية المفروضة حالياً، وفي المقابل تشتري بكين منتجات أمريكية أكثر، لاسيما مواد زراعية. كما أن الاتفاق ينظم التعامل مع الملكية الفكرية، ويتطرق إلى القطاع المالي وقضايا النقد.
إذن كل شيء سيتحسن والخلاف بين القوتين العالميتين سيختفي في السنة الجديدة من عناوين الصحف؟ الشكوك قائمة حول ذلك. والدليل على ذلك هو الرفض المتزايد للسياسة الصينية في واشنطن، مثل ما يعكسه القانون الأمريكي المعتمد في بداية كانون الأول/ ديسمبر الذي من شأنه دعم حقوق الإنسان للأقليات في الصين.
"النزاع الأساسي هو أن الولايات المتحدة تتوقع سياسة اقتصادية مختلفة من الصين، بما يسمح بدخول أفضل لمنتجاتها للسوق الصينية ومجال تحرك أكبر للشركات الأمريكية وعدم السطو على الملكية الفكرية"، كما يقول توماس ييغر، خبير العلوم السياسية من جامعة كولونيا الألمانية في حديث مع DW.
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشعار "أمريكا أولاً" وجد شريك يتبع منذ مدة نفس السياسة، كما يقول ييغر. "لو درسنا النهج المتبع في السياسة الاقتصادية لبكين، لوجدنا أنه يندرج تحت شعار 'الصين أولا'".
مرحلة جديدة من العولمة
أحد أهم النزاعات التي تعكر صفو العلاقة بين البلدين هي قضية الأمن في البنية التحتية لشبكة الهاتف المحمول من الجيل الخامس. فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت مشاركة شركة هواوي الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس، لاتهامها بالقرب من قيادة الدولة والحزب في بكين. وفي المقابل يستمر الحلفاء الغربيون في مناقشة هل من الممكن إيجاد سبيل للتعاون مع الشركة الصينية.
عدد متزايد من خبراء الاقتصاد ينطلقون من أن فرضية أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين سيؤدي بالعولمة إلى الدخول في مرحلة جديدة تفضي إلى تقسيم السوق العالمية بين الصين والولايات المتحدة. ويفيد خبراء بما أن التقنية الصينية رخيصة، فإن غالبية البلدان الصاعدة اقتصادياً ستلتحق ربما بالصين وحتى البلدان الأفريقي منها.
سياسة لننتظر ونرى
جيران الصين من الآسيويين ينتظرون كيف ستتطور الأمور، كما تقول ديبورا إلمس، مديرة ومؤسسة "مركز التجارة الآسيوي" في سنغافورة في حديثها مع DW: "الشركات ستتمسك بادئ الأمر بالشركات التي تمدها بالبضائع، لأنه بإمكان الصين تقديم طيف واسع من البضائع والخدمات. وبشكل أسرع وأرخص من عارضين في أماكن أخرى"، كما تقول إلمس.
يمكن تلمس انعكاسات السياسة الأمريكية التجارية التي تقوم على المواجهة في ظل دونالد ترامب في المنطقة، كما تفيد إلمس التي أوضحت أن "النزاع التجاري دفع الكثير من الشركات إلى إعادة النظر في تبعيتها للسوق الأمريكية والنظر بثقة أقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية".
نهاية النزاع ليست في الأفق
لا أحد يعلم كيف سيتطور النزاع التجاري رغم الاتفاق الجزئي بين العملاقين العالمين. فالكثير من المراقبين يتوقعون استمرار سياسة الخطوات الصغيرة، مع إشارات انفراج مفاجئة، بيد أن ذلك لا ينفي حدوث نزاعات جديدة. وبما أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية ستكون بعد سنة تقريباً، فإن الكثير من المراقبين لا يعتقدون أن دونالد ترامب سيعمل على تصعيد النزاع، لأنه سيخاطر بانعكاس لغضب المستهلك الأمريكي في صندوق الاقتراع. المواطن الأمريكي سيكون مجبراً على دفع أسعار أعلى للمنتجات الصينية، في حال ارتفعت الرسوم الجمركية الأمريكية.
لا وسائل ضغط
وحتى الخبير توماس ييغر لا يتوقع أن يتم التوصل لاتفاقية تجارية شاملة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تذهب أبعد إلى ما تم التوصل إليه في الاتفاق الجزئي، لأنه لا يوجد إطار مشترك لإبرام هذا النوع من الاتفاق. ويتوقع ييغر أن يستمر النزاع لوقت طويل وأن يستمر باقي العالم في التفرج، لأن الشركاء التجاريين لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تنقصهم ببساطة وسائل الضغط لمعاقبة العملاقين الاقتصاديين.
توماس كولمان/ م.أ.م