1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أموال العرب المنهوبة وفرص استعادتها

٢٢ ديسمبر ٢٠١٩

اتفاق لبنان وسويسرا على تبادل المعلومات الضريبية خطوة هامة لمكافحة غسيل الأموال على مستوى البلدين ودول عربية. أين تكمن أهميتها رغم النتائج المتواضعة المتوقعة منها على صعيد ملاحقة أموال الفاسدين العرب؟

غسيل الأموال القذرة يكلف الاقتصادات العربية الملايين
المليارات من ثروات العرب المنهوبة تقبع في بنوك الغرب، واسترجاعها يكون بحكم المستحيل في بعض الحالاتصورة من: Imago/blickwinkel

في خطوة هامة جاءت بعد مراسلات طال أمدها بين لبنان وسويسرا وافقت السلطات السويسرية على إدراج لبنان ضمن لائحة الدول المعتمدة من قبلها لتبادل المعلومات الضريبية. ومما يعنيه ذلك حسب وزير المالية اللبناني حسن خليل " المساعدة على مكافحة الفساد وتبييض الأموال المنهوبة المشتبه بوجودها في الخارج". وتكتسب هذه الخطوة أهمية أكبر مع استمرار احتجاجات اللبنانيين على الفساد المستشري برموزه السياسية الطائفية وأوجهه المتعددة. كما تشكل دعما لحسان دياب، رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة لبنانية جديدة تساعد لبنان على تجاوز أزماته الاقتصادية والسياسية. ويقدر حجم الأموال التي وقعت بشكل مباشر ضحية الفساد في بلاد الأرز بنحو 50 إلى 60 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، أي ما يعادل نحو 70 بالمائة من مجمل الدين العام الذي يصل إلى أكثر من 150 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني. وقد أدى تراكم الديون وأقساطها وضعف النمو الاقتصادي ومستوى الخدمات العامة إلى تردي مستوى معيشة اللبنانيين وإيصال البلاد إلى حافة الإفلاس.

خطوة بأهمية أكثر من رمزية

بالرغم من ردود الأفعال التي قللت من أهمية الخطوة السويسرية، فإن نتائجها أيا كانت مهمة ليس على مستوى لبنان وحسب، بل أيضا على مستوى سرقة ونهب المال العام في الدول العربية والعالم، لاسيما وأنه ليس من السهل انتزاع مثل هذه الموافقة من بلد يقدس السرية المصرفية ويحتل مركزا متقدما بين الدول التي يجري فيها غسيل الأموال. ومن سخرية الأقدار أن لبنان نفسه من أبرز الدول التي تقوم بذلك.  

بالنسبة إلى لبنان تعني الموافقة، التي يرجح تطبيقها بشكل جزئي فقط بسبب العوائق القانونية والبيروقراطية المتعلقة بالمعلومات السخصية، استرجاع بعض الأموال المسروقة والتخفيف من حدة التهرب الضريبي. ومن شأن ذلك توفير بعض الأموال التي تحتاج إليها خزينة الدولة اللبنانية أكثر من أي وقت مضى. كما أن تطبيق هذا الاتفاق سيعطي إشارة تحذير إلى الفاسدين وسارقي الأموال العامة تفيدهم بأن أعين المصالح الضريبية تلاحق أموالهم حتى ولو كانت في كنف بلدان تقدس السرية المصرفية. وهذه الإشارة التحذيرية ستصل أيضا إلى فاسدين آخرين من بلدان عربية أخرى على أساس أن بلدانهم قد تتوجه إلى عقد اتفاقات مع سويسرا لتبادل المعلومات الضريبية والمالية. وسيشجعها على ذلك إجبار سويسرا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على اتباع مزيد من الشفافية في الكشف عن الأموال الهاربة من دفع المستحقات الضريبية في بلدان أصحابها الأصلية.

مكافحة الفساد أصعب المهام التي تواجه حسان دياب، رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة لبنانية جديدة صورة من: DW

أموال عربية تحت تصرف الغير

تعد سويسرا أهم ملاذ للأموال اللبنانية والعربية. وليس سرا أن قسما كبيرا من هذه الأموال يعود إلى حكام ورجال أعمال فاسدين حصلوا على ثرواتهم بطرق غير مشروعة. وإذا كان من الصعب حصر مجمل هذه الأموال بسبب السرية المصرفية، فإن مصادر بينها الغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة تقدرها بنحو 200 مليار دولار. وإذا أضفنا إليها الأموال العربية الأخرى في البنوك الأوروبية والأمريكية و"الجنات الضريبية" فإن الرقم يصل إلى عدة تريليونات من الدولارات. ومن أبرز هذه الجنات بنما وجزر البحر الكاريبي البريطانية وليشتنشتاين وولايات نيفادا وجنوب داكوتا وايومنغ وديلاوير الأمريكية. ومن شأن فرض ضرائب ولو بنسبة عشرة إلى عشرين بالمائة توفير ما بين 200 إلى 400 مليار دولار لدعم موازنات الدول العربية التي تعاني العجز وشح الموارد المالية بشكل متزايد هذه الأيام.

درج الأثرياء والحكام العرب على نقل أموالهم إلى خارج بلدانهم خوفا عليها من ضعف الاستقرار السياسي والمصادرة وبسبب كسبهم لها بشكل غير مشروع. ويقبع القسم الأكبرمن هذه الأموال في صناديق وخزائن البنوك الغربية وخاصة السويسرية والأمريكية والبريطانية والفرنسية منها. وقد أظهرت خبرات السنوات الماضية أن قسما منها يخضع للتجميد والعقوبات بسبب الصراعات وتغيير الأنظمة كما هو حال الأموال الليبية بعد سقوط القذافي والعراقية إبان حكم صدام حسين وبعد سقوطه. وإذا كان حجم أموال صندوق الثروة السيادي الليبي التي تم تجميدها في الغرب على سبيل المثال 70 مليار دولار، فكيف بحجم الأموال السرية التي أدوعها الحكام العرب وعائلاتهم والمقربين منهم؟ 

الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: أموال العرب المنهوبة لن تعود، غير أن الاتفاقات المتلعقة بتبادل المعلومات الضريبية تحد من تدفقهاصورة من: DW/P.Henriksen

استرجاع بعض المال عبر الاتفاقات 

أظهرت خبرات السنوات الماضية أن استرجاع الأموال التي يتم تجميدها أو الحجز عليها شبه مستحيل لغياب الشفافية ووجود عوائق قانونية وسياسية كثيرة أمام ذلك، إضافة إلى أن مصالح الدول التي تحتفظ بهذه الأموال تتعارض مع استرجاعها، وعليه فإنها تفضل التصرف بها إلى حين. كما أن كثرة "الجنات الضريبية" حتى في دول عظمى تدعي محاربة هذه الجنات يسهّل هروب هذه الأموال وانتقالها بعيدا عين الملاحقة. غير أن استرجاع قسم من الأموال الأخرى غير الخاضعة للتجميد يبدو ممكنا في حال عقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين الدول المعنية في مجال تبادل المعلومات المتعلقة بالتدفقات المالية المشكوك فيها عبر الحدود. ويبدو أن عقد مثل هذه الاتفاقيات لا يواجه كما في السابق العناد والرفض حتى في دول تحمل لواء السرية المصرفية وويتم فيها غسيل الأموال الوسخة مثل سويسرا ولبنان. ويعد الأخير من البلدان التي يتم في بنوكها غسيل أموال قذرة من مختلف أنحاء العالم. ويبدو أن الدول التي تتم فيها مثل هذه العمليات بدأت تكتسب قناعة مفادها أن حبل غسيل الأمول القذرة قصير كحبل الكذب. ويعود ذلك إلى أسباب عدة من بينها أن تبادل المعلومات المالية على المدى البعيد في مصلحة غالبية الدول التي يهمها تدفق الأموال عبر الحدود، ولكن ضمن ضوابط تمنع استخدامها لأغراض الإجرام والمخدرات وضرب الاستقرار ونهب الأموال العامة.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW