"أنغيلا السورية" كبرت- فهل نجحت أسرتها في الاندماج بألمانيا؟
٨ ديسمبر ٢٠٢١نهاية عام 2015، وداد ومحمد لاجئان سوريان على موعد مع طبيب نسائي. باستخدام سيارة ومن ثم مشيا على الأقدام مع أطفال ثلاثة هربوا جميعا من اللاذقية حتى وصلوا ألمانيا. وداد كانت خلال رحلة اللجوء حاملاً. الفحص عند الطبيب كشف أن وداد حامل في أنثى. لم يفكر الوالدان طويلا لكي يقررا تسمية المولودة، على اسم الملاك المنقذ مستشارة ألمانيا: أنغيلا.
بعد مرور ستة أعوام، تتجول طفلة بشعر أسود طويل ورداء أحمر في مركز كاريتاس للاجئين في مدينة غيلزنكيرشن، والكل يسلم عليها: مرحبا أنغي، أهلا أنغي، صباح الخير أنغي. أنغيلا التي يخاطبها الجميع تبتسم بسعادة وترد التحية. طفلة ولدت في ألمانيا وتحمل اسما مميزا.
"الجميع يحب طفلتنا أنغيلا. حتى كثير من جاراتنا خصوصا من السيدات الكبيرات في السن، يشعرن بالسعادة حين يشاهدن أنغيلا"، يقول رب الأسرة محمد. ويضيف "نحن نحب السيدة أنغيلا ميركل لكل ما فعلت لنا".
ماذا تريد أنغيلا الصغيرة؟
أمر غريب: كثير من الألمان يشعرون بالغربة من المسشارة التي حكمت بلادهم لمدة 16 عاما، فيما تتمنى أسرة سورية لاجئة في ألمانيا لو تتمكن من تشييد نصب تذكاري لها. الطفلة أنغي ترى على شاشة التلفزيون كل يوم السيدة التي تحمل اسمها وهي تبتسم من خلف الشاشة.
ويقول محمد: "بينما أغلقت دول أخرى أبوابها، أعطتنا ميركل، وخاصة للأطفال، حياة جديدة هنا. جميع أصدقائنا السوريين حزينون على مغادرة ميركل. والدتي في سوريا تقول لي دائمًا على الهاتف : "يا للأسف، ماذا سيكون مصيركم الآن؟"
لا تزال أنغيلا الصغيرة في روضة الأطفال، وفي آب/ أغسطس من العام المقبل ستلتحق بالمدرسة لترافق أشقائها الثلاثة الأكبر سناً. هي تحب سرد القصص والرسم وتفضل رسم الزهور، وقد ذهبت أيضا إلى ملعب شالكه 04 مرتين. ماذا تريد أنغي أن تفعل لاحقا؟ تقول بخجل: "شيء مثل أنغيلا ميركل، مساعدة الآخرين".
هل نجحت ألمانيا فعلا؟
حين ولدت أنغيلا في غيلزنكيرشن في بداية عام 2016 ، كانت ألمانيا تمر بمرحلة التحول من ثقافة الترحيب المرحب بها عالميا إلى الشعور بالخوف. ولدت فتاة سورية صغيرة تحمل اسم المستشارة وسط تغير المزاج الألماني: في يوم كانت فيه مدينة كولونيا - بعد ليلة رأس السنة التي حصلت فيها مئات الاعتداءات الجنسية على النساء – تشهد ارتفاعا في طلبات الحصول على رخصة السلاح الصغير.
"نعم نجحنا في ذلك" تقول رغم ذلك المستشارة ميركل، حين عرضت نتائج سياسة ألمانيا للجوء. وربما سيصب هذا النجاح في حياة أنغيلا الصغيرة. مثلما نجح اندماج لاجئين عام 2015 إلى حد ما. فالأطفال يتكلمون الألمانية بطلاقة، عندهم صديقات وأصدقاء في المدارس ويحصلون على درجات جيدة.
بعكس ذلك مازال الوالدان يعانيان من مشاكل وصعوبات في الوقوف على أقدامهما في البلاد الجديدة. محمد يريد افتتاح كشك، زوجته التي كانت تعمل معلمة في سوريا تريد أن تصبح مربية. بحسب إحصائيات المعهد الألماني لسوق العمل ودراسة المهنة، فإن واحدا فقط من بين لاجئين اثنين من عام 2015 يعمل حاليا.
غيلزينكيرشن محطة اللاجئين
"إذا شئت منح أسرة أنغي معدلا للنجاح في الاندماج بين 1 وعشرة، سأمنحهم 5"، يقول مروان محمد، السوري الذي جاء إلى ألمانيا في عام 1995، عندما لم يكن فيها مركز للمساعدات للقادمين الجدد.
اليوم مروان محمد محام ويساعد اللاجئين في مركز كاريتاس ومسؤول عن كل ما يتعلق بالإقامات ، أنغيلا وأفراد أسرتها حصلوا على الإقامة ويرغبون بعد 3 أعوام في الحصول على الجنسية الألمانية .
المحامي لا يشتكي من العمل، إذ يعيش حوالي 10000 لاجئ في غيلزنكيرشن ، 7000 منهم من سوريا وحدها. في أفقر مدينة في ألمانيا بمتوسط دخل سنوي يزيد قليلاً عن 16000 يورو. "انتقل العديد من اللاجئين إلى هنا لأنهم لم يتمكنوا من العثور على أي شقق فارغة في ميونيخ أو كولونيا، ولكن لا تزال هناك مساحة فارغة كافية هنا."
اللغة مفتاح
هذا يصعب عملية الاندماج، ينتقد المحامي مروان محمد ويقول: "اللاجئون في مدن أخرى يندمجون بسرعة أكبر مما هو عليه الحال هنا. لأنهم مجبرون على التحدث بالألمانية والتواصل مع السكان، هنا أشبه بالحال في وطنهم، لأنهم يتكلمون العربية في المحلات. كما أن هنالك ألمانا يعيشون هنا لا يريدون التواصل مع اللاجئين".
لكن مروان محمد وفريقه في كاريتاس لم يستسلموا بعد. عندما ظهرت جائحة كورونا العام الماضي وكانت هناك حاجة ماسة للكمامات في غيلزنكيرشن، كان اللاجئون ينتجون 7000 قطعة بسرعة قياسية. اشترى الرجال القماش، فيما كانت مهمة النساء خياطته بتعليمات من الإنترنت، وقام الرجال بدورهم بتوزيعها في بيوت المسنين. وقبل بضعة أشهر، انطلقت مجموعة من اللاجئين السوريين إلى مناطق الفيضانات للمساعدة. حيث شهدت أجزاء من شمال الراين فستفاليا وراينلاند بفالتس، فيضانات مدمرة.
"نستطيع النجاح في ذلك". جملة ميركل الشهيرة يمكن أن تكون شعار اللاجئ محمد أيضا وستعيش أسرته في غيلزنكيرشين حتى بعد ترك المستشارة منصبها. يقول المحامي مروان محمد إنه حتى مع وجود اللاجئين في المدينة، مثل عائلة أنغيلا الصغيرة أو الأسر الأخرى "لم أقابل أي شخص هنا يتحدث بشكل سيء عن أنغيلا ميركل. جميع اللاجئين يحترمونها. مثل أنغي، فقد منحت الأطفال وطنا جديدا."
أوليفر بيبر/ ع.خ