أهلي أكراد فيلية
٢٨ يوليو ٢٠١١الأكراد الفيلية، جزء من واقع وتاريخ العراق. بطشت بهم أيادي النظام السابق. وتكدست أمنياتهم وأحلامهم بمنحهم حقوقهم. وتختزل ارتباطهم بالعراق وارتباط العراق بهم كلمات أغنية (أهلي أكراد أفيلية). مثلما يقول زهير كاظم عبود.
من يستمع إلى الملحن والمطرب الفنان جعفر حسن وهو يشدو بأغنية (( أهلي أكراد فيلية )) من كلمات الشاعر المبدع فالح حسون الدراجي، يتلمس حجم وعمق المعاناة التي تغمر روح الكردي الفيلي ويتلمسها مشتركا معه العراقي العربي والتركماني والكلداني والأشوري. من يتمعن في كلمات سطرتها أنامل الشاعر فالح حسون الدراجي تبرعمت داخل روحه وهو يشعر بتلك المعاناة لما عرف عنه من إحساس وطني ومواقف مشرفة، ولما يعرفه من تاريخ العراق الوطني الحديث والتصاقه بجزء من هذا التاريخ، وهو العربي ابن العربي، ليجسد تلك الروابط الأخوية المتينة وذلك الموقف الوطني الغيور على شعب العراق.
من تلك الكلمات التي امتزجت بأبداع الفنان الكبير جعفر حسن تشعرك بالشموخ، وتتلمس المعاني فتعيدك الى الجراح التي غارت في جسد الأكراد الفيليين وامتزجت بدموع الأمهات التي لم يمسحها أحد حتى اليوم، غير أن الأغنية تشكل لوحة من لوحات الضيم العراقي، وصورة من صور محنة الشعب في زمن الطغيان، تجعلك الأغنية تحلق في سماوات العراق تشارك ضيم السنين القاحلة تشعر بضيم الزمن المر.
من يريد أن يستعيد المأساة التي لم يعالجها أحد حتى اليوم، تلك المعالجة التي تنسجم وتستقيم مع ما لحق الفيلية من أضرار وظلم وضيم، بالرغم من كل المناشدات والمقالات والكتابات التي ناشدت العهد الجديد فليستمع للأغنية، فلم يزل الأكراد الفيليين يتلقون الوعود والمساندة الإعلامية والكلام المعسول من كل الجهات، فتكدست تلك التمنيات والأحلام، وتزاحمت تلك الوعود والكلمات، إلا أنهم لم يقبضوا سوى تكرار لتلك الكلمات التي حفظوها. ومع أن الواقع تغير، فلم يتم الالتفات إلى تلك الأعداد من الشباب التي غابت عن أعين الآباء والأمهات ولم يتعرف أحد على مصيرها وقبورها وأماكن دفنها، ولم يلتفت احد إلى التجارب الكيمائية التي جرت على شباب من أبناء الأكراد الفيلية، أو يلتفت أحد إلى تلك المنافي الصحراوية القاحلة التي أكلت من الفيليين المئات من الرجال، ولم يلتفت احد إلى تلك الأعداد التي تم تهجيرها تضللها سماء الله وأرواحها الطاهرة وتم رميها خارج الحدود، ولم يلتفت احد إلى طرق الألغام التي عبرتها جموع الأكراد الفيلية .
لم يصور احد تلك المعاناة الإنسانية التي مرت بها تلك الشريحة المنكوبة، ولم يسلط عليها الأعلام، ولم تدون قصائد الشعراء ما مر بها سوى تلك الكلمات النابعة من الروح التي كتبها أبا حسون، وهو يشعر أن أهله ليس فقط في مدينة الثورة ولا في العمارة والناصرية والموصل وهولير، إنما يصطف مع الجموع التي لم تزل تنادي بأنصاف الفيلية مما لحقهم من ظلم وتهميش وتعسف.
جعفر حسن (( فنان الشعب)) الكبير بفنه وروائعه يجسد تلك المعاناة بلمسة فنية ممتزجة بموسيقى ساحرة تنبع من عمق الأرض التي تمسك الفيلية بجذورها، وأعطوها من نبع أرواحهم ما تستحق منهم، وجعفر حسن الذي بدأ مشواره الفني مع تباشير ثورة 14 تموز 1958، ودخل معهد الفنون الجميلة / قسم الموسيقى متسلحا بذائقة فنية عالية بالإضافة إلى خبرة اكتسبها من مدينته الطيبة خانقين مستمرا بالعطاء الفني الملتزم. تتلمذ على يد موسيقيين كبار من أمثال منير بشير وغانم حداد وسالم حسين وجميل سليم وجميل جرجيس وكاك قادر من السليمانية، مارس التمثيل إضافة إلى الغناء ، ويعد قامة من قامات الفن العراقي بحق، وهو من أبناء الكرد الفيلية.
أما الشاعر العراقي فالح حسون الدراجي فيكفيه تلك القصائد التي يتغزل بها بالشعب وبالفقراء الذين ينتمي لهم، ويعد فالح من الشعراء العراقيين الكبار، وقد امتزجت كلماته النابعة من دفق الروح حيث يعيش وسط محنة المظلومين، ويتقدم الصفوف للعطاء للعراق وأهله الطيبين، فيكتب بصدق وعفوية عن الوجع العراقي.
كلمات الأغنية التي تختزل محنة الأكراد الفيلية وتصور مشاهد الاستلاب والممارسات الهمجية والمنافية لأبسط حقوق الإنسان، وفي الوقت الذي شكلت الأغنية مدعاة للفخر والتباهي بالأكراد الفيلية، وبتاريخهم وعطائهم ومواقفهم التي سجلها التاريخ العراقي القديم والحديث بفخر، فأن الأغنية وبكلمات الرائع جعفر حسن وشدو أنغامه تجعلنا نرحل نستعيد همجية النظام المقبور، والليالي المظلمة والموحشة التي مرت على البنات والأولاد وهم يرمقون دموع أهاليهم وهم يتوجهون نحو المجهول متسلحين بأرواحهم وضمائرهم، يقتاتون من حشاش الأرض ويحتمون بظهور بعضهم من ذئاب الليل. تمعنوا وأنصتوا بمهابة إلى أغنية الفنان جعفر حسن ((أهلي أكراد فيلية))، واستذكروا معي محنة تلك الشريحة المعطاء التي لم تستحق يوما إلا التقدير والاعتزاز والاحترام.
زهير كاظم عبود
مراجعة:عباس الخشالي