أوروبا تبحث عن حلول في مواجهة سياسة ترامب "النزواتية"
١٧ مايو ٢٠١٨
وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأوروبيين أمام خيارات صعبة، بعد قراره الانسحاب من النووي الإيراني ورفع الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. الأوروبيون يرفعون أصواتهم موحدة ضد ترامب فهل يذهبون أبعد منذ لك؟
إعلان
لم يتحدث قادة دول الاتحاد الأوروبي يوما بلسان واحد كما هو حالهم قبيل اجتماعهم في العاصمة البلغارية صوفيا صباح اليوم الخميس (17 مايو/ أيار 2018) . وذلك بخصوص ملفي الاتفاق النووي الإيراني والرسوم الجمركية الأمريكية.
والقمة الأوروبية هذه كان بالأصل مقررة للاجتماع برؤساء دول غرب البلقان من أجل مناقشة سبل دمج المنطقة بشكل أوثق مع التكتل الأوروبي، لكن قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة جعلت القادة يركزون أولا عن مسألة البحث عن آليات رد أوروبية على "نزوات" ترامب التي أدخلت الأوروبيين في عنق الزجاجة.
ويصر قادة دول الاتحاد الأوروبي على الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني، رغم انسحاب الولايات المتحدة منه. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: "الكل في الاتحاد الأوروبي يتفقون في الرأي بأن الاتفاق ليس مثاليا، ولكن علينا البقاء فيه والمضي في إجراء المزيد من المفاوضات مع إيران حول قضايا أخرى، مثل البرنامج الباليستي".
فيما قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتس إنه من المهم أن تتحرك دول الاتحاد الأوروبي بطريقة منسقة، وهو "ما كان واضحا خلال عشاء العمل. جميعا نتعاون هنا". ومضى بالقول: "أمامنا أسابيع قليلة متبقية لإنقاذه...ولا أحد يستطيع القول الآن ما إذا كنا سننجح، ولكننا سوف نبذل كل ما في وسعنا".
"لا يمكنك العمل في إيران ولديك عمل في الولايات المتحدة"
مسائيةDW : هل ما زالت الولايات المتحدة شريكا للأوروبيين؟
24:42
ورغم الموقف الأوروبي الحازم بهذا الشأن، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ أي قرار ملموس إلى غاية اللحظة مع تزايد الضغوطات على الشركات الأوروبية في إيران.
وبالفعل، لوح العديد منها بالخروج من إيران، آخرها شركة توتال الفرنسية العملاقة. وصباح الخميس أعلنت ايه.بي مولر-ميرسك، أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، نيتها وقف نشاطها في إيران امتثالا للعقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق.
وأوضح سورين سكو الرئيس التنفيذي للشركة في مقابلة أجريت معه عقب إعلان نتائج الشركة للربع الأول من العام "مع العقوبات التي سيفرضها الأمريكيون لا يمكنك العمل في إيران إن كانت لديك أيضا أعمال في الولايات المتحدة ونحن لدينا هذا على نطاق كبير".
ومن جانبه علَّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تصريحات مسؤول مولر- ميسك، مبديا تفهمه لقلق الشركات الكبيرة الراغبة في حماية مبيعاتها الأمريكية، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن "المهم هو أن يكون بوسع الشركات وبخاصة المتوسطة التي ربما تكون أقل انكشافا على الأسواق الأخرى، الأمريكية وغيرها، القيام بهذا الاختيار بحرية". كما طرح ماكرون إمكانية تعويض الشركات المتضررة، دعما لذات المقترح المقدم من قبل المفوضية الأوروبية.
ميركل تطرح مسألة تقديم تنازلات لترامب
الرسوم الجمركية على الحديد والألومنويم بدورها من التحديات الكبرى التي وضعها ترامب على طريق الأوروبيين. وفي اجتماعهم جددوا المطالبة بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، قبيل مناقشة مسألة تعميق الروابط التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمام التكتل الأوروبي إلى غاية نهاية الشهر للتفاوض بشأن الحصول على إعفاء دائم من الرسوم التي تبلغ نسبتها 10 بالمائة على الحديد و25 بالمائة على منتجات الألومنيوم التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آذار/مارس والتي لم يحصل التكتل إلا على إعفاء مؤقت منها.
وقبل انطلاق أعمال الاجتماع الأوروبي، أظهرت المستشارة ميركل من خلال تصريحات نوعا من الليونة تجاه الأمريكيين، حيث طرحت إمكانية تقديم تنازلات أوروبية على طاولة النقاش، وذلك عبر الحديث عن إمكانية خفض بشكل تبادلي للعوائق التجارية، مقابل الاعفاء الدائم من الرسوم.
و.ب/م.س (د ب أ، رويترز، أ ف ب)
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.