إعفاء أوروبي محتمل لألمانيا من استقبال لاجئين إضافيين
علاء جمعة د ب ا
١٢ نوفمبر ٢٠٢٥
بينما تتجادل دول الاتحاد الأوروبي حول توزيع أعباء الهجرة واللجوء، يبدو أن ألمانيا ستكون المستفيد الأكبر من النظام الأوروبي الجديد، إذ كشفت وثيقة داخلية أن برلين يمكن أن تُعفى مؤقتا من استقبال لاجئين إضافيين.
بحسب التحليل الذي أعدّه مفوض الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي ماغنوس برونر، يمكن لبرلين أن تجادل بأنها تستضيف بالفعل عدداً كبيراً من طالبي اللجوء الذين تقع مسؤوليتهم على دول أوروبية أخرى بموجب اتفاقية دبلن.صورة من: Moritz Frankenberg/dpa/picture alliance
إعلان
أظهر تحليل حصلت عليه وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن ألمانيا تستطيع حتى نهاية العام المقبل التقدّم بطلب رسمي للإعفاء من التزاماتها ضمن آلية "تجمّع التضامن"، التي أُنشئت في إطار إصلاح نظام اللجوء الأوروبي لتخفيف الضغط عن الدول الأكثر تضرراً من تدفقات المهاجرين.
وأضاف التقرير أن هذا الوضع سيمنح ألمانيا الحق في عدم استقبال مهاجرين إضافيين وعدم تقديم مساهمات مالية أو عينية كبديل، كما هو مطلوب من الدول التي ترفض استقبال اللاجئين.
جنوب أوروبا يطالب بالتضامن
وفقاً لتحليل المفوضية، فإن بعض الدول ستكون الأشد تضرراً من ضغوط الهجرة خلال العام المقبل، ما يجعلها مؤهلة لتلقي الدعم من شركائها في الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت المفوضية أن دولاً مثل اليونان وقبرص وإسبانيا وإيطاليا ستُعتبر في عام 2026 الأكثر تأثراً بضغوط الهجرة، إذ تواجه الأولى والثانية أعداداً غير متناسبة من الوافدين، فيما تتعامل إسبانيا وإيطاليا مع أزمات متكررة ناجمة عن عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط.
وفي المقابل، وضعت المفوضية كلا من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا ضمن مجموعة الدول المعرّضة لخطر متزايد نتيجة ارتفاع أعداد الوافدين وضغط أنظمة الاستقبال، ما يعني أنها ستؤدي أدواراً تضامنية أخرى بدلاً مناستقبال لاجئين إضافيين.
كما تعاني دول مثل النمسا وبولندا وبلغاريا والتشيك وإستونيا وكرواتيا من “وضع هجرة حاد”، يتيح لها التقدم بطلب إعفاء كلي أو جزئي من الالتزامات التضامنية الجديدة، نظراً لتراكم الأعباء خلال السنوات الخمس الماضية.
إعلان
التزامات جديدة على بعض دول الاتحاد
من جهة أخرى، ستتحمل دول مثل السويد والبرتغال والمجر ورومانيا ولوكسمبورغ التزامات باستقبال مهاجرين من دول أخرى أو المساهمة بمساعدات مالية ولوجستية.
وتقضي القواعد الجديدة بأن يتم إعادة توطين ما لا يقل عن 30 ألف طالب لجوء سنوياً، أو دفع مساهمات مالية إجمالية بقيمة 600 مليون يورو سنوياً لصندوق التضامن، إلا أن الأرقام الفعلية في العام المقبل ستكون أقل لأن النظام لن يدخل حيز التنفيذ قبل منتصف 2026.
تأتي هذه التطورات في إطار تطبيق إصلاح شامل لنظام اللجوء الأوروبي الذي يسعى إلى تحقيق توزيع أكثر عدالة للمسؤوليات بين الدول الأعضاء.
وبموجب النظام الجديد، يمكن للدول الوفاء بالتزاماتها التضامنية عبر استقبال طالبي لجوء، أو دفع مساهمات مالية، أو تمويل مشاريع ضد الهجرة غير النظاميةفي دول المنشأ والعبور.
ومن المقرر أن يدخل هذا النظام حيز التنفيذ الكامل منتصف عام 2026، بعد الانتهاء من المفاوضات بين الدول الأعضاء حول تفاصيل "صندوق التضامن".
نقاش داخلي في برلين
ويرى مراقبون أن إعفاء ألمانيا المؤقت قد يخفف من الضغوط السياسية الداخلية، خصوصاً في ظل تصاعد الجدل حول سياسة اللجوءبعد تولي الائتلاف المحافظ السلطة في مايو/ أيار الماضي. لكن هذا الإعفاء قد يثير أيضاً انتقادات أوروبية، إذ تعتبره بعض الدول "تمييزاً إيجابياً" لصالح برلين، التي ما زالت تتمتع بنفوذ واسع داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
بدورها، قالت خبيرة الهجرة فيكتوريا ريتيش إن سياسة الهجرة الألمانية في ظل الحكومة الائتلافية المحافظة لم يكن لها تأثير يذكر على عدد طالبي اللجوء في البلاد.
وأوضحت ريتيش، الباحثة ورئيسة مركز الهجرة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، أن الانخفاض الحاد في طلبات اللجوء الأولى مقارنة بالعام
الماضي يعود بشكل أكبر إلى التغيرات السياسية في سوريا وتأثير الاتفاقات الدولية، أكثر منه إلى السياسات الوطنية داخل ألمانيا. وجاءت تصريحاتها يوم الثلاثاء خلال أيام الهجرة في نورمبرج، التي ينظمها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
وبحسب بيانات المكتب، تم تقديم 142 ألفا و495 طلب لجوء إلى ألمانيا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، من بينها 97 ألفا و277 طلبا أوليا، أي ما يقارب نصف عدد الطلبات المقدمة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ومن يناير/ كانون الثاني حتى أبريل/ نيسان، أي قبل تغيير الحكومة في مايو/ أيار، كان عدد الطلبات الأولى قد انخفض بالفعل بنسبة 43% تقريبا.
ألمانيا واللاجئون.. كيف تغير الحال منذ الترحيب الكبير في 2015؟
أغلبية الألمان كانت في عام 2015 مع استقبال اللاجئين ومنحهم الحماية. ولكن الأمور لم تستمر كذلك، حيث تراجعت نسبة التأييد للاجئين بشكل متسارع اعتباراً من مطلع عام 2016. نستعرض ذلك في هذه الصور.
صورة من: Odd Andersen/AFP/Getty Images
ميركل وعبارتها الشهيرة
"نحن قادرون على إنجاز ذلك". عبارة قالتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في هذا المؤتمر الصحفي للحكومة، الذي عقد بتاريخ 31 أغسطس/آب 2015. لم تكن تعرف حينها أن الجملة ستدخل التاريخ الألماني الحديث، وتسبب استقطاباً في البلاد، ويتحول الرأي العام الألماني من مرحب بنسبة كبيرة باللاجئين، إلى تناقص هذه النسبة بمرور السنوات.
صورة من: Imago/photothek/T. Imo
تأييد كبير لاستقبال اللاجئين
حتى مع ارتفاع أعداد طالبي اللجوء إلى ألمانيا من حوالي 41 ألف طلب لجوء في عام 2010 إلى 173 ألف طلب لجوء في 2014، كانت الأغلبية الساحقة من الألمان، في مطلع عام 2015، مع استقبال اللاجئين وتقديم الحماية لهم.
صورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance
أول محطة ترحيب
صيف وخريف 2015 شهد ذروة موجة اللجوء الكبيرة. فبعد أخذ ورد على المستوى السياسي الألماني، ومع الدول الأوروبية المجاورة، سمحت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بدخول طالبي اللجوء إليها. مئات الآلاف دخلوا البلاد خلال أسابيع قليل. وظهرت صور التعاطف معهم من جانب السكان الألمان. وكان ذلك واضحاً للعيان في محطات القطارات وفي مآوي اللاجئين.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
التأييد حتى على مدرجات الملاعب
وحتى على مدرجات ملاعب كرة القدم، في مباريات الدوري الألماني (بوندسليغا)، شاهد العالم عبارات الترحيب باللاجئين، كما هنا حيث رفعت جماهير بوروسيا دورتموند هذه اللافتة العملاقة بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين أول 2015.
وبالمجمل وصل إلى ألمانيا خلال عام 2015 وحده حوالي 890 ألف طالب لجوء.
صورة من: picture-alliance/G. Chai von der Laage
الرافضون لاستبقال اللاجئين أقلية في 2015
بنفس الوقت كان هناك رافضون لسياسة الهجرة والانفتاح على إيواء اللاجئين، وخاصة من أنصار حركة "بيغيدا" (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، الذين كانوا يخرجون في مسيرات، خصوصاً في شرق البلاد، للتعبير عن رفضهم لاستقبال اللاجئين. كما كانت تخرج مظاهرات مضادة لحركة "بيغيدا" وداعمة لاستقبال اللاجئين.
صورة من: Reuters/F. Bensch
ليلة الانعطاف الكبير
وبقي الرأي العام منفتحاً على استقبال اللاجئين حتى ليلة حاسمة، مثلت علامة فارقة في قضية الهجرة واللجوء في ألمانيا. فبينما كان العالم يودع عام 2015 ويستقبل 2016، والاحتفالات السنوية تقام أيضا في المدن الألمانية، وردت أنباء متتالية عن عمليات تحرش بالكثير من الفتيات في موقع احتفال برأس السنة في مدينة كولن (كولونيا). أكثر من 600 فتاة تعرضن للتحرش والمضايقات.
صورة من: DW/D. Regev
تعليق لم الشمل لحملة الحماية المؤقتة
من تلك اللحظة بدأ المزاج العام في التغير وأخذ حجم التأييد لاستقبال اللاجئين يتراجع في الرأي العام الألماني. وبدأ التشديد في قوانين الهجرة واللجوء، كتعليق لم الشمل لمدة عامين للاجئي الحماية الثانوية (المؤقتة)، بموجب القانون الذي صدر في ربيع عام 2016، والذي صدر في عهد وزير الداخلية آنذاك توماس دي ميزير.
صورة من: Getty Images/AFP/J. McDougall
الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين 2016
وقبل أن يودع الألمان عام 2016 بأيام قليلة، أتت كارثة جديدة صدمت الرأي العام: هجوم بشاحنة على سوق لعيد الميلاد في العاصمة برلين، نفذه اللاجئ التونسي سميح عمري. 13 إنسان فقدوا حياتهم في الهجوم، وأصيب 63 آخرون. حصيلة مؤلمة ستترك ندوباً في المجتمع.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب البديل يدخل البرلمان للمرة الأولى
استفاد من هذه الأحداث حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المناهض لسياسة الهجرة واللجوء الحالية والرافض لاستقبال اللاجئين كلياً. ليدخل الحزب البرلمان الألماني لأول مرة في تاريخه، محققاً المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي أقيمت في سبتمبر/أيلول 2017، بنسبة 12.6 بالمئة.
صورة من: Reuters/W. Rattay
استمرار الاستقطاب
شهدت السنوات اللاحقة استمرار الاستقطاب في المجتمع، خصوصاً مع بعض الهجمات التي نفذها لاجئون، بدوافع إرهابية. أمر قلص الدعم الشعبي للهجرة. إلى أن تراجعت الشعبية، وبات قرابة ثلثي الألمان في استطلاعات الرأي يريدون استقبال أعداداً أقل من اللاجئين أو وقف استقبالهم كلياً.