أوروبا "ضحية" في مرمى نيران الحرب التجارية بين أمريكا والصين
٤ فبراير ٢٠٢٣
يهدد "قانون خفض التضخم" الأمريكي بأضرار كبيرة للاتحاد الأوروبي. ورغم أن هدفه هو "كبح جماع الاعتماد على الصين"، إلا أن خبراء يرون أن أوروبا "ضحية" للقانون الذين يصفه البعض بأنه "معاد لأوروبا أكثر من الصين"!
إعلان
وضعت المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين أوروبا في مرمى النيران، فيما تهدّد خطة "قانون خفض التضخم" الأمريكية لتعزيز الصناعات الخضراء بإحداث أضرار جانبية لحليف رئيسي لها.
وستكون هذه الخطة الأمريكية على قائمة زيارة وزيرَي الاقتصاد الفرنسي برونو لومير والألماني روبرت هابيك لواشنطن الثلاثاء المقبل، قبل أن يعدّ الاتحاد الأوروبي ردّه على هذه الخطة، بمناسبة انعقاد قمة لرؤساء دول وحكومات التكتل يومي 9 و10 شباط/ فبراير. وينص "قانون خفض التضخم" الذي خصص له 430 مليار دولار، على تقديم إعانات للصناعات الخضراء مثل الشركات المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، على غرار النموذج الصيني للإعانات على أراضيها، شرط أن تصنع الشركات هذه المنتجات في الولايات المتحدة.
وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية توبياس غيركه: "أحد الأهداف الرئيسية للقانون الأمريكي لخفض التضخم هو استبعاد الموردين الصينيين من سلاسل إنتاج الطاقة النظيفة"، معتبرًا أن الولايات المتحدة فكّرت "أولًا وقبل كل شيء" في مصلحتها الخاصة من حيث استحداث فرص العمل والتصنيع وكذلك تقليل اعتمادها على الصين.
وتشكل الصين لاعبًا رئيسيًا في قطاع السيارات الكهربائية مع سيطرتها على 78 بالمائة من الإنتاج العالمي لخلايا البطاريات وثلاثة أرباع المصانع الكبرى لتصنيع بطاريات الليثيوم-أيون، وفقًا لدراسة أجراها معهد "بروكينغز إنستيتيوشن" في واشنطن. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لم تطرح مسألة أوروبا في هذا الملف إلا في مرحلة لاحقة، وفق ما أضاف غيركه، كما حصل بالنسبة إلى كوريا الجنوبية أو اليابان، وهما بلدان حليفان تقليديان لواشنطن لكنهما استثنيا من الإعانات، خلافًا للمكسيك وكندا.
"أوروبا ضحية خطوة غير مقصودة"!
من جهتها، قالت سيسيليا مالمستروم المفوضة الأوروبية السابقة للتجارة والتي تعمل الآن في معهد بيترسون للبحوث في واشنطن لوكالة فرانس برس: "أصبحت أوروبا ضحية نوعًا ما" في هذا الجهد لتقليل الاعتماد على الصين، مضيفة "لا أعتقد أنه كان مقصودًا استهداف الأوروبيين".
فقد بدأت المواجهة الشرسة على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. اتّخذ ذلك بداية شكل رسوم جمركية عقابية في وقت مبكر من العام 2018 بقيت سارية بعد انتخاب جو بايدن الذي اعتمد هو أيضًا لهجة متشددة تجاه بكين.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت واشنطن في تشرين الأول/ أكتوبر قيودًا على تصدير بعض المكونات الإلكترونية إلى الصين باسم المصلحة الوطنية بتبنيها "قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم" (تشيبس آكت) الذي يوفر حوالي 53 مليار دولار لدعم إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة... وصولًا إلى "قانون خفض التضخم". "الخطة معادية لأوروبا أكثر من الصين"!
وكتب جون بيتمان من مركز كارنيغي إندومنت للسلام الدولي للبحوث في مجلة فورين بوليسي أن الأمريكيين سيسعون "إلى إبطاء الازدهار التكنولوجي للصين بأي ثمن". وتعمّقت مخاوف أوروبا عقب الأزمة الاقتصادية وأزمة الإمداد اللتين تسببت بهما جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا التي وضعت قواعد العولمة محل تساؤل.
وتثير هذه الأولوية العالمية مخاوف من حدوث سباق للحصول على الإعانات في الولايات المتحدة وفي الصين، وكذلك في أوروبا حيث تريد المفوضية تسهيل توزيع مساعدات حكومية ردًا على سياسيات منافسيها. وقال باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، إن على أوروبا "ممارسة الضغط" على واشنطن لأن الخطة "معادية لأوروبا أكثر مما هي معادية للصين".
كذلك، يثير هذا الجمود بين الحليفين التاريخيين مسألة الإستراتيجية الأوروبية تجاه الصين، وفق توبياس غيركه، في حين أصبحت المكونات الصينية في صلب عملية تصنيع السيارات الكهربائية في القارة. وقال غيركه: "كما يحصل في الولايات المتحدة، فإن سلاسل إمداد الطاقة النظيفة في أوروبا تعتمد بشكل خطر على الصين"، مشيرًا إلى أن "التركيز على هذا الارتهان يصب في المصلحة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي وقد يقنع واشنطن بأن أوروبا حليف ضروري في مواجهة الصين".
م.ع.ح/ع.ج (أ ف ب)
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.