أوروبا وسويسرا - العودة إلى نقطة الصفر؟
١٩ فبراير ٢٠١٤لا يزال عدد من السويسريين يأملون بأن لا تتطور الأمور نحو الأسوأ، وأن لا تترجم تهديدات المفوضية الأوروبية إلى أفعال، فتلغى العقود المبرمة بين بلادهم والإتحاد الأوروبي، كما دعا إلى ذلك بعض نواب في ابرلمان الأوروبي. ويأتي هذا بعد استفتاء أجري مؤخرا في سويسرا صوتت فيه الغالبية (50,3 بالمائة) بالموافقة على الحد من تدفق المهجرين من دول الاتحاد الأوروبي إلى سويسرا، وهو ما أثار صدمة شديدة داخل الدول الأوروبية الأعضاء سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى الرأي العام.
وسبق للمتحدث عن المفوضية الأوروبية أن كشف يوم السبت الماضي (15 فبراير/ شباط 2014)، عن نية "وقف المعاهدات الثنائية المتعلقة بالأبحاث العلمية"، و"استثناء سويسرا من قائمة الدول الشريكة المستفيدة من ببرنامج "إيراسموس" الأوروبي للتبادل العلمي بين الطلبة والأطر العلمية. وحول ذلك، أعربت النائبة السويسرية كاتي ريكلين عن خشيتها من أن تتخذ المفوضية تدابير "أكثر ضررا" بسويسرا. وتهتم النائبة عن الحزب المسيحي الديمقراطي ورئيسة اللجنة السويسرية- الأوروبية داخل البرلمان السويسري بمستقبل العلاقات الثنائية، وترى أن وقف العمل باتفاقيات التبادل العلمي سيشكل ضربة موجعة بالنسبة للسويسريين.
شبح الإبعاد
ومنذ أزيد من عقد كامل، تشارك سويسرا في البرنامج العلمي الأوروبي "آفاق/ Horizon" الذي خصصت له ميزانية بلغت في الفترة ما بين 2014 و202 وحدها، ثمانين مليار يورو. ويهدف هذا البرنامج إلى تطوير مستوى البحث العلمي في عدد كبير من الجامعات والمعاهد الأوروبية. وتشير النائبة كاتي ريكلين إلى أن أهمية البرنامج لا تكمن في الإمكانيات المالية الضخمة التي يتوفر عليها، وإنما في الاستفادة العلمية التي تتم عبر قنوات وشبكات دولية، مؤكدة أن سويسرا حققت "تقدما كبيرا" بفضل مشاركتها في هذا البرنامج. حرمان سويسرا من المشاركة في برنامج "آفاق" العلمي، يعني أيضا "إبعادها" عن برنامج ناجح بجميع المقاييس، وهذا ما سيتسبب في "إحباط قوي وخسارة كبيرة للقطاع العلمي في سويسرا". كذلك الشأن بالنسبة لبرنامج التبادل العلمي "إيراسموس" الذي يستفيد منه حوالي ثلاثة آلاف طالب وأستاذ جامعي سويسري من العمل أو الدراسة في جامعات دول الاتحاد الأوروبي، غير أن الاتحاد أوقف النظر في جميع الطلبات القادمة من بيرن.
واعتبر البعض أن وقف المعاهدات المتعلقة بالتبادل والبحث العلمي ما هي إلا خطوة أولى باتجاه إبعاد سويسرا عن الإتحاد الأوروبي. ولأن السويسريين يريدون الاستفادة من علاقاتهم مع الإتحاد الأوروبي، دون أن تصبح بلادهم عضوا فيه، فضلت حكومات بيرن المتعاقبة طيلة العقود الخمسة الأخيرة إبرام معاهدات ثنائية تعزز من مستوى التعاون المشترك. وكانت النتيجة إبرام 120 معاهدة تشمل جميع المجالات، بما في ذلك تحديد حتى شكل ومكونات عقارب الساعة السويسرية تتمتع بميزة التسويق داخل الإتحاد بعلامة الساعة "السويسرية المشهورة". وإذا ما قام الإتحاد بتعديل قوانينه أو اعتماد أخرى داخليا، فإن سويسرا تقوم فورا بالشيء ذاته حتى تتمكن من تصدير منتوجاتها وبيعها في السوق الأوروبية.
عضو "صامت"
جميع هذه المعطيات دفعت بالنائب في البرلمان الأوروبي، الألماني أندرياس شفاب، إلى القول، "إن سويسرا ومنذ فترة طويلة عضو "صامت" داخل الاتحاد"، ومقومات هذا الصمت تتجلى في أن "بيرن لا يمكنها المشاركة في العملية التشريعية لكنها تتبنى القوانين ذاتها فيما بعد.أيضا هي لا تشارك إلا في نطاق محدود في القضايا التي تتخطى الحدود الجغرافية، رغم أنها تسعى إلى تعزيز مستويات الشراكة لما يخدم مصالحها الاقتصادية".
بدورها تؤكد النائبة السويسرية كاتي ريكلين أن الاقتصاد السويسري لم يزدهر بقوة إلا بعد فتحالحدود مع أوروبا. ولا تعتقد النائبة السويسرية أن يقوم الاتحاد بالتشكيك في علاقاته مع سويسرا بسبب نتائج الاستفتاء المؤيدة للحد من الهجرة الأوروبية. غير أن الأرقام تبيّن أن التبعية السويسرية لأوروبا أقوى بكثير من تبعية أوروبا لبيرن، فثلثا الصادرات السويسرية تتجه نحو أوروبا، في حين لا يصدر الاتحاد سوى 7% من مجموع سلعه إلى الجارة سويسرا. ومن ثمة فإن وقف المعاهدات المبرمة بين الطرفين، سيضر بالاقتصاد القومي السويسري، بشكل "لا يمكن تصوره"، وإذا ما تبنت المفوضية منطقا صارما اتجاه بيرن، فعلى السويسريين التراجع عن مواقفهم، تقول ريكلين. وأظهرت استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا في سويسرا أن 74 بالمائة صوتوا على مواصلة العمل بالعقود الثنائية مع الاتحاد الأوروبي.