أوري أفنيري: محاربة "الأساطير" مفتاح السلام الشرق الأوسطي
٧ يوليو ٢٠٠٦"على مدى 72 عاماً، قضيتها في فلسطين، لم أقض يوماً واحداً خالياً من الحرب." هكذا وصف الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري حياته التي لم تعرف السلام قط. كانت نقطة البداية في ألمانيا - مهد طفولته - حيث عاصر الحركات النازية المتصاعدة آنذاك، والتي كانت قد وصلت إلى أوج قوتها وعنفوانها في ذلك الوقت. ثم شهد أفنيري الشهور الأولى للحكم العنصري الألماني أو "الإمبراطورية الثالثة"؛ وأخيراً، رأى بأم عينيه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بعدما فرت أسرته من الحكم الألماني الغاشم، قاصدةً فلسطين كموطن للهجرة والاستقرار. ويُعبر أفنيري عن حياته هناك في عبارة موجزة قائلاً: "أخبارنا اليومية لا تخلو من أحداث الحرب؛ وذلك طوال 72 عاماً. ومن ثم، فإن السلام بالنسبة لنا – في بلادنا – لا يتعدى كونه قصة خيالية."
الفرص الضائعة
منذ قدومه إلى فلسطين – وهو في العاشرة من عمره – آمن أفنيري بضرورة التعايش بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، كما آمن بحتمية جعل القدسَ عاصمةً مشتركةً للدولتين. ومن ثم، لم يكن غريباً عليه، قيامه – كأول إسرائيلي – بمقابلة ياسر عرفات، قائد منظمة التحرير الفلسطينية حينذاك، في أثناء الحرب اللبنانية عام 1982. وكذلك لم يكن مُستغرَباً، قيامه – قبل عام 1982 – بإرساء علاقات سرية مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. إن ما فعله أفنيري مع عرفات كان متماشياً مع فكره، إلا أنه لم يكن متماشياً مع الفكر العالمي.
يعتقد أفنيري بأن فرص السلام موجودة دائماً وأبداً والدليل لقاءه مع عرفات. إلا أنه يأسف أسفاً بالغاً، لتفويت مثل هذه الفرص السابقة من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين معاً. ولذلك يُطالب أفنيري الكُتاب باستنهاض تلك الفرص، بل ألزمهم بضرورة التحرك لتغيير الوضع. "إن الكاتب بوسعه، ويجب عليه، بل هو مُلزم بتغيير الوضع."
المشكلة في "الأساطير" و"الكواكب"
يعتقد أفنيري بأن المشكلة الكبرى – بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني – تكمن في "الأساطير" التي تخلفها الحروب عادةً. وهي أساطير تتحدث غالباً عن "الضحية" و"العدو". ويرى أن تحديد من هو "الضحية" ومن هو "العدو" يقود إلى إعاقة أية بادرة للتغيير أو الفهم، حسب رأي أفنيري.
ومن ثم، يرى الكاتب الإسرائيلي أن مسئولية الكاتب تتحدد هنا من خلال مجابهته ومكافحته لمثل هذه "الأساطير"، بحيث يقوم الطرف الأول بالقضاء على "أساطيره" – التي تولدت من خلال الحرب – من ناحية، ويقوم بتفهم "أساطير" الطرف الآخر (العدو) من الناحية الأخرى. "إن الحرب الحقيقية، وإن العداء الحقيقي إنما يكمن في الصدام بين الأساطير. فحينما أتحدث عن أصدقاء فلسطينيين، فيجب علي ساعتها وضع اختلاف التجارب بين الطرفين في الاعتبار. بمعنى آخر، يجب علي دائماً إدراك تجاربي الذاتية في بلادي من منظور مختلف اختلافاً جذرياً عن تجارب الآلاف الذين يعيشون على الجبهة الأخرى. وكذلك، فإن نفس الوقائع – التي يشهدها كل إسرائيلي في صورةٍ واحدة – يُنظر إليها بعين أخرى من قبل الطرف الآخر." ويُضيف أفنيري مُكملاً: "إن الأمر يبدو لي وكأننا لا نتحدث عن شعبين – يعيشان معاً في بلد صغير واحد – بل وكأننا نتحدث عن شعبين، يعيشان في بقعتين مختلفتين على الكرة الأرضية – أو على كوكبين مختلفين."
كل طرف مؤمن بحقه فقط
ينتقد أفنيري قناعة كل طرف بحقه؛ تلك القناعة التي تصل إلى الحد المطلق، أو قناعة المائة في المائة، كما يصفها أفنيري. فالإسرائيليون يؤمنون بالأحقية الكاملة في شنهم لحرب عام 1948، وبأحقيتهم المطلقة في الاستقلال وانشاء دولتهم الإسرائيلية. وعلى الجانب الآخر، يؤمن الفلسطينيون بحقهم الكامل في أرضهم التي اغتصبت منهم في عام 1948، والتي أفضت إلى طرد نصف الشعب الفلسطيني خارج أرضه. "إن ما نسبته 99.9 % من الإسرائيليين والفلسطينيين يؤمن بتلك الأساطير وهم على استعداد كامل للتضحية بحياتهم من أجل هذه الأساطير"، كما يشير أفنيري.
ومن ثم، يرى أن الحل الحقيقي إنما يتمثل في اعتقاد كل طرف بأحقية الطرف الآخر. "إننا نستطيع فقط الاقتراب من السلام، إذا ما أدرك كل طرف بأنه مثلما يرى حقه المطلق في شيء، يرى أيضاً حقا للطرف الآخر أيضا."
إن الأمر يحتاج صبراً ووقتاً، حسب رؤية أفنيري الذي يُعول كثيرا على دور الكتاب والصحافيين والمثقفين في تحطيم تلك الرؤى "الأسطورية"، على الرغم من حوادث الاقتتال والعنف التي يمر بها الطرفان في الوقت الحالي، والتي مرا بها في الماضي.