أولاف شولتس ـ من هو مستشار ألمانيا الجديد بعد أنغيلا ميركل؟
٨ ديسمبر ٢٠٢١
أصبح أولاف شولتس رابع مستشار لألمانيا من الحزب الاشتراكي بعد فيلي برانت وهيلموت شميت وغيرهارد شرودر، ليخلف حقبة طويلة من تولي المستشارة السابقة ميركل المنصب لـ 16 عاما، فمن هو شولتس الموصوف عادة ما بالبراغماتي الانطوائي؟
إعلان
الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2021 من أهم الأيام في حياة الاشتراكي أولاف شولتس (63 عاماً)، فهو اليوم الذي أُنتخب فيه رسمياً مستشاراً لألمانيا ويتسلم فيه رسمياً من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير وثيقة تعيينه في المنصب الذي شغلته المسشتارة السابقة أنغيلا ميركل طيلة 16 عاماً. ويرأس السياسي الهادئ ائتلافاً حكومياً من حزبه الاشتراكي والخضر والديمقراطي الحر، وجاء الائتلاف بعد نحو شهرين من المفاوضات الصعبة، ليتم الاتفاق على "إشارة المرور"، كما يُسمى التحالف بسبب ألوان الأحزاب المشاركة الأحمر والأصفر والأخضر.
من كان يظن أنه عندما تم ترشيح أولاف شولتس لمنصب المستشار من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في آب/ أغسطس 2020؟ خصوصاً وأنه خسر في 2019 المعركة على رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ليس فقط لأن الحزب كان يتوق لقيادة يسارية صريحة، لكن أيضاً لأن البراغماتي الانطوائي لم يتمكن من كسب قلوب الاشتراكيين الديمقراطيين العاطفيين في كثير من الأحيان. بيد أن ذلك كله لم يمنع شولتس من يكون شولتس رابع مستشار لألمانيا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد فيلي برانت وهيلموت شميت وغيرهارد شرودر.
المنقذ والمثابر
كان أولاف شولتس، الذي يشغل منذ 2018 منصب وزير المالية ونائب المستشارة ميركل، هو الحصان الوحيد الذي يمكن لحزبه الرهان عليه. كان الحزب يتراجع بشكل كبير في استطلاعات الرأي.
تعرض شولتس للسخرية عندما أدعى أن سيصبح المستشار القادم. بيد أن الطريقة الرزينة التي خاض بها حملته الانتخابية هي أحد أسرار نجاح المستشار المحتمل، أولاف شولتس.
امسح غبار الهزائم وانهض، ثم تابع بتصميم، وكن مطلق الثقة بنفسك. تلك بعض من جوانب شخصية شولتس، المولود في مدينة أوسنابروك عام 1958. يقيم شولتس مع زوجته، بريتا إرنست، في مدينة بوتسدام بالقرب من برلين. تشغل زوجته منصب وزيرة التعليم في ولاية براندنبورغ.
تعرض شولتس للعديد من الهزات في مسيرته السياسية، غير أن ذلك لم يهز ثقته بنفسه ويحيده عن دربه. ولا حتى لجان التحقيق البرلمانية في فضائح مالية هزت ألمانيا كفضيحة "وايركارد" تمكنت من إثبات أي شيء عليه.
تحولات
شق أولاف شولتس طريقه في درب السياسة بإصرار ودأب. وتغير الرجل بشكل ملحوظ في مسيرته. شغل منصب نائب رئيس منظمة الشباب في الحزب وقاد حملة في الثمانينات من أجل "اشتراكية راديكالية للتغلب على الاقتصاد الرأسمالي". بيد أنه ومن خلال عمله كمحام متخصص في قضايا العمل في هامبورغ تعلم رجل القانون، أولاف شولتس، آليات عمل الاقتصاد والشركات الخاصة، ما ترك آثراً على شخصيته.
حُسب شولتس على الجناح المحافظ في الحزب، وهذا لم يكن فقط فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي. وكوزير داخلية في ولاية هامبورغ قام بخطوات جريئة في محاربة الاتجار بالمخدرات. وكأمين عام للحزب دفع ضد إرادة الكثير من رفاقه ذوي التوجهات اليسارية لتبني "أجندة 2010" لإصلاح سوق العمل. هذا الإصلاح وضع العاطلين عن العمل تحت مزيد من الضغط.
"رجل آلي"
يدأب شولتس على تكرار نفس العبارات التكنوقراطية بشكل آلي لدرجة أن البعض أطلق عليه لقب "شولتس مات" (شولتس الآلي). شولتس ليس هو الإنسان الذي يستطيع إطهار مشاعره والخروج من ذاته: هو شخص يتحكم بنفسه بشكل كامل، حتى في لحظات الفرح. يدعي أناس عرفوه عن قرب وعملوا معه على مدار سنوات أنهم لم يسمعوه قط رافعاً صوته أو حتى يصرخ بأحدهم، عندما يكون غاضباً.
عندما ينزعج من شيء ما أقصى ما يفعله ينتقل فقط من رجل لأخرى وتحمر أذناه. وهذا ما شهدناه في المناظرة التلفزيونية عندما هاجمه بشكل غير مبرر منافسه المسيحي الديمقراطي، أرمين لاشيت.
لمعان في زمن كورونا
يشغل شولتس مناصب حكومية منذ 2007، في البداية كوزير للعمل ومن ثم عمدة ولاية هامبورغ. وفي عام 2018 أضحى وزيراً للمالية ونائباً لميركل. ويقال إن عينه كانت على المستشارية منذ ذلك الوقت.
زاد نفوذه في زمن الجائحة بعد أن قدمت وزارته مساعدات بمليارات اليورهات للمتضررين من كورونا. وعرف كيف يستفيد من الجائحة لوضع نفسه في مركز ومقدمة المشهد.
كان شعاره أن ألمانيا بإمكانها مواجهة الوباء من الناحية المالية. في نهاية 2022 سيترتب على ألمانيا 400 مليار جديدة من الديون. وعد شولتس في حملته الانتخابية بأن ألمانيا سيكون بمقدورها تحمل تلك الديون: "لا يتعين على أحد الخوف من ذلك. فعلناها من قبل في أزمة 2008-2009 وسنفعلها من جديد في غضون عشر سنوات".
ينتظر شولتس أيضاً ملفات سياسية شائكة ناهيك عن إدارة حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب. صحيح أن الانسجام كان كبيراً أثناء محادثات تشكيل الإئتلاف الحكومي، غير أن الخلافات ستظهر لاحقاً بالتأكيد.
زابينا كنكارتس/خ.س
بالصور- أولاف شولتس الاشتراكي "الرصين" يصبح مستشارا لألمانيا
من كان يتصور أن الرجل الذي لم يستطع الفوز برئاسة حزبه الاشتراكي قادر على أن يعيد المستشارية للحزب بعد 16 عاماً تحت حكم المحافظين بقيادة ميركل؟! أولاف شولتس فعلها! ومبدأه هو: الرصانة والإصرار! هنا لمحة عن حياته.
صورة من: HANNIBAL HANSCHKE/REUTERS
أولاف الشاب
ولد أولاف شولتس في أوسنابروك في 14 حزيران/ يونيو 1958، وكان والده تاجراً ووالدته ربّة منزل. وانضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 1975 في سن السابعة عشرة. آنذاك كان شعره طويلاً، كما كان يعرف بارتداء جواكت صوفية ويشارك في عدد كبير من المظاهرات السلمية.
صورة من: Gladstone/Wikipedia
تحولات
شق أولاف شولتس طريقه في درب السياسة بإصرار ودأب. وتغير الرجل بشكل ملحوظ في مسيرته. شغل منصب نائب رئيس منظمة الشباب في الحزب وقاد حملة في الثمانينيات من أجل "اشتراكية راديكالية للتغلب على الاقتصاد الرأسمالي". في الصورة شولتس يعرض أمام الكاميرا دفتر عضويته بالحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD).
صورة من: Bodo Marks/dpa/picture alliance
نضوج في مجال الاقتصاد!
بالتوازي مع نشاطه الحزبي، كان شولتس يتابع دراساته في القانون. وأسس عام 1985، مكتب محاماة متخصصاً في قانون العمل في هامبورغ. ومن خلال عمله تعلم شولتس، آليات عمل الاقتصاد والشركات الخاصة، ما ترك آثراً على شخصيته.
صورة من: Thilo Rückeis/dpa/picture-alliance
البداية الفعلية مع شرودر
انطلقت مسيرته فعلياً عندما وصل الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر إلى المستشارية في انتخابات 1998. وانتُخب شولتس عام 1998 عضواً في البوندستاغ (البرلمان الألماني) وأصبح أميناً عاماً للحزب في 2002. وفي عام 2005، انقسم اليسار الألماني بسبب تحرير سوق العمل، وهو ما سرّع هزيمة شرودر أمام أنغيلا ميركل. لكن شولتس أعاد المستشارية إلى الاشتراكيين بعد 16 عاماً من حكم المحافظين بقيادة ميركل.
صورة من: Roland Weihrauch/dpa/dpaweb/picture-alliance
"رجل آلي"!
يلقي خطبه بنبرة رتيبة أكسبته لقب "شولتسومات" (أي شولتس الآلي)، ما يثير انزعاجه. وقال في معرض الدفاع عن نفسه: إنه "يضحك أكثر مما يعتقد الناس". وصرّح قبل فترة قصيرة لجريدة "دي تسايت" الألمانية: "أنا رصين وبراغماتي وحازم. لكن ما دفعني إلى العمل السياسي، هو المشاعر"، داعياً إلى "مجتمع عادل".
صورة من: Bernd Thissen/dpa/picture alliance
"نسخة متحورة" من ميركل!
في 2018 ومع توليه وزاره المالية، أصبح شولتس نائباً لميركل. ويقال إن عينه كانت على المستشارية منذ ذلك الوقت. ويستلهم شولتس من أسلوب ميركل، حتى أنه يقلّدها في الإيماءات، خصوصاً إيماءة يدها الشهيرة، إلى درجة أن صحيفة "تاغس تسايتونغ" اليسارية وصفته بأنه نسخة "متحوّرة" من ميركل!
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Niefeld
لمعان في زمن كورونا
في 2018، خلف شولتس، المسيحي الديموقراطي فولفغانغ شويبله، وتولى وزارة المالية وواصل النهج المالي الصارم لهذا الأخير. لكن بعد بدء جائحة كورونا لم يتردد شولتس في الخروج عن بنود الميزانية معتمداً السخاء في الإنفاق، وشعاره أن ألمانيا بإمكانها مواجهة الوباء من الناحية المالية. وبذلك عرف كيف يستفيد من الجائحة لوضع نفسه في قلب المشهد ومقدمته.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Brandt
المنقذ!
خسر شولتس معركته على رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 2019، لأنه لم ينجح في كسب قلوب أنصار الحزب، فقد رغب الحزب آنذاك في قيادة ذات توجهات يسارية صريحة. ورغم ذلك ظل الحصان الوحيد الذي يمكن لحزبه الرهان عليه للفوز بالمستشارية. وبخلاف التوقعات وقتها، تمكن من الفوز بسبب الطريقة الرصينة التي خاض بها حملته الانتخابية.
صورة من: Hannibal Hanschke/REUTERS
حياته الخاصة
أولاف شولتس (63 عاما) متزوج منذ عام 1998 من السياسية الاشتراكية الديمقراطية بريتا إرنست (60 عاما). ويقول عنها إنها "حب حياته". ويقيم الزوجان في بوتسدام بالقرب من برلين. وتشغل زوجته منصب وزيرة التعليم في ولاية براندنبورغ. وليس لديهما أطفال. ولشولتس شقيقان هما ينس (62 عاما) وهو طبيب كبير والآخر إنغو (60 عاما) وهو صاحب شركة متخصصة في تقنية المعلومات.
صورة من: dapd
فضائح!
تعرض شولتس للعديد من الهزات في مسيرته السياسية، ومنها مزاعم متعلقة بفضائح مالية كبيرة مثل فضيحتي "وايركارد" و"كوم إكس". لكن حتى لجان التحقيق البرلمانية لم تتمكن من إثبات أي شيء عليه. كما أنه تعرض لانتقادات كبيرة بسبب أعمال الشغب التي شهدتها مدينة هامبورغ في 2017 عندما كان رئيسا لحكومتها. لكن كل ذلك لم يجعل ثقته بنفسه تهتز.
صورة من: Michele Tantussi/AP Photo/picture alliance
ملفات شائكة
تنتظر شولتس ملفات سياسية شائكة، ناهيك عن إدارة حكومة ائتلافية غير مسبوقة من ثلاثة أحزاب (مع الخضر والليبرالي). وصحيح أن الانسجام كان كبيراً أثناء محادثات تشكيل الائتلاف الحكومي، غير أن الخلافات ستظهر لاحقاً بالتأكيد، خصوصاً وأن الحزب الليبرالي المحافظ جزء من حكومة "إشارة المرور" وبيده وزارات مهمة مثل المالية والنقل. إعداد: محيي الدين حسين / ص.ش