إحباط واكتئاب.. تجارب صعبة وضغوط نفسية يعاني منها اللاجئون
٣٠ يونيو ٢٠٢٢وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف الـ 20 من حزيران/ يونيو من كل عام، تجاوز عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح من منازلهم 100 مليون شخص. وخصصت هذه المناسبة لتسليط الضوء على قوة وشجاعة الأشخاص المرغمين على الفرار من أوطانهم هرباً من الصراعات والحروب أو الاضطهاد.
ولا يزال صراع الكثير من اللاجئين والمهاجرين مستمراً مع محاولات التأقلم والاندماج في البلدان المستضيفة التي قد تكون مختلفة تماما ومن جهات متعددة عن بلدانهم التي ولدوا وترعرعوا فيها. الأمر الذي قد يتسبب بشعور بالإحباط والاكتئاب.
"بعد مرور عام تقريبا على وصولي إلى ألمانيا، كنت أصحى في الصباح بصعوبة بالغة، بالكاد أنهض من السرير، ويرافق ذلك شعور بالضجر والضيق" هذا ما قالته لين (اسم مستعار) في حوارها مع مهاجر نيوز واصفة الحالة النفسية التي كانت تمر بها.
وتابعت لين (28) عاما: "يوماً بعد يوم كانت حالتي النفسية تزداد سوءا، فقدت الرغبة بكل شيء من حولي ، فقدت حماسي لمتابعة دراسة اللغة الألمانية، حتى فقدت شهيتي وأصبحت بالكاد أتناول طعامي وفقدت الكثير من وزني.. في البداية اعتقدت بأنها حالة مؤقتة وستختفي بعد فترة وجيزة.. ولكنني كنت مخطئة للأسف".
الاعتراف بالمشكلة
كانت لين تشعر بوحدة رهيبة بحسب تعبيرها، فقد أحسّت أنها قد استبدلت حياتها السابقة الدافئة بوجود عائلتها وأصدقائها من حولها، بحياة باردة مليئة بالالتزامات والصعوبات التي يجب عليها أن تواجهها لوحدها. "صرت أخشى حتى من تفحص صندوق البريد أو حتى بريدي الالكتروني خوفا من المزيد من الالتزامات والمواعيد التي لم يعد لدي لا طاقة ولا رغبة بمتابعتها.. كنت أبكي في معظم الأوقات".
بعد مرور أشهر على هذه الحالة التي كانت لين تعاني منها، قررت الاعتراف لصديقتها التي ما زالت تقيم في سوريا عن وجود مشكلة تحاول عبثا الخروج منها. وبعد إصرار صديقتها وأختها قررت طلب المساعدة الطبية. وتشرح لين قائلة: "كنت مدركة لوقوعي في براثن الاكتئاب، ولكني كنت أعول على قدرتي الخاصة بالخروج منها، وأرفض فكرة المعالجة النفسية وفكرة تناول الأدوية وخصوصا بسبب ما كنت أسمعه عن الآثار الجانبية لها وإمكانية الإدمان.. ولكني من جديد كنت مخطئة".
وفي حواره مع مهاجر نيوز قال الأخصائي النفسي معمر نخلة: "لا توجد إحصائيات رسمية توثق عدد حالات الاكتئاب بين اللاجئين. ولكن بعض المصادر غير الرسمية تشير إلى أن حوالي 40 في المائة من اللاجئين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة او الاكتئاب". وأوضح أنه بالنسبة للأشخاص القادمين من مناطق الحروب والصراعات أو عبر طرقات خطرة، قد يعاني البعض منهم من اضطرابات ما بعد صدمة- التي تظهر أعراضها بعد فترة من الاستقرار- وإذا لم يتم علاجها ستقود إلى حالات اكتئاب.
الاكتئاب مرض كغيره من الأمراض
تخضع لين في الوقت الحالي للمعالجة النفسية وتتناول أدوية، وتأمل أن تتحسن حالتها قريبا وتستغني عن الأدوية. وتقول إنها تشعر بتحسن ملحوظ في الفترة الأخيرة "أمشي تقريباً بشكل يومي، وأمارس اليوغا كل أسبوع.. الاكتئاب مرض كغيره من الأمراض يحتاج إلى الأدوية وخطة علاجية جيدة".
وبحسب نخلة، فإن الحصول على موعد للعلاج النفسي في ألمانيا صعب جداً وفترة الانتظار قد تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة ونصف. كما أن عملية البحث ليست بالعملية السهلة، يتوجب على المريض البحث بشكل يومي تقريباً للحجز في إحدى قوائم الانتظار. وخصوصا لدى أحد المعالجين المعتمدين لدى هيئات التأمين الصحي التي تتكفل بمصاريف العلاج. إضافة إلى واقع حاجز اللغة، إذ أن العديد من اللاجئين قد لا يتقنون اللغة الألمانية بما يكفي للخضوع للمعالجة النفسية ومن جهة أخرى فإن نسبة المعالجين العرب منخفضة في المانيا.
عوامل تساهم بأعراض الاكتئاب
إلى جانب المآسي والصور القاسية التي قد شاهدها أو عاشها كثير من المهاجرين القادمين من بلدان تشهد حروبا وصراعات، يضطر الهاربون من تلك البلدان لمواجهة مخاطر كبيرة خلال رحلة البحث عن بلد آمن يحتضنهم ويؤمن لهم مستقبلاً واعداً مع أسرهم وأطفالهم. ولكن عند الوصول إلى الهدف يصطدمون غالبا بمجتمعات جديدة ويعيشون حياة مختلفة عن الحياة التي ألفوها في بلدانهم، وخصوصا فيما يتعلق بالتحديات والصعوبات التي يتوجب عليهم اجتيازها لتأمين حياة كريمة، مرورا بالحياة الاجتماعية التي تكاد تكون معدومة بالنسبة إليهم في ألمانيا من جهة، وبرودة الطقس من جهة ثانية. فيما يرى كثيرون أن الطقس الغائم الذي يحجب أشعة الشمس وبالتالي قلة التعرض لأشعة الشمس قد تتسبب بنقص فيتامين د الذي ينطوي على مخاطر صحية من بينها ما يرتبط بالشعور بالاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية.
من جهته، يرى الأخصائي النفسي معمر نخلة، أن الشعور بالذنب قد يكون من أحد أسباب الاكتئاب أيضاً. إذ أن لمعظم اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا أهل وأصدقاء ما زالوا يعيشون في مناطق الحروب أو مناطق غير آمنة، في حين أنهم أنفسهم يعيشون في بلدان آمنة ومستقرة مما قد يؤدي الى شعور بالذنب قد يتفاقم ويؤدي إلى الاكتئاب.
إضافة إلى ذلك "بعد أن انتهت فترة عملية الاندماج وتعلم اللغة للعديد من اللاجئين، يجدون أنفسهم مطالبين بالبحث عن عمل أو دراسة، مما يشكل ضغطا كبيرا عليهم بشأن المستقبل، الأمر الذي يتطلب مرونة عالية ومواظبة، وفي بعض الحالات تساهم هذه الضغوطات بزيادة أعراض الاكتئاب" حسب نخلة.
طلب المساعدة
من جهة أخرى، تشتكي أم أحمد من "الأزمة النفسية" التي يمر بها ابنها سامر (17) عاماً. إذ يفضل الشاب الصغير البقاء وحيداً وقلة التواصل، حتى باتت ملامح الحزن جلية في وجهه. وقالت إن سامر يشتكي دائما من الحياة في ألمانيا ويطالب والديه بالعودة إلى سوريا. تقتبس الوالدة كلمات ابنها :"أنتم دمرتم حياتي". هذا ما يقوله الشاب الصغير لوالديه. وبحسب ما أوضحته أمه يعود سبب هذا اللوم إلى أنه أراد أن يكمل المرحلة الثانوية ويحصل على شهادة "البكالوريا" وأن يبقى مع أصدقائه. وتقول الوالدة شاكية "لم يكن هذا ممكنا، كان الانتظار لعام آخر بين القذائف بمثابة انتحار". يحاول الوالدان مساعدة سامر وإقناعه بمواصلة الدراسة في ألمانيا وبوجود الكثير من الفرص له، ولكنه يوماً بعد يوم يزداد "انطواء وحزناً".
في حالة سامر ترفض العائلة تماما عرضه على معالج نفسي، لأنه بحسب تعبيرهم لا يعاني من مشاكل عقلية. وهذه هي المشكلة التي حملها كثير من المهاجرين معهم إلى أوروبا. إذ يرى هؤلاء أنه من المعيب طلب المساعدة النفسية.
وينصح نخلة عند الشعور باضطرابات نفسية بحسب شدتها بالتوجه إلى أحد الأطباء أو المعالجين النفسيين. وذكر وجود موقع علاج نفسي موجه للمتحدثين باللغة العربية، وعلى الرغم من أنه مخصص للأشخاص المتواجدين في المناطق العربية وليس في أوروبا، "ولكن لا يمنع من التسجيل فيه، فهو برنامج مجاني وقائم على العلاج الكتابي بعد المقابلة التشخيصية".
مهاجر نيوز 2022