تعقد ألمانيا شراكات هجرة مع العديد من الدول، منها المغرب، في سعي للحد من الهجرة غير المنضبطة مقابل تسهيل هجرة العمال المهرة والكفاءات العالية التأهيل. لكن ما الذي يميز هذه الشراكات عن اتفاقيات الهجرة السابقة؟
إعلان
يبدو أن الحكومة الاتحادية الألمانية لا تكلّ عندما يتعلق الأمر بالهجرة. فقد أعلنت وزيرة التعاون والتنمية الألمانية سفينيا شولتسه عن شراكة مع المغرب في مجال الهجرة خلال زيارتها للرباط نهاية كانون الثاني/يناير 2024. وبعد بضعة أيام فقط، في السادس من شباط/فبراير 2024، افتتحت الوزيرة الألمانية مع وزيرة الدولة النيجيرية للعمل نكيروكا أونييجيوشا مركزًا لاستشارات الهجرة في مدينة نيانيا النيجيرية. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس قد دعا في أيار/مايو من العام الماضي العمالة الماهرة من كينيا للقدوم إلى ألمانيا وأعلن عن شراكة للهجرة خلال زيارته إلى الدولة الواقعة في شرق إفريقيا.
وتسعى الحكومة الألمانية جاهدة للتوصل إلى ما يسمى بشراكات الهجرة مع العديد من البلدان، وقد وقعت بالفعل اتفاقيات لهذا الغرض، ومن تلك الدول: المغرب ونيجيريا وكينيا وكولومبيا والهند وقيرغيزستان وأوزبكستان وجورجيا ومولدوفا. وقد تم إبرام مثل هذه الاتفاقيات على مستوى الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 15 عامًا. ووفقًا لـ"مرفق شراكة الهجرة" (MPF) الأوروبي، وهو مبادرة يمولها الاتحاد الأوروبي "لدعم البعد الخارجي لسياسة الهجرة"، هناك نحو 50 شراكة مختلفة من هذا القبيل. ولكن ما الذي يجعل هذه الشراكات مختلفة عن عمليات التنسيق العادية في مجال إعادة طالبي المهاجرين المرفوضين أو اتفاقيات الهجرة السابقة؟
تنسيق أفضل ومزيد من التأشيرات!
بالنسبة للممثل الخاص للحكومة الألمانية لاتفاقيات الهجرة، يواخيم شتامب، فإن "شراكات الهجرة هي لبنة أساسية لمفهوم شامل". ووفقًا لوزارة الداخلية الاتحادية، التي يعمل فيها شتامب، فإن ذلك يتضمن "نقلة نوعية للحد من الهجرة غير النظامية وتعزيز الهجرة القانونية". وعلى النقيض من اتفاقيات الهجرة العامة، فإن شراكات الهجرة تدور حول تبادل الثقة والتعاون في مجالات سوق العمل والتدريب وقدوم العمال المهرة. ولا ينبغي مكافحة الهجرة غير النظامية فحسب، بل ينبغي أيضًا استبدالها بالهجرة النظامية.
ويرى خبير الهجرة شتيفن أنغينيندت من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين (SWP) أيضًا أن شراكات الهجرة "مهمة للغاية" و"لا غنى عنها". ومع ذلك "فهي ليست حلاً سحريًا لحركات اللاجئين واسعة النطاق"، كما يوضح في مقابلة مع DW. ويضيف الخبير: "الاتفاقيات السابقة غير فعالة بشكل عام أو لا تحقق التأثير الذي كان عليها تحقيقه بالفعل. لأن جميع شراكات الاتحاد الأوروبي للهجرة والتنقل والتي تم إبرامها منذ عام 2007 كانت تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية". والمشكلة، بحسب الخبير، هي التقصير الدائم بخصوص مراعاة مصالح الدول الشريكة.
وتشمل مصالح تلك الدول، من بين أمور أخرى، توسيع فرص الهجرة النظامية للعمل أو الدراسة أو استكمال التعليم أو التدريب المهني في دول الاتحاد الأوروبي. ويقول أنغينيندت إنه طالما لا يتم أخذ هذه المصالح في الاعتبار، فإن الإرادة السياسية لدى الدول للوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدة تبقى منخفضة. وتشمل الشراكات أيضًا الإصدار السريع للوثائق لمواطني تلك الدول الموجودين في بلدان أوروبية دون أن يكون لهم حق بالبقاء، وذلك حتى يكون بالإمكان إعادتهم إلى بلدهم الأصلي. كما تشمل وضع ضوابط أكثر صرامة على الراغبين في مغادرة البلاد داخل الدولة نفسها.
غير مناسبة للبلدان التي تعاني من حرب أهلية
وبإلقاء نظرة عن كثب، فإن هذا يعني أن شراكات الهجرة مناسبة جزئيًا فقط للحد من تحركات اللاجئين - حتى لو كان المصطلح يثير معان أو ارتباطات أخرى. فمعظم الأشخاص الذين يدخلون ألمانيا كلاجئين يأتون من بلدان تشهد حروبًا أو يتم فيها انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع.
يقول للممثل الخاص للحكومة الألمانية لاتفاقيات الهجرة شتامب: "لا يمكننا تطوير شراكة بشأن الهجرة مع دول مثل سوريا وأفغانستان". وجاء في بيان أن الحكومة الاتحادية تحاول بدلاً من ذلك "دعم الدول المجاورة التي تستقبل اللاجئين من هذه الدول".
وفقًا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BAMF)، فإن معظم طالبي اللجوء في ألمانيا منذ سنوات يأتون من سوريا وأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد طالبي اللجوء من تركيا في السنوات الثلاث الماضية ليصل الآن إلى 19 بالمائة. بينما تأتي دول مثل جورجيا، التي أبرمت ألمانيا معها شراكة في مجال الهجرة، في أسفل قائمة الدول التي يأتي منها طالبو اللجوء إلى ألمانيا.
وقال شتامب في مقابلة تلفزيونية: "أنا سعيد للغاية لأننا تمكنا من التوصل إلى اتفاق مع جورجيا، وفي الأسابيع القليلة المقبلة، مع مولدوفا". بالإضافة إلى ذلك، فإن الشراكة المتعلقة بالهجرة مع المغرب، والتي تم الإعلان عنها في نهاية شهر يناير فقط، "يجري تنفيذها بالفعل" بحسب شتامب الذي أضاف: "بعد سنوات عديدة لم تسر فيها الأمور على ما يرام، أصبحت لدينا الآن علاقة ثقة".
الهجرة النظامية بدلًا من غير المنضبطة
يُشار أحيانًا إلى الاتفاق بين إيطاليا وألبانيا للحد من الهجرة إلى إيطاليا باسم "شراكة الهجرة"، لكن لا يبدو أنها تتناسب مع هذا النموذج. فمن المقرر بناء مركزين لاستقبال المهاجرين هذا الربيع في ألبانيا، الدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن المفترض أن يقدم طالبو اللجوء طلبات لجوئهم هناك.
ولذلك فإن وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه تتبنى بشكل مقصود لهجة مختلفة عن نبرة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، حتى ولو كانت الوزيرة الألمانية راغبة في زيادة عدد عمليات ترحيل المهاجرين الذين لا يحق لهم البقاء في ألمانيا.
وفي افتتاح المركز الاستشاري للهجرة في نيجيريا مطلع شباط/ فبراير، قالت شولتسه: "الهجرة حقيقة. وعلينا أن نتعامل معها بطريقة تفيد الجميع: المهاجرين والبلدان الأصلية والبلديات التي تستقبلهم".
أعده للعربية: محيي الدين حسين
مهاجرون أفارقة يتنازلون عن "الحلم الأوروبي" من أجل المغرب!
بدلًا من اتخاذه نقطة عبور إلى أوروبا، أصبح المغرب بلد استقرار للعديد من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى. ورغم أن كثيرين ما زالوا يحلمون بالوصول إلى أوروبا، إلا أن بعضهم قرر البقاء.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
الاستفادة القصوى من الوضع الصعب
تشير التقارير إلى وجود ما بين 70 ألف إلى 200 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، والعديد منهم وصلوا بشكل غير نظامي منذ سنوات ويخططون للعبور إلى أوروبا. لكن سياسة بروكسل المتمثلة في تشديد الحدود الخارجية جعلت من الصعب عليهم العبور. ويبدو المغرب أكثر ترحيبًا، رغم أن سياسته المتعلقة بالهجرة لا تزال غامضة. ويعاني بعض المهاجرين من الاستغلال، كما أن الاندماج في المجتمع ليس أمرًا مسلمًا به.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
على طول الطريق من داكار إلى الدار البيضاء
سيارة "فان" صغيرة في طريقها إلى المغرب تنقل البضائع والأشخاص على طول الطريق من روسو (على الحدود بين السنغال وموريتانيا) إلى نواكشوط. تغادر الحافلات الصغيرة داكار عدة مرات في الأسبوع وتسير على طول الساحل إلى الدار البيضاء، قاطعة مسافة 3000 كليومتر ذهابًا وإيابًا. يبدأ العديد من المهاجرين، بما في ذلك السنغاليون، رحلتهم إلى البحر الأبيض المتوسط من هنا أو يقومون بأعمال تجارية على طول الطريق.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
ظروف العمل صعبة
عثمان دجوم مع صديق له على سطح أحد المباني في بلدية آيت عميرة جنوب أغادير. وفي الخلفية، تشير مئات الدفيئات الزراعية إلى نجاح "مخطط المغرب الأخضر" الذي حول المنطقة إلى مركز للزراعة. يعمل العديد من الشباب الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى هنا مقابل حوالي 6 يورو (6.50 دولارًا) يوميًا. لا أحد تقريبًا لديه تصريح إقامة ساري المفعول، كما أن ظروف العمل صعبة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
لا أوراق، لا حماية!
دجوم وزميله يمشيان بين أشجار الموز في إحدى الدفيئات الزراعية العملاقة. يعد العمل بدون أوراق رسمية والافتقار إلى الحماية القانونية أمرًا شائعًا في قطاعات أخرى أيضًا، مثل البناء وصيد الأسماك. هناك قدر معين من التسامح مع المهاجرين الذين انتهت مدة تأشيراتهم، ما يفيد الصناعات التي توظف أعدادا كبيرة من العمال غير المسجلين بتكلفة منخفضة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
كسب لقمة العيش في مراكش
تعد الجالية السنغالية، وهي أكبر جالية للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وما زالت تكبر، منظمة بشكل جيد، خاصة في المراكز الحضرية مثل مدينة مراكش السياحية. هنا، من السهل ممارسة تجارة الشوارع (أو تجارة الأرصفة) كعمل أول - مثل هذا البائع السنغالي في ساحة جامع الفنا الشهيرة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
التضامن بين المهاجرين
بابكر ديي، رئيس جمعية السنغاليين في المغرب (ARSEREM)، يتحدث إلى أعضاء آخرين في منطقة بمراكش. تساعد الجمعية والشبكات الدينية الأعضاء في العثور على السكن وفهم الإجراءات الإدارية والحصول على الخدمات الأساسية. الجمعية لديها 3000 عضو. تضم جماعة المريدين الصوفية السنغالية 500 عضو في مراكش وحدها.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
حلم الوصول إلى أوروبا لايزال يراود كثيرين!
بعد العمل الشاق في العديد من الوظائف ذات الأجر المنخفض في جميع أنحاء المغرب، وجد عمر باي عملًا كطاهٍ في مطعم بأغادير. يقول: "لم آت إلى المغرب للبقاء. حاولت دون جدوى الوصول إلى إسبانيا (بشكل غير منتظم بالقارب) لمدة ثلاث سنوات". وعلى الرغم من أنه أصبح الآن مهاجرًا نظاميًا في المغرب وكوّن أسرة، إلا أنه لم يتخل عن حلمه بالذهاب إلى أوروبا.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
ميزات التحدث بالفرنسية
يعمل باباكر ديوماندي (الواقف في الصورة) منذ سنوات في مركز اتصال بمراكش. وهو الآن يقود فريقًا صغيرًا لشركة تجارية. ويعمل آلاف المهاجرين في مراكز الاتصال براتب شهري يصل إلى 55 يورو. تتعامل الشركات بشكل أساسي مع السوق الفرنسية، ما يزيد من صعوبة توظيف المغاربة، الذين ابتعدوا قليلًا عن اللغة الفرنسية التي فرضت خلال فترة الحكم الاستعماري الفرنسي.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
مواجهة العنصرية في الحياة اليومية
يدير محمد الشيخ موقف سيارات في ضواحي مراكش. حصل على تصريح الإقامة مبكرًا لأنه تزوج من مغربية. ويقول إن المجتمع مازال لا يقبل الزواج المختلط، ولذلك يجب أن تظل مثل هذه الزيجات سرية في كثير من الأحيان. يتمتع الشيخ بعلاقة جيدة مع زبائنه، لكنه لا يزال "يواجه العديد من أشكال العنصرية"، كما يقول.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
التوترات الاجتماعية والعنف
افتتح يحيى عيدارا مطعمًا ومشروعًا تجاريًا في مراكش لاستيراد المنتجات من السنغال. ويقول إن لديه العديد من الأصدقاء المغاربة اليوم، لكن كان لديه "الكثير من الخلافات مع البائعين في الماضي". ويبلغ معدل البطالة في المغرب 13 بالمئة، بينما تصل النسبة بين المغاربة الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة إلى 30 بالمئة. وحيثما تكون المنافسة شرسة، تؤدي التوترات بين السكان المحليين والمهاجرين في بعض الأحيان إلى العنف.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
تشجيع الاندماج
تُلقب إحدى مناطق سوق المدينة بالدار البيضاء بـ "marché sénégalais" (السوق السنغالية) بسبب كثرة تجارها السنغاليين. الزيادة في أعداد المهاجرين المستقرين في المغرب دفعت الرباط إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الاندماج. منذ عام 2014، سمحت حملتا تسوية لأكثر من 50 ألف أجنبي بالحصول على تصاريح إقامة. وفي عام 2018، أطلق الاتحاد الإفريقي على المغرب لقب "البطل الإفريقي للهجرة".
صورة من: Marco Simoncelli/DW
المهاجرون يحتاجون إلى المزيد من الدعم
شاب سنغالي (في الوسط) يستمع إلى الموسيقى على الترامواي في الدار البيضاء. بين عامي 2014 و2022، خصص الاتحاد الأوروبي 2.1 مليار يورو (2.2 مليار دولار) من أموال التعاون للمغرب لتعزيز حدوده وإدارة الهجرة. ومع ذلك، فإن الإطار القانوني للهجرة في البلاد لا يزال يعتمد على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2003 ويفتقر إلى الأموال اللازمة لسياسات الاندماج.
إعداد: ماركو سيمونسيلي/دافيد ليمي/م.ع.ح