إدلب... سيناريوهات مختلفة تتصدرها المواجهة العسكرية
علاء جمعة
٢٩ أغسطس ٢٠١٨
شكلت إدلب خلال السنوات الأخيرة وجهة لآلاف المقاتلين الذين سيطر النظام على مناطقهم كالغوطة وحلب. فما هي السيناريوهات المقبلة التي تواجهها إدلب وهل ستشهد المدينة موجة نزوح جديدة، وما هي أدوار كل من موسكو وأنقرة وواشنطن؟
إعلان
مسائيةDW: لماذا تعزز روسيا قواتها قبالة الساحل السوري؟
23:50
يرى محللون أن الهدف من المحادثات المكثفة، التي تجري بين أنقرة وموسكو، هو محاولة منع أن يتسبب الوضع الدقيق في محافظة إدلب السورية في انهيار تعاونهما القائم بشأن سوريا، إلا أن مصير هذه المنطقة على المدى البعيد لا يزال يهدد مستقبل العلاقة بين الدولتين.
أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشأن التركي سمير صالحة قال في مقابلة مع DW عربية إن تصعيد النظام السوري في إدلب قد لا يكون بسبب زيادة قدراته العسكرية والقتالية فحسب بل أيضا "نتيجة الاتفاقيات الأمريكية الروسية التي لم تظهر بعد إلى العلن، والتي قد تصدم الأتراك والإيرانيين على السواء".
ويرى صالحة أن تركيا متخوفة من تقارب روسي أمريكي محتمل قد يؤدي إلى نسف مصالحها في إدلب. من ناحية أخرى يرى الخبير التركي أن روسيا متخوفة أيضا على ما يبدو من تدخل أمريكي محتمل في منطقة إدلب نتيجة للتباطؤ التركي في حسم الأمر فيما يتعلق بجبهة تحرير الشام " النصرة سابقا" والتي ترفض التعاون مع أنقرة في حل نفسها أو إجلاء مقاتليها عن المدينة.
"كارثة نزوح جديدة"
وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان قد أطلقا منذ أواخر العالم 2016، شراكة كانت مستبعدة لكنها تواصلت حتى الآن، لتحقيق السلام في سوريا، وذلك رغم كونهما يدعمان أطرافا في سوريا هي على طرفي نقيض. ويواجه هذا التعاون بين أنقرة وموسكو أكبر اختبار فيما يتعلق بمحافظة إدلب المحاذية لتركيا والتي يريد النظام السوري استعادة السيطرة عليها لاستكمال سلسلة من النجاحات العسكرية.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد حذر من أن "حلا عسكريا" في إدلب التي يسكنها الآن أكثر من ثلاثة ملاين كما قال، سيؤدي إلى "كارثة" ويتسبب بموجة نزوح جديدة إلى تركيا التي لجأ إليها 3 ملايين سوري أصلا. بيد أنه شدد على القول إن "الجماعات المتطرفة والإرهابيين" في إدلب يجب أن "يتم القضاء عليها" وذلك في تعليقات اعتبرت إشارة إلى أن أنقرة يمكن أن تدعم تدخلا محدودا.
من جهته يرى الخبير الألماني غونتر ماير، من جامعة ماينز، في لقاء مع DW أن لدى تركيا مصلحة كبيرة في إبقاء إدلب تحت سيطرتها كمنطقة نفوذ. فتركيا تريد حماية حدودها خوفا من "موجات لجوء جديدة أو من انتقال محتمل للجهاديين إلى أراضيها".
ويؤكد ماير أنه بالرغم من أن النفوذ التركي في إدلب يتنافى وطموح النظام السوري في استرداد منطقة إدلب، إلا أن موسكو قد تحاول استغلال قواتها البحرية في تدخل عسكري بالتنسيق مع أنقرة من أجل إنهاء سريع للأزمة في إدلب. وكان وزير الخارجية الروسي قد أكد في تصريحات سابقة إنه يجب التفريق بين الفصائل المعتدلة والمتطرفين، حسب تعبيره.
سيناريوهات مختلفة
ويرى الخبير التركي صالحة أن هناك عدة سيناريوهات لأزمة إدلب إلا أن القاسم المشترك بينها أن إدلب سوف تشهد "معركة لا محالة". فالسيناريو الأول قد يكون بقبول المقاتلين في إدلب بالاقتراح التركي وهو ما يعني حل جبهة تحرير الشام لنفسها والدخول ضمن تشكيلات جديدة لمقاتلين معتدلين بقيادة أنقرة إلا أن الأطراف الأخرى قد لا تقبل بذلك.
في حين أن السيناريو الآخر قد يتضمن تعاونا عسكريا غير معلن بين روسيا وتركيا وجيش الأسد وذلك بتدخل عسكري تركي محدود في إدلب ترافقه تحركات روسية ولقوات النظام السوري من أجل تضييق الخناق على المقاتلين. أما السيناريو الثالث، بحسب صالحة، فيكون بأن تبادر المجموعات المقاتلة هناك، ولا سيما جبهة تحرير الشام، بالهجوم وذلك لإدراكها أنها مستهدفة وأنها قد تكون الخاسر الوحيد في المعركة.
وهو ما يؤكده أيضا الخبير الألماني غونتر ماير بأن أهمية إدلب تكمن أنه في حالات سابقة سمح للمسلحين دائما بالخروج إلى مناطق أخرى، "الآن لم يعد للمسلحين مكان آخر يلجؤون إليه وهو ما يعني أن ساعة المواجهة قد تقترب"، يقول ماير.
ويعتقد الخبير الألماني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تحاول استغلال هذا الأمر من خلال إثبات تورط النظام باستخدامه أسلحة كيماوية وتتدخل عسكريا. لكنه يشدد على أن هذا السيناريو بعيد عن الحقيقة ويقول: "بعض قوى المعارضة السورية قد تكون استخدمت موادا كيماوية بالفعل من أجل إيجاد ذريعة لقوى أجنبية بالتدخل في الصراع".
"خطر الكيماوي".. هل يشعل شرارة الحرب في إدلب؟
01:50
This browser does not support the video element.
إدلب وعفرين
من جهته يؤكد الخبير في الشون التركية صالحة أن أنقرة ربطت بين توسيع عملياتها في عفرين وبين إنجاز ما اتفق عليه في اتفاق أستانا حول إخراج المقاتلين من جبهة تحرير الشام أو إقناعهم بحل تنظيمهم، إلا أنه يتساءل "هل من المعقول أن ترضى روسيا بإطلاق يد تركيا في عفرين وتل رفعت وإدلب دون أي مقابل يرضيها ويرضي حلفاءها؟".
على الجانب الأخر تخشى أنقرة، بحسب صالحة من أن إشعال فتيل الانفجار في إدلب يعني ترك أنقرة تغوص في مغامرات عسكرية عر محسوبة، وهو ما قد يعني أيضا استقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الجدد الهاربين من مسرح العمليات العسكرية.
الكاتب: علاء جمعة وكيرستن كنيب
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين