بعد أيام قليلة قد يبدأ هجوم الجيش السوري على آخر قلعة للمعارضة المناهضة للأسد. ويحاول دبلوماسيون تفادي حدوث كارثة إنسانية. وهذه المحاولة ليست بدون فرص نجاح.
إعلان
المدنيون في إدلب.. كيف يستعدون للمجهول والأسوأ؟
01:35
تحذيرات ومناشدات ومحادثات ومفاوضات خلف الكواليس: الضغط على الدبلوماسيين المهتمين بالشأن السوري يزداد، ولهم الوقت حتى الـ 10 من أيلول/ سبتمبر الجاري لتفادي القتال حول إدلب أو على الأقل التقليل من حدته. وفي حال عدم التوصل إلى حل، فإن الجيش السوري سيهاجم المدينة التي تعد ثلاثة ملايين نسمة الواقعة في غرب البلاد. وهذه الحملة العسكرية من شأنها الإطاحة بآخر قلعة للمتمردين. وتفيد التقديرات بأنه يوجد بين 10.000 و 30.000 عنصر ميليشيا مسلح في المدينة، ويعيش هناك مليون ونصف إلى 3 ملايين من المدنيين. وتقول وزارة الخارجية الإيرانية ـ إيران أحد الحلفاء الرئيسيين لحكومة الأسد ـ بأن المتمردين يحتجزون الكثير من المدنيين كرهائن.
وهذه الظروف قد تحول المعركة حول إدلب إلى حمام دم فظيع. "الرئيس بشار الأسد لا يحق له مهاجمة محافظة إدلب بتهور"، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين عبر تويتر. "الروس والإيرانيون سيرتكبون خطأ إنسانيا كبيرا في حال مشاركتهم في هذه الكارثة الإنسانية المحتملة". وعلى هذا النحو تحدث أيضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وقال اردوغان لصحيفة "حريت" التركية بأن هجوما على إدلب سيؤدي إلى "مذبحة".
روسيا: "تحرير إدلب من اللصوص"
ولم تتأثر روسيا وإيران إلى حد الآن بهذا النوع من التحذيرات. وقال نائب وزير الخارجية الروسية" زملاؤنا الغربيون يفهمون أنه يجب تحرير المنطقة من مجموعات إرهابية ومن لصوص". وأضاف وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف:" جهودنا ترمي إلى طرد الإرهابيين بأقل تكلفة إنسانية من إدلب". وحتى الحكومة السورية تواصل إظهار الحزم. وقال الوزير السوري للمصالحة الوطنية علي حيدر إن عملا عسكريا ممكن في الوقت الراهن أكثر من حصول تفاهم. " لكن لا يمكن القول بأنه لا توجد أبواب في اتجاه التفاهم".
والتحذيرات الصارمة من جهة وإعلانات النية القوية من جهة أخرى تعكس الأهمية الكبيرة التي تمنحها الجهات المشاركة في مستقبل إدلب. فالصراع من أجل المدينة هو في آن واحد صراع من أجل البلاد برمتها. "من يفرض نفسه في إدلب، فهو يفرض نفسه بجزء كبير في كافة سوريا"، كما يقول خبير الشؤون السياسية التركي سمير صالحة من جامعة اسطنبول. "إدلب تقع في مركز قياس القوة الدولي".
مصالح مختلفة
والمصالح متنوعة: فتركيا تحاول تقوية موقعها في غرب سوريا لممارسة تأثير أكبر على الأكراد السوريين. ومنذ كانون الثاني/ يناير هذا العام زحف الجيش التركي عبر الحدود السورية إلى منطقة عفرين التي يقطنها أكراد في شمال البلاد. وفي الأثناء تبقى تركيا حاضرة في أجزاء واسعة في غرب سوريا، وبالتالي يمكن لها الدفاع عن مصالحها بشكل أفضل فيما يرتبط بالأكراد السوريين. ومن جهة أخرى يمكن لها مراقبة الميليشيات المحاصرة في إدلب. وحكومة أنقرة تريد تفادي أن تتقدم هذه الأخيرة نحو الأراضي التركية.
في المقابل تريد الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على تأثيرها في سوريا بعدما قبلت في صمت أن يبقى بشار الأسد لوقت منظور رئيسا سوريا، وهي تريد تقليص تأثير إيران. "وهذا الهدف تقتسمه مع العربية السعودية وإسرائيل"، كما يقول سمير صالحة في حديث مع DW. وهذا الهدف يجر الولايات المتحدة إلى علاقة توتر مع روسيا التي تعمل بالتعاون مع إيران كقوة حماية لنظام الأسد.
مواجهة دولية بسبب إدلب؟
وإذا تواصل النهج المتصلب الذي ساد في الأيام الماضية، فقد تحصل مواجهة دولية حول إدلب، كما يخشى عبد الباري عطوان، رئيس تحرير موقع صحيفة "رأي اليوم". ووحدات البحرية الأمريكية والروسية المتمركزة في شرق البحر المتوسط وكذلك الخليج الفارسي تكشف أن القوتين الكبريين تستعدان لمواجهة إقليمية بل حتى عالمية.
فيما يشكف تعليق صحيفة "الحياة" عن نبرة غير متشائمة، إذ حصلت مؤخرا حلحلة في علاقة القوة الأمريكية الروسية الإيرانية. وهذا له علاقة مع نظام العقوبات ضد إيران. وما دام هذا النظام قائما، فإن إيران تمكنت من تجاوز الضيق أيضا بفضل المساعدة الروسية. "اليوم تقف إيران وروسيا في سوريا جنبا إلى جنب، لكن عندما تنتهي الحرب، سيسير كل واحد منهما في طريقه".
تفاهم خفي ليس مستبعدا
وعلى هذا الأساس يمكن أن تكون روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد تفاهمتا منذ مدة، كما يعتبر خبير الشؤون السياسية سمير صالحة. "وقد يتوصلا إلى تسوية في المصالح تزعج إلى حد كبير الفاعلين الآخرين".
لكن بعض المؤشرات ماتزال توحي بالعنف، إذ حلقت مقاتلات روسية وسورية (الثلاثاء الرابع من أيلول/ سبتمبر 2018) وشنت هجمات أولى على الأحياء الخارجية في إدلب ما أدى إلى مقتل 13 شخصا، كلهم مدنيون. وإذا ما كان هذا الخبر صحيحا، فإن ذلك سيشكل بداية كارثة إنسانية عنيفة يمكن تفاديها الآن. والدبلوماسيون أمامهم بضعة ايام لتحقيق ذلك.
كرستن كنيب/ م.أ.م
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين