إسقاط الطائرة الروسية يعيد الروح لـ"داعش" في سيناء
كريستين مكاتيت - القاهرة / ع.خ١٩ نوفمبر ٢٠١٥
إعلان روسيا أن إسقاط طائرتها الإيرباص كان بفعل قنبلة وُضعت على متنها، يبرز سطوة فرع تنظيم "داعش" في سيناء. التنظيم، الذي لم تنجح القاهرة حتى الآن في القضاء عليه، يشهد تحولا استراتيجيا كبيرا في خارطة أعماله الإرهابية.
إعلان
ظهر ما يعرف بتنظيم "أنصار بيت المقدس" في شبه جزيرة سيناء بعد إسقاط نظام الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي عام 2013. ضرب التنظيم جنودا ورجال شرطة ومراكز أمنية في منطقتين من بينهما القاهرة في وضح النهار. بعدها أعلن التنظيم بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في عام 2014، الأمر الذي شكل منعطفا أخطر من السابق بالنسبة للوضع الأمني في سيناء. التنظيم غير اسمه مرة أخرى ليصبح "ولاية سيناء" ويعتقد أنه المسؤول عن حادث تفجير الطائرة الروسية التي أقلعت من المنتجع السياحي في شرم الشيخ وقتل 224 شخصا كانوا على متنها أغلبهم من النساء والأطفال.
أصبح التنظيم أكثر قوة وقسوة بعد بيعته لتنظيم داعش، فتحول من استهداف العسكر والمدنيين فقط إلى استهداف الطائرة الروسية. خبراء الأمن يصفون هذا التحول بالتحول الاستراتيجي الخطير في عمل التنظيم. وأصبح "داعش" يتحكم بالأعمال الإرهابية من سيناء وحتى باريس من مركزه في الرقة بسوريا.
جولة مصورة ترصد معاناة أهل سيناء
أثناء جولة في مناطق مختلفة في سيناء، تعرفت DW عربية على معاناة الأهالي، بعد أن أصبحت أرضهم مسرحا للعمليات العسكرية في إطار حملة التصدي للإرهاب. وهي عمليات اعتبرها بعضهم أنها مجرد "محاولة لكسر شوكة البدوي".
صورة من: DW/A. Wael
"لو سكتنا سيضيع حقنا!"
كان التخوف سيد الموقف في جلستنا حول النار. تخوف من أي رد فعل "عقابي" يصدر عن أهالي منطقة "الشيخ زويد" (شمال سيناء)، في حال تطرقوا إلى الانتهاكات التي طالتهم خلال الحملات الأمنية المستمرة منذ أشهر. وبعد حديث مطوّل هبّ أحدهم بالقول "هوه بده يسكتنا، لو سكتنا سيضيع حقنا!".
صورة من: DW/A. Wael
استعراض للقوة
قبل غروب الشمس بساعة ونصف تفرض قوات الجيش حظراً للتجول حتى السادسة صباحاً. تتوقف الحياة تماماً، على الطرق الرئيسية، بينما تكون هناك حركة محدودة بطرق بديلة بعيدة عن نقاط التفتيش الأمنية، وذلك بعلم الجيش. شاهدٌ من أهل سيناء يعلق "إنه استعراض للقوة، ليس أكثر".
صورة من: DW/A. Wael
السيارة الرسمية للإرهاب!
سيارة محترقة في إحدى الحملات الأمنية، وقد غطاها صاحبها بغطاء (حصيرة) من جريد النخل....هكذا صار ملاك السيارات يخافون من حرق سياراتهم أمام منازلهم، أو من إطلاق الرصاص عليها إذا تحركوا بها، خاصة أن "نقاط التفتيش" تتعامل مع نوعيات معينة من السيارات بوصفها سيارة إرهابية بإمتياز نظراً لإعتياد مفجري نقاط الجيش "تفخيخ" نوع محدد من السيارات وتوجيهها نحو نقاط تمركز الجيش.
صورة من: DW/A. Wael
إطعام النار
الجلسة قد تطول.. لهذا يجب الانتباه إلى النار وإطعامها بالحطب، حتى لا تخبو. وحولها يتكلم عدد من شباب "الشيخ زويد" عن رغبتهم في دراسة الإعلام والالتحاق بدراسات حرة بجامعة العريش القريبة منهم. وهناك من يفكر في حمل كاميرات وتسجيل ما يجري ونشره على "يوتيوب". بيد أن خدمة الإنترنت معطلة، وعليهم السفر للعريش للتواصل عبر الشبكة.
صورة من: DW/A. Wael
أشجار إرهابية
نادراً ما تجد بيتا لا تحيط به أشجار رغم طبيعة سيناء الصحراوية، إلا أن أهلها يحرصون على زراعة أشجار الزيتون والخوج. هذه الأشجار هي النشاط الأكثر انتشاراً هنا، حيث تستخدم الثمار كبديل عن الأموال. وخلال حملات الحرب على الإرهاب قامت قوات الجيش باقتلاع أشجار الزيتون عن طريق استخدام "البلدوزرات" تارة، وبحرقها تارة أخرى.
صورة من: DW/A. Wael
محاصرة الحياة والبحر
العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، محاطة بالتحصينات الأمنية، حيث تستقر بها عدة مواقع حكومية وأمنية كمبني المحافظة، ومديرية الأمن، ومكاتب المخابرات بتنويعاتها، إلى جانب مستشفى الجيش وغيرها..هكذا تصبح عملية التصوير معقدة في العريش المدينة الساحلية المطلة على "المتوسط".
صورة من: DW/A. Wael
"الحرب" في جلسات البدو
في كل بين ستجد "المِقِعد"(هكذا تنطق)، وهو مكان مخصص للضيوف يقع خارج المنزل. يتنوع فرشه، لكن ما هو أساسي فيه أن الجلسات على الأرض. المِقِعد يستضيف السهرات البدوية، ولابد أن يتوسطه مكان مخصص لإشعال النار، لإعداد الشاي وتدفئة الجالسين في ليالي الحظر، والحديث يكون غالباً عن الأوضاع الحالية و"الحرب".
صورة من: DW/A. Wael
"ذقون"..وظلم أيضاً
في كل بيت من بيوت شمال سيناء، ستجد قصة لها علاقة بالحرب الدائرة. أحيانا يحرق البيت أو السيارة في الحملات الأمنية، خسائر كبيرة بالنسبة للناس، لكنها عادية بالنسبة للجيش. هناك "ذقون في سيناء" كما يقول أهلها، تعبيراً عن الجماعات المسلحة، وهناك أيضاً تفجيرات تستهدف نقاط التفتيش الأمنية، لكن هناك ظلم أيضاً.
صورة من: DW/A. Wael
طرق خالية
طريق جانبي يكشف الشكل المعتاد لطرق سيناء المحاطة بأشجار الزيتون، تتوقف الحياة هنا يوميا من الرابعة عصراً حتى السادسة من صباح اليوم التالي؛ لكن مع بداية الحملات الأمنية، قبل 5 أشهر، قامت "القوات" بإزاحة أشجار الزيتون لمسافة تزيد عن 50 متراً، ثم توسعت لتحرق الأشجار وتقتلع بعضها لمسافة تزيد عن 100 متراً، حتى تكون الطرق مكشوفة، ولا يختبئ وسطها أي إرهابي محتمل.
صورة من: DW/A. Wael
توسع أفقي
المنازل هنا لا تتجاوز الطابق الواحد وأحياناً تلمح بيتا من طابقين. نمط العمارة بسيط جدا، وإذا كانت هناك رغبة في التوسع فإن الامتدادات تكون أفقية في الغالب، سواء تعلق الأمر ببناء جراج للسيارة، أو "مِقِعد" لاستقبال الضيوف، أو المخزن، المؤسس من الخوص (جريد النخيل) أو غيرها.
صورة من: DW/A. Wael
"فتة سيناوية"
وجبة بدوية دسمة: إلى جانب الأرز والخبز، المكونين الأبرز للثريد، تستقر قطع الدجاج، وتدمج السلاطة في الطبق الكبير. حين وضعت المأدبة توقف الكلام، وبدأ الطعام. أهل شمال سيناء لا يزالوان مخلصين للعادات وذلك بتناول الطعام باليد، دون استخدام الملاعق.. كما تستخدم الشوربة لتسهيل عملية التناول، بينما وضعت ملعقة واحدة للمصور.
صورة من: DW/A. Wael
حكايات عن الدولة
لا تتوقف الحكايات هنا، الموضوعات متنوعة، لكن الرابط الذي يجمعها الأوضاع السائدة في ظل الحرب على الإرهاب. وأكثر المواضيع إثارة للسخرية لدى المتحاورين، قرار الحكومة المصرية السماح للبدو بامتلاك الأراضي بسيناء، وذلك بسبب طريقة تعامل الدولة المصرية مع أهل سيناء.
صورة من: DW/A. Wael
محاكم شرعية ومشايخ من غزة ..أيام مرسي
"ماهر" يشرب الشاي. هو صوفي، يري أن الفترة منذ قيام الثورة المصرية إلى فترة حكم "مرسي" اتسمت بالهدوء، مع توقفت الأجهزة الأمنية والاستخبارتية عن نشاطها، وكما أن سيناء أصبحت "حرة كما لم تكن من قبل". ماهر يحكي عن المحاكم الشرعية التي أتى بها مشايخ من غزة تمّ ترحيلهم بعد "تصدي النظام القبلي لهم".
صورة من: DW/A. Wael
أشجار الزيتون شاهد على الأحداث
شجرة زيتون محترقة، دليل على أن حملة أمنية جرت هنا. أشجار الزيتون هي الأثر الظاهر لما صنعته الحملات الأمنية هنا بشمال سيناء، القوات المسلحة، الخصم والحكم، هي التي تباشر الحملات والاعتقالات، كما أنها الجهة التي تدير التحقيق وتصدر الأحكام.
صورة من: DW/A. Wael
في انتظار العدالة
هل ستتحقق عدالة؟ يتساءل صاحب السيارة المحترقة، الذي واجه "مصيبة" أكبر من حرق "العربة" على حدق قوله. فقد حبس ولده بعد محاكمته عسكريا. والرجل يؤكد أن "سالم" (ولده) لم يكن يستطلع نقطة التفتيش (تمهيداً لاقتحامها)، حسب التهمة الموجهة له، وهو موقن من أن ولده المحبوس بسجن وادي النطرون قد ظلم. كان مكلوماً، ورفض ذكر اسمه أو تصويره، مكتفياً بأن تكون هذه الصورة شاهدا عما حدث و الظلم الواقع هنا.
صورة من: DW/A. Wael
15 صورة1 | 15
"مصر تحارب منذ أعوام تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المنضوية تحت سيطرتها". يقول مختار عواد باحث في المركز الأميركي للتطور. ويشير إلى أن تنظيم أنصار بيت المقدس كان حتى صيف عام 2014 في اضعف حال، بيد أن بيعته لتنظيم الدولة كانت نقطة تحول كبيرة في قوة التنظيم. فقد ارتفع عدد الهجمات القاتلة ونوعية هذه الهجمات القاتلة تجاه القوات الأمنية والجيش بشكل لم تشهده هذه القوات منذ عام 1973، بعد مبايعة تنظيم أنصار بيت المقدس لـ"داعش". حسبما يقول مختار عواد. ويرى أن "بيعة التنظيم لداعش أعاد اختراعه من جديد وجعله قوة أكثر فتكا من ذي قبل".
البيعة لداعش
بعد هذه البيعة أصبح التنظيم يتخذ أسلوبا تكتيكا مشابها لنظرائه من التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. فقد بدأ التنظيم يستعمل صفحات التواصل الاجتماعي. الهجمات باتت أكثر تطورا كما أصبح يمارس نفس وسائل تنظيم داعش بقطع رؤوس السكان المحللين الذين يعملون كمخبرين للدولة.
وبنفس الأسلوب والرغبة في السيطرة على أراض واسعة في سوريا والعراق حاول تنظيم "ولاية سيناء" السيطرة مثلا على مدينة شيخ زويد شمال سيناء.
في الصيف أعلن التنظيم مسؤوليته عن استهداف القنصلية الإيطالية في القاهرة، وضرب زورقا عسكريا في البحر المتوسط. وبعد اختطافه لمهندس كرواتي يعمل في شركة فرنسية، نشر التنظيم بمساعدة "داعش" فيديو يعرض فيه عملية إعدام الرهينة الكرواتي قائلا، إنها عقوبة لكرواتيا بسبب دعمها للتحالف في الحرب ضد التنظيم في العراق وسوريا.
"في حال صحة فرضية وقوف التنظيم خلف عملية إسقاط الطائرة الروسية، فإن هذا يشكل تحديا كبير للحكومة المصرية، فأعداد المقاتلين في التنظيم ممن هم ليسوا من سكان سيناء قد ارتفع كثيرا، وهؤلاء لن يكونوا أكثر حذرا في استهداف مصالح السكان المحللين"، يقول زاك غولد من مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط. |ويضيف "هذا واضح من خلال استهداف ومضايقة السكان المحليين واستهداف قوات حفظ السلام الدولية المشرفة على معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر. وإسقاط الطائرة الروسية – لو صح ذلك – سيؤكد أن هذا التنظيم قد تغير كثيرا".
مظالم
بينما تحاول مصر مكافحة الهجمات الإرهابية القاتلة، يقول البعض إنه قد حان الوقت للاستماع لمظالم سكان سيناء المهمشين منذ عقود من قبل القاهرة، الأمر الذي دفع ببعض منهم للجوء إلى العنف والتنظيمات الارهابية.
"هناك تاريخ من مكافحة التمرد لم يعمل على كسب قلوب وعقول الناس، بل كان مهتما بعدد القتلى"، يقول عمر عاشور لـ DW وهو أستاذ في جامعة ايكستر. جماعات حقوق الإنسان تقول، إن السكان المحللين كانوا بين مطرقة الجماعات الإرهابية وسندان السلطة. ويضيف عاشور "المشكلة أن أصحاب القرار في الجهات الأمنية والعسكرية المصرية يصرون على أن الاستئصال هو الحل لمشكلة الإرهاب في سيناء". ويشير إلى أن "هذا الأسلوب لم يجد نفعا رغم مرور أعوام طويلة على استعماله".
لكن تغير طبيعة الوضع في شبة جزيرة سيناء حاليا ربما يمنح الدولة فرصة للتعاون مع السكان المحليين للقضاء على تنظيم الدولة هناك. وحسبما يرى زاك غولد من مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، فإن "الناس هناك بحاجة للدولة وقوتها لحمايتهم من التنظيمات الإرهابية".
ويقول تقرير نشر في معهد الدراسات الأمنية الدولية "إن على مصر استغلال هذه الفرصة. ويجب على مصر أن تفعل أكثر من مواصلة حملاتها العسكرية، التي هي فعالة وضرورية، لكن عليها أيضا العمل قولا وفعلا".