1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اليمن: الحصول على جواز سفر..رحلة عذاب وتجارة بمعاناة الناس

١٦ يونيو ٢٠١٨

الحرب بحد ذاتها كارثة لكنها تسفر عن كوارث جانبية تخص حياة الناس اليومية. في اليمن يستغل تجار الأزمات ظروف الانقسام الصعب للبلاد ما بين الحوثيين وما تسمى بالحكومة الشرعية ليحولوا معاملة الحصول على جواز سفر إلى صفقة مربحة.

Jemen | Ausstellung von Reisepässen
صورة من: K. A. Banna

النازحون في اليمن.. الهروب من الموت إلى موت آخر!

01:29

This browser does not support the video element.

ما يقرب من شهرين قضاها اليمني عبدالمجيد (22 عاماً) في رحلة الحصول على وثيقة جواز سفرٍ في مناطق خاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، حيث تُلقي الانقسامات بأثارها على مختلف القطاعات الخدمية ويدفع ثمنها غالبية السكان، بما في ذلك الراغبون أو المضطرون إلى السفر خارج البلاد، الذين يواجهون سلسلة عوائق تبدأ باستصدار وثيقة السفر التي تكلف أحياناً أكثر من خمسة أضعاف رسومها القانونية، فضلاً عن التحديات الأمنية وظروف التنقل التي يختار معها عديدون الامتناع عن السفر وخسارة مواعيد وأعمال في مقابل تجنب العناء والمخاطر المحتملة.

وحتى الشهور الأخيرة من العام 2017  كان عبدالمجيد البكاري الذي ينحدر من محافظة تعز ويعمل في السعودية، يحمل جواز سفر صادر من محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين (جماعة أنصار الله)، قبل أن يُبلغ رسميا أن وثيقة سفره لم تعد مقبولة، وأن عليه استصدار بديلاً عنها في إحدى المدن الرئيسية التي تسيطر فيها الحكومة المعترف بها دوليا(عدن أو مأرب أو تعز). الشاب عبد المجيد قضى ما يزيد عن شهرين للحصول على الوثيقة. فبعد أيام من بدء معاملته في المركز الرئيسي لمصلحة الجوازات في عدن، رفض الأخير استكمال المعاملة، لعدم امتلاكه وثيقة صالحة كمرجع للمعلومات الشخصية باعتبار أن جواز السفر الصادر في مناطق سيطرة الحوثيين، بحكم العدم.


انتقل عبدالمجيد إلى تعز المدينة التي لا تزال أجزاء منها ساحة مواجهات متقطعة في أكثر من منطقة. وبدلاً عن أن الرسوم المفترضة لاستصدار جواز لا تزيد عن 10 آلاف ريال، أي ما يعادل 40 دولارا أمريكيا، دفع 35 ألفاً ريال، أي أكثر 120 دولارا أمريكيا لأحد السماسرة، الذين ينتشرون قرب فروع مكتب إصدار الجوازات، ويطلبون مبالغ كبيرة من الراغبين بالحصول على وثيقة سفر، مقابل اختصار الوقت وتسهيل المعاملات. لكن الشخص الذي منحه المبلغ، اختفى أياماً قبل أن يتمكن من الوصول إليه، وفي نهاية المطاف دفع 20 ألف ريال يمني (أكثر من ضعف الرسوم القانونية) لأحد الأشخاص الذي تولى بدوره استكمال المعاملة.
بالنسبة للشاب عبدالمجيد، وعلى الرغم من التجربة المريرة التي مر بها، إلا أنه كان قادراً على التغلب على التحديات الأمنية والتنقل بين المدن. لكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لفاطمة العنسي، طالبة جامعية تسكن في صنعاء، كان من المقرر أن تسافر إلى مصر لحضور دورة تدريبية. وبعد أن علمت أن الجوازات الصادرة في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير نافذة المفعول بسبب عدم الاعتراف بها في الكثير من الدول العربية، لم يكن أمامها سوى إلغاء السفر. وتقول لـDW إنه "بسبب تكاليف السفر إلى مأرب أو عدن التي ستكون كبيرة، ولعدم وجود أشخاص معروفين يمكن الإقامة لديهم في المدينتين، ألتغت السفرية". وتضيف أنها "مشكلة جدا صعبة تؤرق حياتنا".

دائرة جوازات مدينة تعزصورة من: K. A. Banna

وحتى الفترة التي سبقت تصاعد الحرب في البلاد في مارس/آذار2015 كان من الممكن استصدار جواز السفر من العاصمة صنعاء بغضون ساعات للحالات المستعجلة. لكن الأمر تحول إلى مهمة صعبة في ظل الحرب. ففي المرحلة الأولى من الحرب عانت المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين بالحصول على وثائق سفر وتحولت إلى أزمة في أغلب مناطق البلاد في شهور لاحقة تخللتها عمليات استغلال للمواطنين المضطرين للسفر، بحيث يدفعون ما يصل إلى 20 ضعفاً للرسوم القانونية في بعض الأحيان.

إلغاء جوازات حكومة الحوثيين
ودخلت معاناة اليمنيين باستصدار وثائق السفر مرحلة ثانية مع تدشين الحكومة "الشرعية" مراكز لإصدار الجوازات منفصلة عن صنعاء، وإصدارها تعميماً على السفارات الأجنبية بعدم التعامل مع الجوازات الصادرة من مناطق خاضعة للحوثيين منذ مطلع العام 2016، ما شكل عقوبة على المدن الشمالية ذات الكثافة السكانية والتي يتطلب الإجراء من المواطنين فيها قطع مسافات طويلة محفوفة بالمخاطر الأمنية إلى مأرب وعدن في الغالب. ومع التكاليف المضاعفة التي تتطلبها الرحلة، تعاني دوائر الجوازات في مدن "الشرعية"، من ازدحام شديد. والحد الأدنى الذي يستغرقه انتظار صدور الجواز، بحسب ما أفاد عاملون في مراكز الإصدار لـDW يتطلب أسبوعاً على الأقل في أغلب الحالات.

ويمثل الوضع الأمني أحد أبرز التحديات، إذ يتطلب الوصول إلى مأرب المرور من مناطق قريبة من المواجهات وعدد كبير من نقاط التفتيش، وخصوصاً في محافظة البيضاء. فيما يجد المواطنون المنتمون للمحافظات الشمالية عوائق إضافية بالنسبة لعدن بسبب وجود النزعات الانفصالية. أما في مدينة تعز، فتتواصل المواجهات منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات وتعد من أكثر المناطق المتأثرة بالحرب.
وفي المقابل، تواصل فروع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية الخاضعة للحوثيين إصدار الوثائق وتنفي وجود رفض لقبولها، على الرغم من تشديد الحكومة اليمنية على أنها لم تعد مقبولة. وهناك دول بالفعل، وفقاً لشهادات مسافرين، لا تزال تعتبر جوازات صنعاء وثائق مقبولة، ومنها سلطنة عُمان، الحدودية مع اليمن مع جهة الشرق.

المراجعات يومية وزخم كبير
ودافع مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في تعز، منصور دحان عن قرارات الحكومة وقال لـDW، إن الحوثيين بعد سيطرتهم على صنعاء "أوقفوا إصدار الجوازات من جميع فروع محافظات الجمهورية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، والسفارات في الخارج"، مشيراً إلى جميعها كانت "مرتبطة مع المركز الرئيس بصنعاء". وأشار إلى أن الكثير من مواطني المحافظات البعيدة عن العاصمة مثل المهرة وحضرموت، لجأوا إلى إرسال معاملاتهم عبر سماسرة إلى المركز الرئيسي بصنعاء لإصدار الجوازات بتكلفة باهظة تصل أحياناً إلى 150 ألف ريال يمني للجواز الواحد".

آخر مراحل اصدار جواز سفر لمواطن عانى الكثيرصورة من: K. A. Banna

وتابع دحان أن الحكومة وعبر رئيس مصلحة الهجرة والجوازات سعت للتواصل مع الجهات المعنية في صنعاء ومطالبتها بـ"إعادة فتح جميع الفروع، وتحييد المصلحة عن الصراع الدائر في البلاد باعتبارها خدمة للمواطن بالدرجة الأولى، لكن طلبه قوبل بالرفض"، قبل أن يتخذ الجانب الحكومي، قراراً بإلغاء المركز الرئيسي بصنعاء وسحب الموظفين المسؤولين عن تشغيل النظام فيه لـ"ليتم بعد ذلك فتح فروع في جميع المناطق المحررة، على أن تتم عملية إصدار الجوازات بشكل سلس". وقال "الآن، جميع الفروع تستقبل بشكل يومي مواطنين من كافة محافظات الجمهورية بما فيها مناطق سيطرة الحوثيين، دون عراقيل بل أنه يمكن لغير القادرين على السفر، ارسال المعاملة إلى أي فرع في المناطق المحررة، دون الحاجة إلى مجيء صاحبها مع إرفاق وثائق قديمة (شهادة ثانوية عامة، جامعة.. إلخ) للتأكد من صحة البيانات".

سعادة الحصول على جواز سفر في اليمن لها طعم مرصورة من: K. A. Banna


تجارة في زمن الأزمات
مع استمرار المعاناة، يبدو أن الجوازات تشكل مصدراً مادياً مغرياً بالنسبة آخرين، حيث يقوم أشخاص يعملون في مكاتب سفريات وسياحة، بتقديم خدمات استصدار جوازات سفر من عدن أو مأرب أو غيرهما لمواطنين يقيمون في مناطق خاضعة للحوثيين، دونما الحاجة إلى سفرهم إلى تلك المدن. ولكن ذلك، يتطلب دفع مبالغ بين 50 ألف إلى 100 ألف ريال يمني (خمسة إلى عشرة أضعاف الرسوم القانونية) أي ما يعادل ما بين 200 و400 دولار أمريكي. ومع ذلك، فإن المدة التي قد يستغرقها إصدار الجوازات بين أسبوعين إلى شهر، وهي مدة غير كافية بالنسبة للراغبين للسفر لأغراض قد لا تحتمل التأخير.
ويقول ناصر وهو أحد الأشخاص، الذين تواصلوا مع عاملين بمكتب سفريات وسياحة بصنعاء لـDW، إن الموظف المختص طلب منه مبلغ 80 ألف ريال، مقابل الوعود بمتابعة إصدار جواز السفر خلال أسبوع، ولكنه امتنع عن مواصلة المعاملة، بعد أن علم أن "الموعد غير مضمون"، وأنه يمكن أن يدفع أمواله ثم ينتظر شهراً كاملاً.

صفية مهدي - صنعاء

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW