إصلاح قانون شنغن: حد من حرية التنقل أم تقنين لصد المهاجرين؟
٥ مايو ٢٠٢٤
القواعد الجديدة التي أقرها البرلمان الأوروبي ستساعد على إزالة بعض العوائق التي تحول دون حرية الحركة داخل منطقة شنغن. لكن لماذا يرى معارضون، أن هذه القواعد ستكون لها عواقب وخيمة على المهاجرين؟
إعلان
صوت البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء (24 أبريل/ نيسان 2024) لصالح قرار إصلاح قوانين تتعلق بحرية الحركة داخل منطقة شنغن. وكان الهدف هو توضيح القوانين وخفض الضوابط الحدودية المؤقتة داخل المنطقة، والتي تهدف للسماح لأكثر من 400 مليون شخص بالسفر دون قيود بين الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
ما أهمية التغييرات القانونية الجديدة؟
بدأت المفوضية الأوروبية بإجراء إصلاحات على بنود قانون حدود شنغن (SBC) بسبب ما وصفته بالتحديات التي طرأت في السنوات الأخيرة والتي كان يجب التعامل معها. وكانت جائحة كورونا إحدى هذه التحديات، التي لم تكن بعض بنود القانون فعالة في مواجهتها من قبل.
كما كان لهذه التغييرات سبب آخر مرتبط بالأساس بمحاولات لابتزاز الاتحاد الأوروبي عن طريق تسهيل وصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى حدوده الخارجية، كما فعلت بيلاروسيا عام 2021 وما فعلته روسيا مع فنلدا العام الماضي. فبمجرد اعتماد القانون الجديد، سيكون من حق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "إغلاق أو تحديد ساعات العمل مؤقتًا لنقاط عبور حدودية معينة".
"القوانين هي المعيار الجديد"!
عندما تمت صياغة اتفاقية شنغن عام 2006، لم تتوقع الدول الأوروبية أنها ستحتاج إلى بنود قانونية للسيطرة على الحدود الداخلية لوقف الهجرة غير النظامية.
لكن خلال السنوات الأخيرة، وبسبب الأعداد الكبيرة للمهاجرين غير النظاميين الذين يتوافدون على حدودها، قامت دول الاتحاد الأوروبي بتطبيق ضوابط حدودية على النحو الذي تراه مناسبا.
وأكد مسؤول من قسم الخدمة الصحفية في البرلمان الأوروبي لمهاجر نيوز أن "الضوابط هي المعيار الجديد للعديد من الدول الأعضاء". لكن من الواضح أن هذه الضوابط الحدودية الداخلية لا تحظى بشعبية لدى مواطني البلدان المعنية، الذين يرغبون في التنقل داخل منطقة شنغن دون قيود.
لكن البنود الجديدة ضمن القانون مصممة بصيغة من شأنها أن تكفل الحرية لمعظم الأشخاص، ولكنها ستكون كفيلة بمنع المهاجرين غير النظاميين من عبور الحدود من خلال السماح للشرطة للقيام بعمليات تفتيش، وأيضا تطبيق بنود اتفاقيات تسمح بإعادة المهاجر غير القانوني الذي يتم القبض عليه من على الحدود.
تطبيق هذه القواعد والقوانين سيكون في يد السلطات الوطنية، مما أثار قلقاً بين عدد كبير من منظمات المجتمع المدني، وفعاليات سياسية في البرلمان الأوروبي، من بينها عضو البرلمان الأوروبي منير ساتوري، الذي عارض الإصلاح بشدة.
وفي حسابه على تطبيق X، قال ساتوري "إن إصلاح قانون الحدود سيزيد من التأثير السلبي على حقوق المهاجرين، ومن شأنه أيضا تشديد المراقبة والسيطرة والقيود العنصرية على المعابر الحدودية".
بنود لها "عواقب وخيمة" على المهاجرين!
كما وصفت المنظمة الحقوقية التي تعنى بحقوق المهاجرين غير الشرعيين (PICUM) التصويت على التغييرات بأنه "مخز"، قائلة إن عواقب القوانين الجديدة ستكون سيئة على المهاجرين.
وكتبت شبكة المنظمات غير الحكومية على تطبيق X أن هذه التغييرات تُحول مناطق شنغن إلى مساحة تسيطر عليها التكنولوجيا، حيث يتم إضفاء الشرعية على العنصرية والصد".
وتقول المنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني إن الشرطة بهذه الطريقة ستميز بين الأشخاص على أساس العرق والدين، وبهذه القواعد الجديدة سيكون قد تم منحها الضوء الأخضر لتمارس التمييز يوميا.
وقالت سيلفيا كارتا، من منظمة PICUM في تصريح لمهاجر نيوز: "إن العنصرية ليست بالأمر الجديد، لكنها تتفاقم بسبب فرض قوانين ومراقبة داخلية على الحدود".
وأضافت كارتا أن عمليات التفتيش التي تقوم بها الشرطة تهدف بشكل واضح إلى الحد من الهجرة غير القانونية، من خلال "مطالبة سلطات إنفاذ القانون بتحديد الأشخاص الذين يشتبه في كونهم مهاجرين".
الأطفال غير محميين من الاستهداف!
من بين المعرضين لخطر النقل عبر الحدود بموجب المادة 23 أ من القانون الجديد، الأسر التي لديها أطفال. وحسب منظمة PICUM والعديد من المنظمات الحقوقية منها المجلس الدنماركي للاجئين، والمجلس اليوناني للاجئين، ومنظمة أوكسفام، فإن هذه المادة تسمح بعمليات الإعادة الداخلية للمهاجرين داخل منطقة شنغن، وهو أمر غير قانوني.
وعدم إعفاء الأطفال من "عمليات الإعادة "أمر يثير قلق كارتا، التي ترى أنه على الرغم من وجود بند في النسخة النهائية للقانون الجديد يدعو البلدان إلى "مراعاة المصالح الفضلى للطفل" بما يتوافق مع قوانينها الوطنية، إلا أن الأمر في نظره مثير للقلق.
وقال كارتا "يجب حماية مصالح الأطفال وفقًا للالتزامات الحقوقية الدولية الأساسية، وتظهر التجربة كيف يتم انتهاك حقوق الأطفال بشكل متكرر في سياق عمليات التفتيش على الحدود الداخلية وإجراءات الإعادة". ومن المتوقع أن يتم اعتماد النسخة الجديدة من قانون حدود شنغن خلال الأشهر القليلة المقبلة.
أوروبا وبلدان شمال إفريقيا.. لعبة المصالح ومقايضة الهجرة بالمال
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي لموافقة دول جنوب المتوسط من أجل وقف الأعداد القياسية للمهاجرين غير النظاميين. ولذلك سعت بروكسل لصفقات تبادل مصالح مع دول كمصر وتونس وموريتانيا، وتفاوض أخرى كالمغرب. اتفاقيات تعرضت لنقد شديد.
صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Wire/IMAGO
رئيسة الحكومة الإيطالية تزور تونس للمرة الرابعة
تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، للمرة الرابعة خلال عام. وتركز مرة أخرى على مكافحة الهجرة غير القانونية. وأكدت مصادر إيطالية قبل هذه الزيارة أن "التعاون في مجال الهجرة يظل جانبا أساسيا في العلاقة بين إيطاليا وتونس". وتأتي الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي تخاض في إطارها نقاشات ساخنة حول الهجرة.
صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance
اتفاقية مع تونس
وكانت تونس وقعت في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، التي زارت تونس مع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، إلى أهمية التعاون في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر وإدارة الحدود والبحث والإنقاذ عبر تمويل بقيمة 100 مليون يورو هذا العام.
صورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance
ثلثا المهاجرين يصلون إيطاليا عبر تونس
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق قرابة ثلثي العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، والحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني. وتوفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس عام 2023، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية.
صورة من: Ferhi Belaid/AFP/Getty Images
اتفاقية مع مصر
رئيسة المفوضية الأوروبية زارت القاهرة أيضا، برفقة رؤساء حكومات بلجيكا وإيطاليا واليونان. ووقعت اتفاقية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف إقامة شراكة مع السلطات المصرية لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة، والذي يقع على حدود حربين في قطاع غزة والسودان، وحيث يوجد نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ - بما في ذلك أربعة ملايين سوداني و 1,5 مليون سوري - بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
صورة من: Dati Bendo/dpa/EU Commission/picture alliance
مساعدات لموريتانيا مقابل التعاون في مجال الهجرة
كما وقعت موريتانيا مع بروكسل إعلانا للتعاون المشترك بينهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشتمل على نقاط متفرقة منها منع المهاجرين من التدفق نحو السواحل الأوروبية، وخاصة إسبانيا، وإعادة المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين. والتعاون في مجال اللجوء، ومساعدة موريتانيا على إيواء طالبي اللجوء الأجانب على أراضيها مع احترام حقوقهم الأساسية. ولقي الاتفاق انتقادات واسعة في موريتانيا.
صورة من: BORJA PUIG DE LA BELLACASA/AFP
العبور من المغرب
يعتبر المغرب أحد أهم الوجهات للعبور إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن الرباط تشدد رقابتها على المنفذين البريين في سبتة ومليلة، إضافة للعبور بحرا. واعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر حاولوا الانطلاق من المغرب إلى أوروبا في 2023، وأنقذت 22 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل في البحر أثناء محاولة العبور.
صورة من: Bernat Armangue/AP Photo/picture alliance
تقارب إسباني مغربي
التقارب الأوروبي مع المغرب تدفع به خصوصا إسبانيا، التي أعلنت في مارس/آذار 2022 تأييد موقف المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وزار رئيس الوزراء الإسباني سانشيز المغرب أكثر من مرة. وعملت الرباط ومدريد على توثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية. واحتلت قضية الهجرة موقعا مهما في المحادثات.
صورة من: /AP Photo/picture alliance
سعي أوروبي لاتفاق قريب مع المغرب
هناك اتفاقيات ثنائية بين دول أوروبية والمغرب بخصوص الهجرة. ولكن هناك مفاوضات تجريها المفوضية الأوروبية مع الرباط، منذ سبع سنوات، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق نهاية 2024. التعاون مع المغرب ثمنه ليس ماليا، وإنما سياسي، بحسب مصادر أوروبية مطلعة، كما نقلت صحيفة "كرونه" النمساوية، حيث تشترط الرباط دعم بروكسل بخصوص الصحراء الغربية. وفي المقابل، يدعم المغرب السياسة الأوروبية المتعلقة باللاجئين.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
انتقادات حقوقية لهذه الاتفاقيات
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي "الوضع الكارثي للديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر". كما تعرضت مذكرة التفاهم مع تونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين "استبداد" الرئيس التونسي سعيد، والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في بلده.
ودان المجلس الأوروبي للاجئين "الاتفاقات المبرمة مع الحكومات القمعية".
صورة من: Mahmud Turkia/AFP
تبقى ليبيا
ومع هذه الاتفاقيات المتتالية مع دول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية، تبقى دولة واحدة بمثابة العقدة أمام المنشار. حيث تستغل ميليشيات مسلحة في ليبيا الانقسام في البلد، لتحقق ثروات طائلة من خلال تهريب المهاجرين على قوارب مكتظة باتجاه اليونان وإيطاليا. وعجزت الجهود الأوروبية حتى الآن عن إيجاد حل للمعضلة، التي تفاقمت في يونيو/حزيران 2023 مع تسجيل واحد من أكبر حوادث غرق المهاجرين على الإطلاق.