إطعام للأيتام وتعميق لروح التعارف بين المسلمين والألمان
٨ مارس ٢٠١٣ فكرة هذا المشروع بسيطة للغاية: فما عليك سوى الطبخ ودعوة الأصدقاء والأقارب والزملاء أو الجيران إلى الطعام، لتقضي معهم أمسية لطيفة ومسلية وتتبادلون أطراف الحديث، بهدف جمع التبرعات منهم للأطفال الأيتام الفقراء، في المقام الأول.
أطلقت منظمة الإغاثة الإسلامية هذه الحملة الخيرية الواعدة بالنجاح يوم الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجاري 2013 بمناسبة ذكرى المولد النبوي، تحت شعار: "طعام للأيتام".
وأقامت المنظمة لمدة أربعة أسابيع، حتى 23 من شهر شباط/ فبراير لعدد من المسلمين (ومن غير المسلمين) في ألمانيا، مآدب طعام، ودعت إليها أيضا ذويهم وأصدقاءهم، ليس فقط من أجل فعل الخير لصالح الأيتام، بل وللإسهام في التفاهم والحوار بين الأديان أيضا.
المشاركة مفتوحة للجميع
ويقول ياسين ألدَر الذي يعمل محررا صحفيا لدى منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا: "لا ينبغي لهذا العمل أن يكون إسلاميًا فقط، بل على العكس من ذلك، فنحن نأمل من خلال ذلك تشجيع التبادل مع غير المسلمين." وتكمن فكرة هذا العمل في التفاهم المتبادل القائم على أساس العمل الخيري المشترك.
وفي الحقيقة، يبدو أن العديد من المضيفين المسلمين تشجَّعوا لدعوة أشخاص من خارج نطاق أصدقائهم. وتقول أمل كبير في هذا السياق: "أجدها فكرة رائعة، بحيث يستطيع المرء التعرّف على أشخاص جدد". وقد نظمت الطالبة أمل كبير وليمة "طعام للأيتام" في مدينة بون غرب ألمانيا، ودعت إليها عشرة ضيوف كان من بينهم أيضا أشخاص غير مسلمين. كما أنها أعدت الطعام بنفسها وتلقت المساعدة من أصدقائها. وكان على المائدة أرز مع اللبن ومعجنات محشوة بالإضافة إلى سلطة المعكرونة.
ولا يرتبط المضيفون بأية قواعد فيما يتعلق بمسار هذه الدعوة؛ فبإمكان حتى تناول البطاطا المقلية وشرب الكولا أثناء مشاهدة أحد الأفلام أن يفضي إلى جمع التبرعات.
وقد علمت الطالبة أمل، التي يبلغ عمرها سبعة عشر عامًا، بهذا النشاط عن طريق نشرة إعلانية، وقد أعجبها على الفور. وكذلك وجدت هذه الفكرة قبولاً لدى أصدقائها. وتقول إيمان، شقيقة أمل الكبرى، إن "مثل هذا الطعام يُوحِّدنا ويُسَلِّينا بالإضافة إلى أننا نستطيع جمع المال للأيتام. هذه الفكرة رائعة".
استجابة إيجابية وحملة ناجحة
هذه هي أول مرة تدعو فيها منظمة إسلامية إلى المشاركة في أعمالها الخيرية على مستوى جميع أنحاء ألمانيا. ومنذ بداية هذه الحملة، أقامت منظمة الإغاثة الإسلامية حتى الآن 250 مأدبة طعام خاصة. وفي كل يوم يتم التسجيل لإقامة مأدبة جديدة. وكذلك يَتوقَّع المنظِّمون أنَّ عدد المشاركين حتى الآن قد بلغ نحو ألفي شخص. كما تم الاتفاق على إعادة هذا النشاط في العام المقبل.
وما يبعث السرور لدى القائمين على هذا النشاط أنه قد وجد تجاوبا حسنا وأفادهم كثيرا في الدعاية لجمعيتهم. ويقول ياسين ألدَر مؤكِّدًا: "نحن نريد بطبيعة الحال أن تصل منظمة الإغاثة الإسلامية إلى المزيد من الجمهور غير المسلم. ولكن لا ينبغي أن يكون مشروع «طعام للأيتام» مجرَّد نشاط للعلاقات العامة، بل إنَّ الأهم من ذلك هو جمع التبرعات للأيتام".
يذكر أن منظمة الإغاثة الإسلامية قد تأسست في عام 1996 في مدينة كولونيا الألمانية، وتُعدّ اليوم إحدى أكبر الجمعيات الخيرية الإسلامية وأفضلها ترابطا في البلاد. وتعمل هذه المنظمة، باعتبارها جزءاً من شبكة عالمية في أكثر من أربعين بلدًا (منها بلدان غير مسلمة) في جميع أنحاء العالم، في مجال تقديم الإغاثة الطارئة ومشاريع التنمية المستدامة.
أمَّا التبرعات التي يحصل عليها فرع المنظمة في ألمانيا فيأتي قبل كلِّ شيء من المسلمين في المجتمع الألماني، حيث تتمتَّع المنظمة بسمعة حسنة مثلما هي الحال لدى المسيحيين مع منظمة "خبز للعالم" الألمانية.
الأعمال الخيرية فريضة إسلامية
يغيب عن النقاشات التي تدور هنا في ألمانيا أن العمل الاجتماعي يشكل جانبا مهما في الثقافة الإسلامية. وتسعى منظمة الإغاثة الإسلامية إلى تغيير هذا الواقع أيضا. وفي هذا الصدد يقول ياسين ألدَر: "يجب أن يتم إعلام الرأي العام هنا بأنَّ الأعمال الخيرية تعتبر على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للمسلمين".
وفي الحقيقة تعد الأعمال الخيرية فريضة في الإسلام، على الأقل بالنسبة للمسلمين غير المحتاجين إلى المساعدة. إذ تمثل "الزكاة" التي يخرجها المسلم القادر في كلِّ عام للفقراء وبنسبة 2.5 في المائة من أملاكه ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وبالإضافة إلى ذلك يفرح المحتاجون بما يحصلون عليه من عطايا وهبات خاصة في عيد الأضحى وفي نهاية شهر رمضان.
وكذلك يحظى الاهتمام بالأطفال الأيتام في الإسلام بعناية خاصة ولذلك فإنَّ منظمة الإغاثة الإسلامية تعتبر رعاية الأيتام من اهتماماتها الرئيسية أيضًا. وتستثمر هذه المنظمة صندوقًا للأيتام لمساعدة الأطفال في جميع أنحاء العالم، كما تتدفَّق إلى هذا الصندوق عائدات ولائم حملة "طعام للأيتام". وتدعم منظمة الإغاثة الإسلامية ثلاثين ألف طفل في عشرين بلدًا حول العالم، ومن بينهم ثلاثة آلاف طفل تتم مساعدتهم بأموال مصدرها من ألمانيا.
وبالمناسبة لقد كان النبي محمد يتيمًا وكان يحُضّ على رعاية الأيتام بصورة خاصة. ويرِد في كتاب صحيح البخاري الذي جمع فيه البخاري الأحاديث النبوية المتَّفق على صحتها: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، هكذا قال وهو يشير بإصبعيه السبابة والوسطى. وما من شكّ في أنَّ هذا الوعد من النبي محمد يشجِّع على الطبخ وإقامة الولائم للضيوف المسلمين وغير المسلمين من أجل الأعمال الخيرية.´
لاورا أوفرماير
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013