إطلاق علاء عبد الفتاح وآخرين خطوة نحو "تبييض السجون" في مصر؟
٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥
أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً بالعفو عن علاء عبد الفتاح الناشط السياسي المصري البريطاني البارز وخمسة سجناء آخرين.
وصار عبد الفتاح البالغ من العمر 43 عاماً أبرز سجين سياسي في مصر بعد أن أمضى جزءًا كبيراً من حياته رهن الاحتجاز بسبب نشاطه السياسي وأصبح رمزا نادراً لمعارضة السيسي.
ودخلت أسرة عبد الفتاح في صدام محتدم مع السلطات المصرية في أعقاب القبض على علاء إثر اتهامات بالتظاهر دون تصريح ونشر أخبار كاذبة.
وتعرض المدون ومطور البرمجيات السابق للاحتجاز قبل انتفاضة 2011 التي أطاحت الرئيس المصري محمد حسني مبارك في 2011 وخلال الاضطرابات التي أعقبتها، لكن انتقاده للحملات ضد المعارضين بعد تولي قائد الجيش آنذاك السيسي السلطة هو ما ألقى به في براثن أطول فترة سجن له على الإطلاق، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.
وفي عام 2014 قضت محكمة مصرية بسجن عبد الفتاح 15 عاماً بتهمة الاحتجاج دون تصريح، وتم تخفيف الحكم لاحقاً إلى خمس سنوات. وبعد انتهاء فترة العقوبة التي قضاها كاملة، أطلق سراح عبد الفتاح في 2019، لكن الإفراج عنه كان مشروطاً بالخضوع للمراقبة.
لكن أُلقي القبض عليه مرة أخرى في وقت لاحق من ذلك العام بتهمة "نشر أخبار كاذبة" بعد مشاركته منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن وفاة سجين. وحكم عليه بعدها بالسجن لخمس سنوات أخرى.
ضغوط عائلية
حاولت أسرة علاء مناشدة الحكومة المصري لإطلاق سراحه إذ كانت تتوقع الإفراج عنه نظراً لقضائه فترة في الحبس الاحتياطي. لكن الادعاء طالب ببقائه رهن الاحتجاز حتى يناير/كانون الثاني 2027.
وخلال فترة احتجازه مارست عائلته الكثير الضغوط الإعلامية والسياسية في محاولة لإطلاق سراحه، إذ كثفت والدته الدكتورة ليلى سويف حملتها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ودخلت إضراباً طويلاً عن الطعام في بريطانيا، ولم تنهه إلا بعد مناشدات من عائلتها نظراً لتدهور صحتها بشكل ملحوظ.
كما أثارت أسرته غضباً شديداً في أروقة النظام المصري بعد حديث أخت علاء، سناء سيف، في ندوة أقيمت على هامش مؤتمر المناخ الذي عقد في شرم الشيخ عام 2022. وأدلت سناء سيف بتصريحات خلال مؤتمر نظمته حملة العدالة المناخية "DCJ" بحديث عن وضع أخيها والمعتقلين السياسيين في مصر، ما أثار جدلاً شديداً خاصة مع مداخلة لأحد الشخصيات المحسوبة على النظام المصري والذي انتهى الأمر بطرده من القاعة.
ترحيب بريطاني
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قد وعد ببذل قصارى جهده من أجل إطلاق سراح علاء عبد الفتاح. وأعلن علاء نفسه الإضراب عن الطعام مرات عدة خلال احتجازه احتجاجاً على سجنه وتضامناً مع والدته، وكانت آخر مرة في أوائل سبتمبر/أيلول.
ورغم الحملات المحلية والدولية الكثيرة التي طالبت بالإفراج عنه، لم يكن هناك احتمال لحدوث ذلك إلا عندما أمر السيسي السلطات المعنية في وقت سابق من الشهر الجاري بدراسة العفو عنه. وكان اسم عبد الفتاح قد رفع من قائمة "الإرهاب" المصرية قبل أشهر.
وينتمي عبد الفتاح، الذي حصل على الجنسية البريطانية عن طريق والدته في 2021، إلى أسرة من النشطاء والمثقفين المعروفين، والذين أطلقوا حملات متعددة للمطالبة بإطلاق سراحه. والتقت والدته برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في وقت سابق من العام الجاري للضغط من أجل إطلاق سراحه.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر: "أرحب بشدة بنبأ حصول علاء عبد الفتاح على عفو رئاسي. أنا ممتنة للرئيس السيسي على هذا القرار. نتطلع إلى عودة علاء إلى بريطانيا ليلتقي بعائلته".
بدوره، رحب المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، الذي تموله الدولة، بالقرار قائلاً إنه "يمثل استجابة حقوقية متقدمة لمطالب المجتمع المدني، ورسالة أمل في إتاحة الفرص أمام الأفراد للعودة إلى المجتمع كمواطنين فاعلين".
ترحيب على مواقع التواصل الاجتماعي
في أعقاب صدور القرار، انتشرت تعليقات مرحبة بالإفراج عن علاء عبد الفتاح، معتبرة إياه مؤشراًَ طيباً ومحاولة جادة من الدولة لإغلاق ملف سبب انقساماً مجتمعياً شديداً وآلاماً لآلاف الأسر المصرية، وتوتراً سياسياً كبيراً في الداخل والخارج. وطالب مثقفون "بعدم إغلاق الباب الذي فتح بالإفراج عن علاء عبد الفتاح" قبل "تبييض السجون من كل سجناء الرأي والسياسة"، بحسب ما كتب الروائي وأستاذ الاجتماع السياسي عمار علي حسن.
الكاتب والروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد رحب أيضاً بالقرار، متمنياً أن يتم الإفراج عن باقي السجناء ممن لم يمارسوا أي أعمال عنف:
أما الحقوقي والناشط السياسي بهي الدين حسن فقال إن علا "مثل آلاف آخرين لم يرتكب جرماً يستحق عليه الاحتجاز يوماً واحداً، وليس هناك شيء في الدنيا يمكن أن يعوضه (وآخرين) عن يوم واحد من 10 سنوات قضاها في سجنه".
فيما طالب الدبلوماسي السابق السفير معصوم مرزوق برفع " كل ما يعوق سريان مجري الإئتلاف في نهر الوطن، قبل فوات الأوان"
"تهدئة للجبهة الداخلية"؟
ويرى خبراء وحقوقيون ومتابعون للشأن المصري أن الإفراج عن علاء عبد الفتاح يمكن اعتباره محاولة لتهدئة الوضع المجتمعي داخل مصر، خاصة وانه يأتي في سياق قرارات سبقته بالإفراج عن عدد من السجناء السياسيين، كما يأتي "تحسبًا لاضطرابات إقليمية، بات وقوعها محتملًا أكثر من أي وقت مضى"، بحسب ما جاء في بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقبل صدور قرار الإفراح عن علاء عبد الفتاح أصدر الرئيس المصري قراراً بإعادة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لبحث الاعتراضات على عدد من مواد مشروع القانون، وهو القانون الذي أثار لغطاً شديداً داخل مصر.
ويعد قانون الإجراءات الجنائية من أهم القوانين بعد الدستور، إذ أنه يتصل مباشرة بالحياة اليومية للمواطنين وينظم ويحدد كل أنواع الجرائم الجنائية بأشكالها المختلفة وكافة العقوبات المترتبة عليها. واعترضت جهات حقوقية عدة على القانون وقالت إنه يطلق يد الأجهزة الأمنية بشكل مخيف ويسقط الكثير من حقوق المتهمين.
ويربط سياسيون وحقوقيون بين الخطوات الأخيرة التي اتخذها الرئيس المصري وبين حالة التوتر التي تسود العلاقات مع إسرائيل، إذ تخشى الكثير من الدوائر السياسية أن تنفلت الأمور بين البلدين خاصة بعد التقارير التي أشارت إلى تحذير مصري شديد اللهجة تم توجيهه إلى إسرائيل إذا ما حاولت استهداف أي من قيادات حركة حماس على الأراضي المصرية وذلك في أعقاب الضربة الإسرائيلية لقطر.