يبدو أن النقاش حول إلزامية التلقيح في ألمانيا ليس وليد اللحظة وإنما يعود إلى القرن التاسع عشر. مؤرخ ألماني يكشف عدة جوانب تاريخية غير معروفة عن الموضوع، فيما تواصل ألمانيا يوميا تسجيل إصابات مرتفعة للغاية بفيروس كورونا.
إعلان
تعيش ألمانيا منذ نحو أسبوع على وقع ارتفاع قياسي في عدد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا، فقد وصل عدد الإصابات إلى نحو أو يتجاوز عتبة الـ 50 ألف في اليوم، ما يفرض ضغوطات كبيرة على المستشفيات، ويُهدد باتباع إجراءات صارمة لتفادي سيناريو خروج الأوضاع عن السيطرة.
وقال وزير الصحة الألماني ينس شبان في تصريحات خص بها صحيفة "راينيشه بوست" إن "الوضع في ولايات ساكسونيا وبافاريا وبادن فورتمبورغ وتورينغن خطير للغاية. يتعين علينا لأول مرة نقل المرضى على نطاق واسع داخل ألمانيا".
ويبدو أن معارضة التطعيم في ألمانيا والنقاشات الجارية حالياً هي نفسها التي كانت في القرن التاسع عشر، إذ قال المؤرخ الألماني مالته تيسين إن التطعيم هو أحد إنجازات القرن التاسع عشر، مُضيفاً في مقابلة خص بها القناة الألمانية الثانية "ZDF" أن معارضة التطعيم في ألمانيا لها تاريخ طويل وأنه دائماً ما كانت هناك مقاومة له.
وقال المؤرخ الألماني تيسين "إذا نظرت إلى الوراء قليلاً، فإنك ستحصل على لمحة عن اليوم"، وأردف: "في نهاية القرن التاسع عشر كان الناس يتجادلون حول ما نتعارك من أجله اليوم. الحقوق الأساسية، لمن ينتمي الجسد وأيضاً حول نظرية المؤامرة".
وتابع قائلاً "غرف صدى الإنترنت التي نأسف لها كثيراً كانت موجودة أيضاً في ذلك الوقت. في المظاهرات، في المجلات المناهضة للتلقيح، في الجمهور حيث يدافع المرء عن نفسه".
و غرف الصدى مصطلح يقصد به البيئة التي يلاقي فيها شخص ما فقط المعلومات والآراء التي تعزز آراءه، مما يمكن أن يجعل غرف الصدى تخلق معلومات مضللة، وتصعب من مهمة الشخص في التفكير، والأخذ بعين النظر وجهات النظر المعارضة، ومناقشة الموضوعات المعقدة، حسب ما أورده الموقع التعليمي " GCFLearnFree".
"جدل" التلقيح
ويرى المؤرخ مالته تيسين أنه سادت طويلاً حالة من الجدل بشأن الطريقة الأفضل للخروج من الأزمة، إلا أنه في نهاية القرن التاسع عشر ازداد الضغط الاجتماعي وتم إعلان فرض التطعيم الإجباري، مُضيفاً أنه يشكك في أن التطعيم الإجباري هو "الحل المثالي" رغم ما له من مزايا.
فالتطعيم الإلزامي يتسبب في مقاومة أكبر من المعارضين للقاح، كما أنه قد يؤدي إلى ازدهار تجارة شهادات التطعيم المزورة، حسب رأيه.
"موجة رابعة" من كورونا.. حقائق عن معركة ألمانيا مع الجائحة
موجة جديدة من كورونا في ألمانيا تدق ناقوس الخطر. مخاوف واسعة من عودة الإغلاق العام كحل أخير وارتفاع نسبة الوفيات والضغط على النظام الصحي، لكن مع ذلك تظهر ألمانيا أنها قد تعلمت بعض الدروس من الأشهر السابقة.
صورة من: Daniel Bockwoldt/dpa/picture alliance
أرقام قياسية للإصابات الجديدة
دخلت ألمانيا "الموجة الرابعة" من جائحة كورونا بأرقام قياسية، بلغت الخميس 11 نوفمبر/ تشرين الثاني حوالي 50.196 ألف إصابة و235 حالة وفاة. ولم تسجل ألمانيا على الإطلاق رقماً مماثلاً في الإصابات منذ بداية الجائحة، لكن أرقام الوفيات تظل نسبياً أقلّ مما سجل نهاية عام 2020، ما يؤكد الاستنتاجات بكون التطعيم لا يمنع من الإصابة بالفيروس، لكنه يخفض أرقام الإصابات الحرجة وبالتالي أرقام الوفيات.
صورة من: Rüdiger Wölk/imago images
موجة بدون صرامة المواجهة
ألمانيا لا تخطط هذه المرة لإجراءات صارمة كما فعلت ما بين نهاية 2020 وبداية 2021. فقد سمحت عدة مدن بإقامة احتفالات الكرنفال، كما لا توجد خطط لإغلاق عام ولا لتشديد القيود. وسبق لوزير الصحة ينس شبان أن أيد إنهاء إجراءات الوضع الوبائي الموحدة على الصعيد الفيدرالي نهاية نوفمبر 2021، ما يتيح رفع عدد من الإجراءات كارتداء الكمامات، لكن القرار قد لا يصادق عليه البرلمان بسبب ارتفاع الإصابات مجددا.
صورة من: Henning Kaiser/dpa/picture alliance
بين قاعدة 3G وقاعدة 2G
سمحت ألمانيا باستئناف الكثير من الخدمات كدخول المطاعم والمقاهي وصالونات الحلاقة وأماكن الترفيه المغلقة وفق قاعدة 3G التي تعني ضرورة التطعيم، أو إثبات عدم الإصابة بالفيروس عبر كشف سريع، أو التعافي من الفيروس بعد الإصابة به. وبدأت مكاتب وإدارات كذلك باعتمادها، لكن عدة ولايات بدأت تعتمد قاعدة 2G التي تستثني الكشف السريع لأجل مواجهة الموجة الرابعة، ما أثار جدلاً كبيرا بين رافضي التطعيم.
صورة من: Ying Tang/NurPhoto/picture alliance
مجانية الكشف السريع
أتاحت ألمانيا بشكل مجاني اختبارات الكشف السريعة عن الفيروس لكل السكان، وكان الطلب عليها شديدا عند إطلاقها بسبب عدم تقدم حملة التطعيم حينها، لكن مع مرور الوقت، قررت السلطات إلغاء مجانيتها لدفع عدم المطعمين إلى الإسراع بذلك. لم تنجح الفكرة كثيراً، وعادت الحكومة الاتحادية للتفكير في إعادة المجانية، خصوصًا أن معهد روبرت كوخ أوصى بهذه الاختبارات حتى للمطعمين في حالة حضورهم للفعاليات الكبرى كالاحتفالات.
صورة من: Sean Gallup/Getty Images
حملة التطعيم لم تبلغ أهدافها
أرادت الحكومة الألمانية بلوغ نسبة تطعيم تصل لـ 75 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان نهاية صيف 2021، غير أن الرقم لم يتجاوز إلى حدود شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 67,5 في المئة. نجحت ولايات في الاقتراب أو حتى تجاوز النسبة المستهدفة، خصوصا في شمال وغرب البلاد كبريمن (81.6 بالمئة)، لكن ولايات في الشرق لم تتجاوز حتى 60 بالمئة كسكسونيا (59.5 بالمئة)، ويعود ذلك لانتشار الحركات المنكرة لكورونا في هذه المناطق.
صورة من: Jens Schlueter/Getty Images
أوضاع المستشفيات تحت السيطرة
تفتخر ألمانيا بنظامها الصحي القادر على مواجهة الضغط، لكنها تعرّضت لاختبار قاسٍ خلال موجة كورونا الثانية بسبب الطلب الكبير على وحدات العناية المركزة الذي اقترب من 6 آلاف حالة في ديسمبر/ كانون الأول 2020. حاليا يبقى في الرقم ما بين 2000 و 3000 آلاف، وتخطط الحكومة الاتحادية لتوزيع الحالات الحرجة على مجموع التراب الألماني حتى لا يقع الضغط على ولاية لوحدها، خصوصا في الشرق.
صورة من: Waltraud Grubitzsch/dpa/picture alliance
جائحة في قلب الانتقال السياسي
الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال فقط في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة محتملة بقيادة أولاف شولتس. وُجهت انتقادات كبيرة لحكومة ميركل في التعامل مع الجائحة، خصوصا إثر بطء عملية التطعيم والتردد الكبير في اتخاذ القرارات والتراجع عنها. ويرغب شولتس بتجاوز هذه الأخطاء ووضع استراتيجية أقوى، لكن المشاورات المطولة لتشكيل الحكومة قد تؤثر على النقاش الخاص بكورونا.
صورة من: Kay Nietfeld/dpa/picture alliance
الجائحة غيرّت المشهد
أضحت الكمامات جزءا أساسيا من المشهد العام في البلد، كما اتخذت عدة مؤسسات إجراءات بتشجيع العمل من البيت أو تقليل نسبة حضور الموظفين في المكاتب. وأدت الجائحة إلى التفكير في تغيير نمط الحياة، خصوصا التباعد الاجتماعي مع التركيز على اللقاءات الافتراضية. كما أثرت الجائحة على النظام التعليمي بسبب اعتماد التعليم عن بعد وإغلاق المدارس في بعض الفترات، ما خلق مخاوف من تأثير ذلك على الأجيال الصاعدة.
صورة من: Sebastian Kahnert/dpa-Zentralbild/dpa/picture alliance
توقعات بتعافي الاقتصاد
تضررت قطاعات كثيرة من الجائحة وخسر ناس كثر أعمالهم وتراجع النمو الاقتصادي كما ارتفعت نسبة التضخم ومعدل إفلاس الشركات، لكن مع ذلك حافظت ألمانيا على ريادتها الاقتصادية في أوروبا، وأظهرت عدة مؤشرات إمكانية تعافي تدريجية للبلد. وتوقع معهد الاقتصاد الألماني أن يعود الوضع الاقتصادي إلى ما كان عليه قبل الأزمة، ابتداء من 2022، كما أن الوضع لم يصل في تدهوره إلى أزمة عام 2009 التي تم في النهاية تجاوزها.