1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إنتاج التمور العربية - ازدهار إلى مستوى الريادة

٣٠ أكتوبر ٢٠١٦

تتوارد المعطيات المخيفة عن تدهور المحاصيل الزراعية التقليدية والحيوية في الدول العربية، غير أن زراعة التمور تسير عكس التيار وتشهد ازدهارا نادرا في تاريخ هذه الدول. أين تقف هذه الزراعة اليوم وماذا يمكن التعلم من تجربتها؟

Symbolbild Deutschland Tunesien Geschenk Datteln FACEBOOK
صورة من: imago/imagebroker

سجل إنتاج التمورفي تونس هذا العام رقما قياسيا زاد على 242 ألف طن بزيادة تقارب الضعف خلال عشر سنوات. ويشكل الإنتاج من صنف "دقلة نور" الذي يعد من أجود أنواع التمور في العالم ثلاثة أرباع التمور التونسية الأمر الذي ساعد على إيجاد أسواق خارجية لتصريف الفائض. وبفضل النوعية الممتازة والتخزين السليم وسياسات الترويج والتسويق الناجحة والمدعومة بخيرات أجنبية أضحت تونس أول مصدر للتمور في العالم. فالتمور التونسية اليوم تصدر إلى أكثر من 80 دولة في مقدمتها المغرب وإسبانيا وإيطاليا. وبلغت قية صادرات هذه السنة أكثر من 190 مليون يورو، بينما تقدر الكمية المصدرة بحوالي 110 آلاف طن. أما القسم المتبقي من الإنتاج فيستهلك محليا.

التمور واستقرار المجتمع المحلي

التمور لا تنعش الاقتصاد الزراعي المحلي أيضا بل أيضا الأسواق والسياحة. صورة من: AFP/Getty Images

صحيح أن عائدات زراعة التمور في الحالة التونسية وغيرها كما في حالات إيران والعراق والجزائر لا تلعب دورا مهما في الناتج المحلي الإجمالي، غير أن هذه الزراعة تحتل مكانة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها في استقرار التجمعات السكانية المحلية وخاصة في الواحات والبوادي والمناطق التي تنمو فيها شجرة النخيل وتزدهر، لاسيما في حوض نهري دجلة والفرات. فهذه الشجرة لا تنتج التمور لتغذية السكان وتعزيز أمنهم الغذائي فقط، بل تنتج أيضا العلف للحيوانات. كما تنتج الأخشاب للطبخ والتدفئة وبناء سقوف البيوت. كما أن سعفها وخشبها يشكل مادة نادرة لصناعة منتجات حرفية منزلية وغير منزلية عديدة. وتستخدم التمور أيضا في صناعة عدة أنواع من الحلويات. وعليه فإنها زراعة كثيفة العمالة تدعم الاستقرار الريفي وتحد من الهجرة إلى المدن التي أضحت في غالبية الدول العربية متخمة بمهاجرين عاطلين عن العمل يعيشون في أحياء فقيرة وعشوائية تنقصها الخدمات الأساسية.

تطور يحبس الأنفاس

في العراق شكلت جذوع النخيل وسعفه على مدى عشرات القرون مادة البناء الأساسية في مناطق زراعته وحولها.صورة من: Jasim Al-Asady

وعلى غرار الحالة التونسية أو ما يشبهها تطور إنتاج التمور في الدول العربية باستثناء العراق بشكل يحبس الأنفاس خلال السنوات العشرين الماضية. وبهذا التطور أضحت ثماني دول عربية من بين الدول العشر الرئيسية المنتجة وهي مصر والسعودية وإيران والجزائر والإمارت والعراق وباكستان والسودان وعُمان وتونس. وتنتج هذه الدول أكثر من 90 بالمائة من إنتاج التمور في العالم. وتتقدمها مصر بإنتاج يزيد على 1.5 مليون طن. وتنتج السعودية حوالي 1.4 مليون طن بينما تنتج كل من الجزائر والعراق ما يزيد على 850 ألف طن سنويا. وجاء هذا التطور الكبير في الإنتاج لأسباب عديدة أبرزها برامج الدعم الحكومي التي ساعدت على تطوير أنواع جديدة أكثر مقاومة وأعلى إنتاجية وجودة وخاصة في كل من الجزائر والسعودية والإمارات والعراق. وشملت برامج الدعم الحكومي أيضا تقديم الاستشارة والرعاية دون مقابل إلى جانب قروض ميسرة بفوائد متدنية لتوفير مستلزمات الإنتاج. وساعد على انتشار الزراعة أيضا مكانة شجرة النخيل التي تصل إلى حد القدسية في المجتمعات العربية والإسلامية. فالتمور من الثمار الشهيرة التي اعتمد عليها العرب قديما في غذائهم اليومي. وهي جزء ن الطقوس الرمضانية حيث يتم تناولها يوم الصيام كونها سهلة الهضم ومولدة للطاقة  بشكل سريع. وتزيد أصنافها على 1400 نوع تعود في أصولها إلى حوضي دجلة والفرات. وتحتوي ثمرة التمر على الحديد والبوتاسيوم وكمية كبيرة من الفيتامنيات والكربوهيدرات، الأمر الذي يجعل منها فاكهة بطاقة عالية. ولا عجب إذا أن يطلق عليها "خبز الصحراء بالطعم الحلو ". 

التصنيع لا يواكب الإنتاج

التمور من الفواكه التي يمكن تجفيفها وحفظها لمواسم ما بعد الإنتاج. صورة من: Fotolia/photocrew

تمر زراعة التمور في الدول العربية بإحدى فترات ازدهارها إذا ما استثنينا العراق الذي كان المصدر الأول للتمور في العالم قبل حربي الخليج الأولى والثانية التي أدت إلى تدمر القسم الأكبر من هذه الثروة. غير أن تصنيع التمور وتسويقها إذا ما استثنينا الحالة التونسية لا يواكب تطور هذه الزراعة. فمعظم التمور المنتجة التي تفيض عن حاجة السوق في السعودية ومصر والعراق وغيرها لا تتم عملية كبسها وحفظها وتغليفها بطريقة تساعد على تصديرها أو عرضها في السوق المحلية خارج موسم الذروة في الإنتاج. ومن تبعات ذلك تلف قسم منها أو بيعها كأعلاف بأسعار بخسة كما هو حال التمور العراقية اليوم. وهو الأمر الذي ينعكس بدوره وبشكل سلبي للغاية على دخل ومستوى عيش عشرات آلاف العائلات التي تعتمد على هذه الزراعة بشكل أو بآخر. وتذهب بعض التقديرات إلى بضعة ملايين من سكان جنوب وشرق العراق ما يزالون يعتمدون بشكل أو بآخر على شجرة النخيل في حياتهم اليومية. وفي الجزائر تشكل الشجرة مصدر عيش لأكثر من 200 ألف عائلة. ويزيد عدد العائلات المصرية التي تعتمد عليها بأضعاف مضاعفة. ومن هنا تأتي أهمية الاقتباس من التجربة التونسية في مجالات حفظ الفائض وترويجه وتسويقه كمنتج استراتيجي محلي في الدول العربية التي لم تفلح حتى الآن في هذا المجال.

زراعة النخيل كمثال يحتذى

إن نظرة على تطور الإنتاج الزراعي عموما في الدول العربية تشير إلى تدهوره وخاصة على صعيد المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والرز والقطن والشوندر السكري وقصب السكر. ويدل على ذلك الزيادة المضطردة والمخيفة في واردات الدول العربية من هذه المحاصيل لتأمين مستلزمات الغذاء اليومي الأساسي للسكان الذين يتضاعف عددهم كل 20 سنة تقريبا. وإذا ما نظرنا إلى التجربة الرائدة في زراعة التمور، فإن بالإمكان اتخاذها نموذجا لإعادة إحياء الزراعات المذكورة وغيرها وعمليات تصنيعها لاسيما على الصعد المحلية. فمثل هذا التطوير لا يساعد فقط على استقرار المجتمعات المحلية، بل وأيضا على الحد من الهجرة الداخلية والخارجية وتقليص فاتورة استيراد المواد الغذائية. وهنا يبرز دور الدولة في توفير مستلزمات الإنتاج والصنيع من خلال الإعانات والقروض والاستثارة حتى تقف المشاريع الوليدة على قدميها وتصبح جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد المحلي الذي يعود مجددا إلى الانتعاش بعد الضربة القاسية التي لحقت بالعولمة والتجارة العالمية بسبب الأزمة المالية. ويعود انتعاش الاقتصاد المذكور بالدرجة الأولى إلى تزايد صعوبات التصدير إلى الأسواق الصناعية المشبعة بمختلف أنواع السلع من جهة ونتيجة لاعتماد غالبيتها على إجراءات أقسى لحماية سلعها الوطنية من المنافسة الأجنبية.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW