إهمال أم مؤامرة؟ غضب ألماني وعربي بعد انتحار البكر
سمر كرم
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
أثارت حادثة انتحار اللاجئ السوري جابر البكر داخل زنزانته غضباً شعبياً واسعاً في ألمانيا، وبينما انتقد الكثير من الألمان "الإهمال" من قبل المسؤولين، سارع كثير من العرب إلى تبني نظرية "المؤامرة".
إعلان
لم يقتنع كثير من الألمان بتصريحات المسؤولين، ورفض رئيس حكومة ولاية سكسونيا الألمانية شتانيزلاف تيليش الإدانات المسبقة الموجهة لولايته ومسؤوليتها فيما يتعلق بوفاة السوري المشتبه به جابر البكر في زنزانته بسجن مدينة لايبزيغ بالولاية. وبدا الغضب واضحاً في تعليقات الألمان على تويتر من أداء الحكومة، فتساءل كونستانتين فون نوتز، النائب البرلماني المنتمي لحزب الخضر عبر حسابه على تويتر ساخرا من تأكيد المسؤولين أن البكر "لم يكن لديه ميولاً انتحارية": "حسنا، هل يمكن من حيث المبدأ أن يكون لدى معتقل بتهمة محاولة القيام بعملية انتحارية ميولا انتحارية؟ سؤال حول الأسئلة في سكسونيا".
وفي نفس السياق، تعليقاً على إعلان هيئة السجون في مقاطعة ساكسونيا أن جابر البكر "لم يُبدِ أي مؤشرات تدل على أنه قد يقبل على الانتحار"، وبعد أن أوضح رئيس هيئة السجون رولف ياكوب في مؤتمر صحفي إن الطبيب النفسي الذي تحدث مع المشتبه به قال إنه كان "هادئاً ولم تصدر عنه أي مؤشرات على خطر الانتحار الوشيك"، كتب المراسل الصحفي ماتياس مايسنر يقول: "إن المعالجة النفسية هي المذنبة الوحيدة. ولا ذنب لإدارة السجن أو وزير العدل أو وزير الداخلية، ولا تيليش. كل شيء على ما يرام".
وانتقد الصحافي باتريك غينسينغ قلة التقدير من جانب الحكومة، مشيراً إلى أن لديه انطباعاً بأن المسؤولين في ساكسونيا لم يدركوا بعد "أي مسجون كان لديهم".
وهو نفس ما انتقده نائب رئيس حكومة ولاية سكسونيا مارتين دولتيغ، الذي يرى أن وزارة العدل في ولايته تتحمل مسؤولية مشتركة في انتحار السوري المشتبه به جابر البكر في زنزانته قائلاً: "يبدو أن هناك سلسلة من التقديرات الخاطئة بشأن أهمية السجين وحالته أيضاً". وقال Tills Standpunkt ساخراً: "كان عليهم تسليم مهمة حراسة البكر للاجئين سوريين".
من جانبه، طالب رئيس نقابة الشرطة الألمانية راينر فينت بتوضيح عاجل وتام لملابسات وفاة الشاب السوري، وأشار في تصريحات لموقع فوكوس أونلاين الإخباري إلى أن حادثة الانتحار تمنح أصحاب نظرية المؤامرة غذاء جديداً وتعد انتكاسة مريرة لثقة المواطنين في الدولة. وأضاف: "إنه ليس شيئا يسيرا على الإطلاق أن ينتحر المرء، إذا تم تجريده مثلا من جميع الأشياء التي يمكن استخدامها في هذا الغرض".
أما الصحافية يوليا شتاين، فقد تساءلت قائلة: "ياله من مسلسل فاشل! لو كان محض خيال لما كان من الممكن تصديقه".
واتفق الكثير من العرب مع هذا الرأي رافضين تصديق قصة الشاب السوري، وتبنى كثير منهم نظرية المؤامرة، فذكر مؤنس البخاري، الفنان السوري المقيم في ألمانيا، ومؤسس "البيت السوري" عبر صفحته على الفيسبوك: "رواية انتحار الإرهابي جابر البكر في زنزانته لا تقنعني... خاصة وهو في سجن مراقب وموضوع شخصياً تحت المراقبة بسبب إضرابه عن الطعام. ألم يكن مراقباً بالكاميرات؟ أليس السجن تحت الحراسة الداخلية". وطالب Sakhr Al-Khlil الحكومة الألمانية عبر تعليق على الفيسبوك "ببث فيديو من أحد كاميرات المراقبة المتواجدة بالسجن لتطفئ نار الشك"، معتبراً أن المستهدف بهذه العملية ليس فقط الشعب الألماني ولكن "الإسلام واللاجئين" مشيراً بأصابع الشك للاستخبارات الخارجية وأضاف: "من ناحية داعش والأسد والمرتزقة والنازيين في أوروبا... نريد إثبات أنها ليست فبركة لإخفاء شيء أعظم". أما Alqaisi Alqaisi، فاعتبر الشاب "بريئاً" ووضح رأيه قائلاً: "لوكان فعلاً إرهابياً لكنتم حصلتم منه على معلومات، لكن لأنه بريء تمت تصفيته".
أما براء العتيق فاعتبر في تعليقه على تويتر أنها ستظل "نقطة سوداء في ملفات مكافحة الإرهاب".
وبدت المناقشات قوية عبر صفحات الفيسبوك، فبينما تبنت الأغلبية من المعلقين نظرية المؤامرة، جاءت الكثير من الأصوات من عرب مقيمين في ألمانيا وأوروبا ليؤكدوا أن الأمور تسير بشكل مختلف تحت دولة القانون فقال Nebras Altayar معلقا: "يا رجل هي دولة قانون ولا تصير الأشياء بهذه الطريقة، فلسنا في سوريا" كما علق كيلتسه محمد أمين قائلاً: "كفانا نظر بسطحية وبشكل ساخر للأمور والمرجو هو النظر بجدية قليلاً نحو الموضوع، فالمعروف عن الداعشي أن حياته رخيصة بالنسبة إليه وربما يكون هذا الشخص على علم بمعلومات خطيرة وقد تعرض للضغط وقبل انتزاعها منه انتحر كي يبقى الأمر مجهولاً. هذا هو التفسير العقلاني الوحيد.. نسأل الله العافية والسلامة لنا وللأحبة الألمان". وعلقت مي نادر على تويتر قائلة: "تركت وطنك طلبا للجوء في ألمانيا، وبدلاً من الامتنان لهم، خططت لتفجير مطار الدولة الآمنة".
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!