قد تؤدي الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية إلى أضرار بيئية طويلة الأمد. وقد أجبرت آثار الحرب الأخيرة بالفعل ملايين الأشخاص على الانتقال إلى أماكن أخرى.
منشأة نووية ومواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في أصفهان بعد الهجوم الإسرائيلي في 21 يونيوصورة من: IDF/GPO/SIPA/picture alliance
إعلان
لا يُعرف حتى الآن عدد الصواريخ والقنابل التي أُطلقت على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية خلال اثني عشر يوما من الحرب. وحسب التقارير فإن 14 قنبلة خارقة للتحصينات تزن كل منها 13600 كيلوغراما و30 صاروخا من طراز توماهوك كروز ضربت المنشآت النووية في فوردو وأصفهان ونطنز الأحد (22 يونيو/ حزيران 2025).
وحسب غوخار موخاتزانوفا من مركز فيينا لنزع السلاح وعدم الانتشار النووي فإن المدى الفعلي للأضرار لا يزال غير واضح.
وأوضحت في مقابلة مع DW في 23 يونيو/ حزيران 2025 أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتمكن بعد من التحقق بشكل كامل من آثار الهجمات، خاصة على محطة التخصيب تحت الأرض في فوردو. "نحن نتعرف على بعض الأضرار من خلال صور الأقمار الصناعية، لكن المدى الفعلي والتكاليف غير معروفة لنا".
وتفترض الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود تلوث إشعاعي وكيميائي في عدة مواقع. ومن المحتمل أن تكون آلاف أجهزة الطرد المركزي في المنشأة الموجودة تحت الأرض قد تضررت بسبب انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ. وتعمل أجهزة الطرد المركزي بسادس فلوريد اليورانيوم عالي التفاعل (UF6).
وعلى الرغم من أنه لم يتم قياس أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج المحطات حتى الآن، إلا أن التسرب المحتمل لهذه المواد ينطوي على مخاطر صحية وبيئية كبيرة. ولا يستطيع مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليا الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية المتضررة.
قد تكون آلاف أجهزة الطرد المركزي قد تضررت بسبب انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ (صورة من الأرشيف)صورة من: SalamPix/abaca/picture alliance
التلوث الكيميائي والمخاطر البيئية على المدى الطويل
"هناك الكثير مما لا نعرفه، وهذه هي المشكلة الأكبر"، كما يعترف الخبير البيئي روزبه إسكندري في مقابلة مع DW. إسكندري الذي يعيش في كندا هو أحد الخبراء المستقلين الذين يبحثون في التلوث البيئي في إيران منذ سنوات. "يدعي المسؤولون في إيران دائما أن كل شيء تحت السيطرة. ولكن الآن لا تكاد توجد أي معلومات عن المخاطر البيئية المحتملة، ولا حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المجاورة للأهداف مباشرة".
ويشير إسكندري أيضا إلى الانفجار الخطير الذي وقع في نهاية أبريل/ نيسان في ميناء بندر عباس في جنوب إيران. وقد أدى الدخان الناجم عن احتراق مواد كيميائية إلى انبعاث كميات كبيرة من السخام وأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت وغيرها من الملوثات، مما أدى إلى تدهور جودة الهواء في المناطق المحيطة بشكل كبير لعدة أيام. كما شوهدت سحب مماثلة من الدخان في مقاطع الفيديو التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بعد الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على بعض المنشآت الصاروخية في إيران.
"هذه الملوثات تلوث التربة. إن تلوث التربة في النزاعات العسكرية هو أحد أسوأ العواقب البيئية للحرب، ولكن غالبا ما يتم تجاهلها". وغالبا ما تبقى الملوثات في الطبقة العليا من التربة لعقود من الزمن وتضعف جودة التربة وهو ما يتجلى بشكل خاص في فقدان الخصوبة والقدرة على التجدد بشكل طبيعي.
إعلان
ذكريات الحرب الإيرانية العراقية
في إيران هذه العواقب طويلة الأمد معروفة بالفعل من حرب الثماني سنوات مع العراق (1980-1988). وكانت محافظات خوزستان وإيلام وكرمانشاه في غرب وجنوب غرب البلاد على الحدود مع العراق الأكثر تضررا في ذلك الوقت.
وتعرضت خوزستان بما فيها من مصافي نفط ومنشآت صناعية مهمة لقصف شديد. وأدى استخدام الآليات العسكرية الثقيلة إلى إطلاق معادن ثقيلة ومخلفات سامة. وأصبحت العديد من الحقول التي كانت خصبة في السابق غير صالحة للزراعة. كما أظهرت الدراسات التي أجرتها الجامعات المحلية زيادة معدل الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والمشاكل الجلدية.
مصفاة للنفط في ضواحي العاصمة طهران بعد هجوم إسرائيلي في 15 يونيوصورة من: Ahmad Hatefi/newscom/picture alliance
وكان للتدمير البيئي إلى جانب سوء الإدارة المزمن للنظام السياسي وتزايد التغير المناخي مثل موجات الحر المتزايدة التواتر عواقب اجتماعية مباشرة لا يزال تأثيرها مستمرا حتى اليوم.
فحسب أحدث الإحصاءات الحكومية المتاحة فإن محافظة خوزستان على سبيل المثال لديها أعلى معدل هجرة بين جميع المحافظات الإيرانية خلال العشرين عاما الماضية. وفي هذه المنطقة التي تضم مدنا مثل شوش وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم والتي كانت ذات يوم عاصمة إمبراطورية عيلام القديمة (من الألفية الرابعة إلى الألفية الأولى قبل الميلاد) أو شوشتر بنظام الري القديم المتطور والتي أدرجتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي منذ عام 2009 يتناقص عدد السكان منذ سنوات.
الضربة الإسرائيلية.. محطة كبرى في التصعيد بين إسرائيل وإيران حول الملف النووي
تطورت لعبة القط والفأر حول البرنامج النووي الإيراني، حيث قررت إسرائيل اليوم التدخل لوقف تطوره. منذ نهاية خمسينات القرن الماضي انطلق، ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب بين الغرب وطهران.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
ضربات إسرائيلية في قلب إيران لوقف تطور برنامجها النووي
يثير البرنامج النووي الإيراني منذ عقود قلقاً كبيراً لدى عدد من الدول الغربية ودول المنطقة، وعلى رأس هذه الدول إسرائيل، التي استهدفت مؤخراً عدة منشآت نووية إيرانية للحد من النمو المتسارع للبرنامج الإيراني، ومنع طهران من حيازة سلاح نووي رغم نفي الأخيرة طوال عقود أن يكون هذا هو هدفها، وتأكيدها المستمر أن أغراض برنامجها سلمية.
صورة من: Don Emmert/AFP/Getty Images
استهداف منشآت لتخصيب اليورانيوم وتصفية القادة
الضربة الإسرائيلية شملت منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، كما تم تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من كبار القادة العسكريين أدت لمقتل قائد أركان القوات المسلحة محمد باقري، فضلا عن قائد الحرس الثوري حسين سلامي والقيادي البارز في الحرس غلام علي رشيد، كما قتل ستة من العلماء الإيرانيين، بينهم محمد مهدي طهرانجي وفريدون عباسي.
صورة من: Atomic Energy Organization of Iran/AP/picture alliance
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة