في خضم الأزمات المتعددة التي ترزح تحتها إيران، يتصاعد الضغط أكثر على الاقتصاديين وعلماء الاجتماع، الذين يوجهون سهم نقدهم صوب النظام، الذي يرفض أي اعتراف بالعيوب الهيكلية في بنيتها وسياساتها.
قيادة جمهورية إيران الإسلامية لا تتسامح مع أي نقدصورة من: Fatemeh Bahrami/Anadolu/picture alliance
إعلان
استهدفت الأجهزة الأمنية الإيرانية خلال الأسابيع الأخيرة مجموعة من الخبراء الاقتصاديين وعلماء الاجتماع الناقدين البارزين في إيران. وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر قال محمد مالجو، الذي يعد من أبرز الخبراء الاقتصاديين في إيران، في منشور قصير نشره على وسائل التواصل الاجتماعي إنَّ جهات أمنية حققت معه وضايقته لمدة ثلاث ساعات داخل شقته في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وأضاف أنَّهم صادروا جميع أجهزته الرقمية وبعض كتبه.
وهذا الخبير الاقتصادي، الذي يُدرّس في جامعات إيرانية مختلفة ويعمل باحثاً زائراً في معاهد أوروبية في أمستردام ولندن، معروف بدراساته الناقدة لتاريخ إيران الاقتصادي، خاصة في الفترة بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
وكذلك "غالبية الخبراء الاقتصاديين الذين تم استجوابهم يتبنون وجهة نظر يسارية"، كما يقول عالم الاجتماع الدكتور مهرداد درويش پور، وهو أستاذ في جامعة مالاردالين في السويد، وتتركز أبحاثه على التغيرات السياسية في إيران. ويضيف أنَّ "هؤلاء الخبراء والباحثين ذوي التوجهات اليسارية يعتقدون - بعكس ادعاءات أصحاب السلطة - أنَّ الوضع الاقتصادي البائس حالياً والأزمات المتعددة لا تعتبر نتيجة العقوبات والضغوطات الخارجية فقط، بل هي أيضاً نتيجة الشبكات الأوليغارشية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجهاز السلطة وتنهب موارد إيران".
يعاني الشعب الإيراني من آثار الأزمة الاقتصادية منذ فترة طويلةصورة من: Faradeed
أزمات متعددة الجوانب غير محلولة
إيران عالقة في أزمة متعددة الأبعاد؛ إذ إنَّ النزاع المحتدم حول برنامجها النووي بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وجفاف غير مسبوق ومستمر للسنة السادسة على التوالي، وكذلك المواجهة المستمرة بين السلطات والمؤسسات الحكومية وبين النساء اللواتي يرفضن قبول المعايير الدينية وقيود جهاز السلطة، كل هذا يزيد الوضع سوءاً بشكل كبير.
إعلان
ويقول عالم الاجتماع مهرداد درويش پور إنَّ "الحكام المستبدين المتشددين يخشون من قيام موجة أخرى من الاحتجاجات، حتى لو ظلت سلمية". ويضيف: "بعد انتفاضة النساء التي رفعت شعار 'المرأة، الحياة، الحرية‘ وحرب الأيام الاثني عشر الأخيرة، تحاول الجمهورية الإسلامية استعادة سلطتها، وقد بدأت في قمع النقاد والمثقفين".
وفي إيران هناك انتقادات كثيرة: التحقيقات واعتقالات خبراء اقتصاديين وعلماء اجتماع ناقدين، من بينهم امرأتان هما شيرين كريمي ومهسا أسد الله نجاد، "تثير قلقًا عميقًا في الوسط الأكاديمي والمجتمع الإيراني"، كما قال علي محمد حضري، عضو رابطة أساتذة الجامعات، لوكالة أنباء إيلنا الإيرانية.
وقبل ذلك أعربت جمعية علم الاجتماع الإيرانية عن "قلقها العميق إزاء الضغوط والاعتقالات غير القانونية" للعديد من علماء الاجتماع.
وكذلك أدانت الجمعية الإسلامية لطلبة كلية العلوم الاجتماعية بجامعة طهران في بيان "اعتقال واستدعاء الباحثين المستقلين"، وكتبت: "في وقت تنوء فيه البلاد تحت وطأة أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متتالية، ومؤسسات السلطة إما عاجزة أو غير مستعدة للاعتراف بعجزها، لجأ النظام إلى أداة القمع البالية بدلًا من تحمّل المسؤولية أمام الشعب".
عجز الأيديولوجيين
وكتب عالم الفقه المفكر الإيراني حسن يوسفي أشكوري رداً على استفسار من DW أنَّ "مؤسسات جمهورية إيران الإسلامية ومسؤوليها الرسميين وغير الرسميين عالقون في أزمات عميقة، تسببوا في صنع بعضها بأنفسهم، لدرجة أنَّهم على ما يبدو غير قادرين على حل المشكلات بأنفسهم أو قبول طرق الحل المقدّمة من خبراء مستقلين".
وحسن أشكوري هو رجل دين شيعي يحمل اللقب الديني رفيع المستوى "حجة الإسلام" وقد حكمت عليه في عام 2000 "محكمة خاصة برجال الدين" بالإعدام في محاكمة سرية بسبب مواقفه الناقدة تجاه رجال الدين في إيران. وبعد عام تم إلغاء هذا الحكم من قبل محكمة الاستئناف. وفي عام 2005 أُطلق سراحه من السجن؛ ثم غادر إيران ويعيش منذ ذلك الحين في منفاه في ألمانيا.
وكتب لـDW أنَّ الاعتراف بالأخطاء وطلب المشورة من خبراء مؤهلين أمر يتطلب تغييراً جذرياً في شكل الحكم في جمهورية إيران الإسلامية. وأضاف أنَّ "مثل هذا التحول سيكون بمثابة تدمير للهياكل القائمة ويتطلب شجاعة وبسالة وبعض القرب من المواطنين".
ولكن حتى الآن لم يحدث، بحسب تعبير حسن أشكوري، أي تغيير: "بل إنَّ جميع الإجراءات التي اتخذها المسؤولون الحكوميون تشير إلى أنَّ السياسات التقييدية والقمعية ستستمر. وتؤكد هذا التطور الاعتقالات التي جرت في الأيام الأخيرة وشملت بشكل واسع نسبياً مثقفين ومفكرين يساريين".
أعده للعربية: رائد الباش
إيران - الأناقة الناعمة تتحدى الحجاب
فُرض الحجاب في إيران ليكون زياً إسلامياً للنساء يصادر حريتهن في ارتداء ما يرغبن فيه، لكنّ هذا الزي المفروض قسراً اتخذ بمرور الزمان هوية جديدة، ولم يفلح في تحويلهن الى صنف بشري موحد المظهر أسوة بالعسكر مثلاً.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Noroozi
تحجيب النساء أول قوانين "الثورة الإسلامية"
قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران لم يكن ارتداء الحجاب شائعاً، بل كنّ أغلب المحجبات يرتدين "تشادور"، والذي هو عبارة عن عباءة سوداء تغطيهن من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. لكن بعض طالبات الجامعة اخترن ارتداء ربطة الرأس. بعد قيام الثورة تغير الوضع فشاع الحجاب الإسلامي في إيران ومنها انتشر إلى العالم العربي والإسلامي.
صورة من: bornanews.com
الأناقة ظاهرة "طاغوتية"!
نهاية سبعينات ومطلع ثمانينات القرن العشرين إبان سنوات الحرب مع العراق، فرضت الأزمات الاقتصادية الخانقة صعوبات حياتية جمّة على الإيرانيين، ولم يعد أحد يفكر في الأناقة ومستلزماتها، وهكذا باتت الموضة ظاهرة كمالية يصفها الثوريون بأنّها "طاغوتية". آنذاك شاعت الجبة (مانتو) وربطة الرأس داكنة اللون وباتت إلزامية.
صورة من: picture-alliance/dpa/Abedi
نهاية الحرب أعادت ذائقة المجتمع العصرية
مع انتهاء الحرب أواخر ثمانينات القرن العشرين، تراجعت الأزمات الاقتصادية والسياسية، ما انعكس على ملابس الناس بشكل مباشر، لاسيما أن انتشار أجهزة عرض الفيديو وأشرطته أعاد الحياة إلى ذائقة المجتمع العصرية؛ فظهرت على الجبة ألوان تنوعت بين الخردلي والحشيشي والبنفسجي الداكن. لكن الأقمشة خشنة الملمس بقيت سائدة.
صورة من: picture-alliance/dpa
الجبة المزررة والسروال الفضفاض إجبارية!
خلال الثمانينات كانت الجبة فضفاضة طويلة تصل إلى مفصل القدم. أزياء النساء في تلك الفترة مقارنة بمرحلة التسعينات كانت أشبه بالمعاطف، وما لبثت أن زحفت على أكتفاها البطانات الضخمة. وكانت الجبب تزرر حتى نهايتها، بحيث لا يظهر سوى طرف سروال فضفاض من تحتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
من الجبة المعطفية الى الجبة الخفاشية
مطلع الثمانينات كانت ربطة الرأس قاتمة اللون، وتربط حافتها بإحكام تحت الحنك بحيث تغطي الرقبة، لكن انفتاح الاستيراد في مطلع التسعينات، أغرق الأسواق بسراويل الجينز القادمة من آسيا فبات شائعاً تحت الجبة التي تحول تصميمها إلى شكل "خفاشي" كما يصفنه الإيرانيات.
صورة من: picture-alliance/dpa/H. Fahimi
"المقنعة" ربطة رأس إجبارية منذ سن السادسة!
شاعت خلال الثمانينات والتسعينات "المقنعة" وهي ربطة رأس مخاطة مقفلة ترتديها المرأة كما تظهر الصورة. شاعت المقنعة في البداية في المدارس الابتدائية حيث ترتديها البنات منذ سن السادسة، ثم باتت إلزامية في المدارس وعلى العاملات في المصانع ودوائر ومؤسسات الدولة، واللواتي لم يلتزمن بها يجري نقلهن إلى أماكن نائية لإجبارهن على الاستقالة.
صورة من: picture-alliance/dpa
الجبة أقصر وأضيق وربطة الرأس زاهية الألوان
بحلول منتصف التسعينات تقاصرت جبب النساء لتصل مستوى الركبة وباتت ضيقة تظهر استدارات الجسد، كما تغيرت خاماتها إلى أقمشة رقيقة، وتغيرت موديلاتها فباتت تكشف عن مساحات أكبر من ملابس المرأة ولم تعد معطفاً محكم الغلق. واختفت الجبة الخفاشية بألوانها المعتمة. كانت قوات السباه تطارد النساء في المدن وتمنع التطور الجديد.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Taherkenareh
الشال طرد المقنعة وباتت الجبة معطفا قصيراً
منذ الألفية الثالثة باتت الجبب أقصر وأشد ضيقاً، وحلّ شال خفيف يلقى على الرأس بعفوية مقصودة محل ربطة الرأس والمقنعة. أكمام الجبة القصيرة اختلفت أيضا عن الجبة القديمة وكذلك ياقاتها فباتت أكثر انفتاحاً وتظهر جزءاً من عنق المرأة. وشاعت في طهران الجبب الكتانية ولم يعد للجبة الإسفنجية المعطفية وجود.
صورة من: picture-alliance/dpa/dpaweb/epa/A. Taherkenareh
جبة طويلة ضيقة بلا أزرار وربطة رأس رمزية
مع هذا الانفتاح بدأت الشرطة بالتشدد، وللالتفاف على إجراءاتهم التعسفية شاعت المعاطف الضيقة الطويلة الخالية من الأزرار التي مهما طالت تبقى كاشفة عن مساحة كبيرة من ملابس المرأة، وشاع تحتها ما يعرف ب "ليغنغ" أي السروال الملتصق بالجسد كما شاعت الأحذية الرياضية من الماركات الشهيرة. أما ربطات الراس فأضحت تكشف عن مقدمة ونهاية شعر المرأة بإصرارٍ شديدٍ رغم القيود.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Taherkenareh
وداعاً للجبة وللربطة وللسروال الفضفاض!
منذ العقد الثاني من الألفية الثانية شاعت موضة "سابورت" وبات زيا لكل البنات، أما سروايل الفيزيون اللحمية فباتت زي الطهرانيات الثابت، وأمست الجبة مجرد عباءة عصرية بألوان أنيقة مفتوحة من كل الجهات، فيما استقر الشال كغطاء نهائي للشعر. مع كل ذلك تعاظمت كمية الماكياج الذي يضعنه الإيرانيات حتى نهاراً.
صورة من: Khabarde.ir
الحجاب "الإسلامي" عنوان أنوثة المرأة وسحرها!
ببلوغ " الثورة الإسلامية" عقدها الرابع من العمر، لم يعد للحجاب المفروض على النساء أي شبه بالحجاب الذي فُرض في أعوام الثورة الأولى. بل أضحى زياً أنيقاً يميز المرأة الإيرانية عن غيرها ويكشف أكثر مما يخفي من أجسادهن وجمالهن. وبات إظهار الشعر الملون جزءاً من أناقة المرأة رغم ارتدائها الشال "الإسلامي".
صورة من: Instagram
حملة "الى حجاب أفضل" جعلت الحجاب زياً أنيقاً
منذ 2015 بدأت الإيرانيات بالظهور في الميادين الرياضية دون حجاب وبشعور مكشوفة خاصة على سفوح التزلج على الجليد لجبال البرز المطلة على مناطق شمال طهران. المرأة الإيرانية ترى أنها قد نجحت في خلق زي جديد أنيق يليق بها من خلال حملة سلمية صامتة جرت تحت شعار "إلى حجاب أفضل".DW / م.م