إيران تتضامن مع قطر.. ولكن بحذر!
١٨ يونيو ٢٠١٧علّق وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف على هامش منتدى "السلام في عهد جديد من الجغرافيا السياسية" في أوسلو، قائلا: "الوضع في منطقة الخليج يصعب التنبؤ بتطوراته. نحن لسنا بحاجة إلى اصطدام جديد". وفي مقابلة له مع القناة الإيرانية الناطقة بالإنجليزية "برس تي في" حذر ظريف من تزايد التوترات التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة، على حد تعبيره. وبالإضافة إلى ذلك فإن جميع وسائل الإعلام الإيرانية تواكب الأزمة الخليجية بحذر كبير. وهو ما قد يكون مؤشرا على خشية طهران من إمكانية وقوع حرب جديدة في الخليج الفارسي.
السبب: في وسط شهر رمضان وبشكل مفاجئ قامت عدة دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية الاسبوع الماضي بمقاطعة قطر واتخذت العديد من الإجراءات العقابية تجاهها. هذه الدول وعلى رأسها السعودية تتهم إمارة قطر بعدة تهم، من بينها دعم الجماعات الإرهابية. ولذلك، تم إغلاق الحدود البرية لشبه جزيرة قطر، كما توقفت الرحلات الجوية من الدول العربية الى العاصمة الدوحة. وهو ما يعني أيضا وقف وصول المزيد من السلع إلى البلاد عبر هذه الطريق إلى قطر، التي تعتمد بالكامل تقريبا على واردات الماء والغذاء.
وبعد فترة وجيزة من بداية المقاطعة الخليجية لقطر، قامت جمعية التجارة الإيرانية بعرض خدماتها لتغطية العجز. ومن جهتها أعلنت جمعية المصدرين للمنتجات الزراعية في طهران أنه: "لا مشكلة، يمكننا تزويد قطر بما تحتاجه خلال اثنتي عشرة ساعة". ولكن رغم كل هذه التصريحات لم تتحرك إيران بسرعة لإطعام جارتها القطرية على الضفة المقابلة. فقد استغرق الأمر حوالي أسبوع منذ بداية الأزمة قبل أن ترسل إيران خمس طائرات إلى قطر، محملة بتسعين طنا من المواد الغذائية الطازجة، خاصة الفواكه والخضروات.
وفي هذا الصدد يقول الخبير في الشؤون الإيرانية علي صدرزاده: "الوضع حساس للغاية ولهذا فإن الحكومة الاصلاحية في طهران تتصرف بحذر شديد"، مضيفا:" الدفعة الأولى من الأغذية التي سلمت لقطر لها بعد رمزي، لأن رفوف المحلات التجارية في قطر ، كانت قد امتلأت قبل ذلك بشكل ملحوظ بالمنتجات التركية."
إيران: نقطة انطلاق الأزمة؟
يبدو أن إيران ذات الغالبية الشيعية لا ترى من مصلحتها التدخل في النزاع بين العائلات المالكة السنية في الخليج الفارسي، خاصة وأن بعض الخبراء يرون أن التصريحات المنسوبة لأمير قطر حول العلاقات القطرية الإيرانية كانت نقطة انطلاق الأزمة.وتشير هذه التصريحات بأن الأمير تميم بن حمد آل ثاني قال بأن إيران "قوة إسلامية" و "العداء مع إيران لا معنى له". وهو أمر لن تقبل به المملكة العربية السعودية. ولكن وكالة الأنباء القطرية الرسمية نفت ذلك ، وشددت على أن موقعها تعرض لاختراق إلكتروني.
وقد عرضت عدة بلدان التوسط في النزاع بين إمارة قطر وجيرانها الخليجيين، بما فيهم حكومة طهران، التي عبرت عن دعمها للتوصل إلى حل دبلوماسي، وقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن رئيس الدبلوماسية ظريف يتواصل بشكل وثيق مع زملائه في تركيا وعمان والكويت، للتباحث حول الأزمة في قطر. ويبدو أنه يعرف سبب الغضب الكبير للمملكة العربية السعودية.
قد يكون صحيحا أن التصريحات الإيجابية التي أدلى بها أمير قطر تجاه إيران عارية من الصحة ولا وجود لها في الواقع – ولكن محادثته الهاتفية الودية مع الرئيس الايراني حسن روحاني موثقة، فالأمير قام بتهنئة الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني بعد إعادة انتخابه. وذلك مباشرة بعد تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب التي انتقد فيها إيران بشدة، خلال زيارته للرياض. وتهنئة قطر لجارتها جاءت بعد يوم واحد فقط من إعلان المملكة العربية السعودية دعم جبهة ضد النفوذ الايراني في المنطقة. وهوما يعني أن قطر لا تقف في صف واحد مع هذه الجبهة.
هذا وينقل عن أمير قطر أنه قد أكد في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني أن المشاكل الحالية لا يمكن حلها سوى من خلال المحادثات والمفاوضات. وهذا الموقف التصالحي قد يكن من بين الأسباب التي ساهمت في توتر العلاقات بين قطر والسعودية وأثرت عليها بشكل كبير.
فالعلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية متوترة منذ الثورة الاسلامية في إيران سنة 1979، فإيران تعتبر نفسها حامية للشيعة، والمملكة العربية السعودية حامية لأهل السنة. وهما تتنافسان على النفوذ في عدد من الدول العربية: ففي الأزمة السورية تدعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد، وأما العائلة المالكة في الرياض فتدعم المعارضة المسلحة. وفي اليمن، تقود المملكة العربية السعودية حربا ضد الحوثيين وتعتبرهم دمى في يد طهران.
حرب بالوكالة في سوريا
ولكن على الرغم من التقارب المزعوم ليس هناك ثقة بين قطر وإيران. فالدولتان يربطهما شريط حدودي بحري لمسافة 250 كيلومترا. وهنا تتقاسم الجارتان في منطقة الخليج حصة أكبر حقل للغاز تم اكتشافه في العالم: "بارس الجنوبي". وهو ما كان سببا للجدل: خاصة عندما كانت إيران تواجه عقوبات بسبب برنامجها النووي وكان عليها أن تخفف الإنتاج، ما جعل قطر تستفيد من حقل الغاز لوحدها، بشكل غير رسمي.
البلدان لديهما أيضا وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بنقل الطاقة: فقطر تريد خط أنابيب يمتد من حقول الإنتاج مرورا بالمملكة العربية السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا، ليصل الغاز إلى أوروبا. بالمقابل تحلم طهران منذ فترة طويلة بخط أنابيب يمر من إيران عبر العراق وسوريا وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وقبل خمس سنوات، توصلت إيران إلى اتفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد. ولكن حتى الآن لم يتم تنفيذ المشروع، الذي تقدر تكلفته بعشرة مليار دولار، في بلد مزقته الحرب.
وبالإضافة إلى ذلك، فلدى الجارتين مواقف مختلفة من الصراع السوري، وشأنها شأن المملكة العربية السعودية، تدعم قطر فصائل المعارضة السورية.
ولهذا فإن تدخل إيران في الأزمة القطرية الحالية قد يكون له نتائج عكسية. وهو ما يجعل الدوحة لا ترحب بشكل كبير بدعم طهران، حسب صادق زيبا كلام، الباحث في العلوم السياسية من جامعة طهران، حيث يقول: "في الأزمة الحالية، قطر لا تعتمد على إيران...خصوصا أن قطر لا تريد استفزاز المملكة العربية السعودية أكثر، وتحاول تجاوز هذه الأزمة بمساعدة تركيا وباكستان."
علاوة على ذلك فإن القيادة الإيرانية ستكون حذرة في تعاملها مع الأزمة القطرية لأسباب داخلية، حتى لا تترك المجال لصعود التيار المحافظ، ومنه الحرس الثوري الإيراني الذي قد يدخل في مواجهة مع المملكة العربية السعودية .
شبنم فون هاين/ أ.ب