إيران: كيف تعود أوروبا إلى المشاركة في حل النزاع النووي؟
٧ مايو ٢٠٢٥
بعد فترة طويلة من الجمود الدبلوماسي، استأنفت إيران والولايات المتحدة الأمريكية في نيسان/أبريل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. ولكن جرى تأجيل الاجتماع الرابع، الذي كان من المقرر عقده في يوم السبت (الثالث من مايو/أيار 2025). وعلى الرغم من ذلك ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تتوقع استئناف المحادثات في المستقبل القريب.
وفي الوقت نفسه تتجه الأنظار نحو أوروبا: وهناك أيضاً تم في الواقع إلغاء اجتماع كان مقرراً عقده بين إيران وكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا قبل وقت قصير من موعده. ولكن بحسب وكالة رويترز للأنباء يريد ممثلو إيران والدول الأوروبية الثلاث الاجتماع في روما يوم الجمعة (التاسع من أيار/مايو) من أجل التباحث حول البرنامج النووي الإيراني.
من المعروف أنَّ ما تعرف باسم الدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - وقعت بمشاركة روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية انسحبت في عهد الرئيس ترامب في أيار/مايو 2018 من هذا الاتفاق المعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".وآنذاك بررت إدارة ترامب أن واشنطن كانت تريد التوصل إلى ما اعتبرته اتفاقاً أفضل.
"إشراك كثير من الأطراف الفاعلة"
وعلى هذه الخلفية فقد تواصلت طهران مع أوروبا قبل تواصلها مع الولايات المتحدة الأمريكية. "المحادثات بين إيران والدول الأوروبية الثلاث بدأت نهاية العام الماضي، ولكنها توقفت مع بدء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ومن خلال ذلك تراجعت الدول الأوروبية الثلاث إلى الخلفية"، كما تقول أنيسة بصيري تبريزي، من الشركة الاستشارية كونترول ريسكس Control Risks، المتخصصة في تقييم المخاطر السياسية والأمنية والاستراتيجية. وتعيش تبريزي في أبو ظبي وتعتبر خبيرة في السياسة الخارجية الإيرانية.
وتقول تبريزي: "أعتقد أنَّ من مصلحة إيران الآن إعادة إشراك الدول الأوروبية الثلاث في المحادثات النووية، لأنَّ ذلك يمكن أن يعتبر مؤشراً على التقدم في المفاوضات. إيران تسعى الآن بعد اجتماعها مع الصين وروسيا إلى إجراء محادثات مع الدول الأوروبية الثلاث"، كما تقول تبريزي.
وقد أشار إلى ذلك وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في 24 نيسان/أبريل. فبعد زيارتيه إلى موسكو وبكين، أعلن أنَّه مستعد لزيارة باريس وبرلين ولندن. "من الواضح أنَّ طهران تريد إطلاع جميع الموقعين على خطة العمل الشاملة المشتركة على حالة المفاوضات"، كما تقول تبريزي حول هذا الإعلان: "وهذا يبيّن من وجهة نظري أنَّ إيران تريد إشراك أكبر عدد ممكن من الأطراف الفاعلة من أجل دعم المحادثات والتوصل إلى نتيجة ملموسة".
في مسار تصادمي مع الاتحاد الأوروبي
ووزير الخارجية عباس عراقجي مُقبل بذلك على مهمة صعبة من وجهة نظر طهران. وقد ذكر في تصريحه في 24 نيسان/أبريل أنَّ إيران راضية عن التعاون مع حليفتيها الصين وروسيا. ولكنه وصف العلاقات الإيرانية مع القوى الأوروبية الثلاث بأنَّها "ضعيفة حالياً".
"لقد دخلت إيران في معارضة جوهرية للمواقف الأوروبية المركزية، وذلك من خلال دعمها لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا وللحوثيين في هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر، ناهيك عن دعمها لحماس في الحرب ضد إسرائيل"، كما كتب الخبير السياسي كورنيليوس أديبار رداً على سؤال من DW. ويخشى أديبار من أنَّ "أعمال القمع المستمرة في الداخل، مع وضع حقوق الإنسان المزري - ليس فقط منذ قمع ثورة 'امرأة، حياة، حرية‘ بشكل دموي في عام 2022 - والزيادة الكبيرة في عمليات الإعدام بشكل خاص في مناطق الأقليات العرقية، تجعل التسويات السياسية صعبة للغاية".
وجواباً على سؤال عما تتوقع طهران من عقد اجتماع مع الدول الأوروبية الثلاث، ذكر الخبير السياسي أديبار ثلاثة أسباب استراتيجية. وقال إنَّ "إشراك الأوروبيين يحمي إيران من أن تكون وحيدة تحت رحمة تصرفات دونالد ترامب غير المتوقعة". وذلك - بحسب تعبيره - لأنَّ تأرجح السياسة الأميركية بين التهديدات والوعود بمزايا اقتصادية يُصعّب على طهران اتباع استراتيجية متماسكة خاصة بها.
وبالإضافة إلى أنَّ المشاركة الأوروبية تؤدي من وجهة النظر الإيرانية إلى زيادة فرصة ألا يبدو الاتفاق المحتمل استسلاماً أحادي الجانب لسياسة "الضغط الأقصى" الأمريكية. علماً بأنَّ مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالتخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم تعتبر في طهران خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
وثالثًا: تأمل إيران - بحسب أديبار - أنَّ سعي أوروبا المتزايد إلى الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يؤدي أيضاً على المدى المتوسط إلى اتخاذ أوروبا موقف أكثر استقلالية وتميزاً تجاه طهران.
بين الوساطة والتهديد
زد على ذلك أنَّ الدول الأوروبية الثلاث لها دور رئيسي في عملية التفاوض الحالية. فهي تملك الحق في تفعيل ما يعرف باسم آلية "سناب باك" Snapback داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران.
وهذا الخيار ينتهي في 18 تشرين الأول/أكتوبر. وفي هذا الصدد أكدت فرنسا نهاية نيسان/أبريل على أنَّها لن تتردد في اتخاذ هذه الخطوة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، كما أوضح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني أمام مجلس الأمن الدولي.
وبحسب أوساط دبلوماسية فإنَّ الدول الأوروبية الثلاث تخطط الآن لبدء عملية "سناب باك" (إعادة فرض) العقوبات ليس في حزيران/يونيو كما كان مخططاً في الأصل، بل بحلول آب/أغسطس على أبعد تقدير، إذا لم يتم التوصل حتى ذلك الحين إلى اتفاق جوهري. وفي حال تفعيل آلية "سناب باك"، فلا يمكن لأي شريك في الاتفاق الاعتراض عليها. ولكن يبقى من غير المؤكد إن كانت روسيا والصين ستدعمان العودة إلى العقوبات الكاملة.
وضمن هذا السياق يحذِّر المستشار السياسي كورنيليوس أديبار من أنَّ "إعادة فرض العقوبات الدولية رسمياً يمكن أن تسفر في النهاية فقط عن خسائر". وهذا يُهدد كما يقول بـ"نهاية مفاجئة لجميع الجهود الدبلوماسية مع إيران وانقسام في المنظمة العالمية - بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبعض الدول الغربية من جهة، والصين وروسيا وأجزاء كبيرة من دول جنوب العالم من جهة أخرى. وكثير من هذه الدول لن تقتنع بأنَّ فشل المفاوضات النووية تتحمل مسؤوليته طهران وحدها. وهذا سيكون ثمناً باهظاً للغاية، خاصة في وقتٍ تتم فيه إعادة تنظيم النظام الدولي".
أعده للعربية: رائد الباش