إيلون ماسك ـ انخراط أشهر ملياردير في صناعة السياسة
٣١ أكتوبر ٢٠٢٤أغنى رجل في العالم لا تكفيه إمبراطوريته التجارية: إذ إنَّ إيلون ماسك، الذي يملك بعض أشهر شركات التكنولوجيا في العالم - بما فيها شركة تصنيع السيارات تيسلا ومنصة التواصل الاجتماعي إكس (X) وشركة الفضاء "سبيس إكس" - بات يتدخل وبشكل متزايد في السياسة أيضًا.
فهو يدعم على نحو بارز في فترة التحضير للانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجرى في تشرين الثاني/نوفمبر، المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي وعده بأن يكون له في حال إعادة إنتخابه دور قيادي في إدارته القادمة. وإيلون ماسك، الذي يبلغ من العمر 53 عامًا، يستغل في الوقت نفسه مرارًا وتكرارًا نفوذ شركاته ليتدخل في النقاشات السياسية داخل بلدان أخرى - من البرازيل إلى ألمانيا.
ووضوح دوره السياسي منقطع النظير، ويسلط الضوء على الطريقة التي يمارس بها عدد قليل من أصحاب الشركات التكنولوجية الخاصة سلطة متزايدة على القرارات التي كانت محفوظة تقليديًا للحكومات. ولذلك يشعر خبراء الحقوق الرقمية بالقلق: "التقنيات التي يعمل بها ماسك حساسة للغاية. وشركاته مؤثرة بشكل لا يصدق وتعمل في مراكز حاسمة خاصة بالوصول إلى المعلومات والجغرافيا السياسية"، كما تقول مارييتجي شاكه؛ وهي زميلة في مركز السياسة السيبرانية بجامعة ستانفورد ومؤلفة كتاب "الانقلاب التكنولوجي - كيف ننقذ الديمقراطية من وادي السيليكون".
"وماسك لا يدير هذه الشركات فقط من أجل زيادة نجاحها إلى أقصى حد"، كما قالت مارييتجي شاكه، العضوة السابقة في البرلمان الأوروبي. وأضافت لـDW أنَّ ماسك "يستخدم هذه الشركات أيضًا كأدوات لمصلحته الخاصة".
من "معتدل" إلى متشدد
ومنذ تأسيس شركته الأولى في منتصف التسعينيات، قام رجل الأعمال ماسك المولود في جنوب إفريقيا، بتأسيس مجموعة من الشركات الناجحة وجمع ثروة تقدر بأكثر من 243 مليار دولار (224 مليار يورو). كما أنَّ موهبته في تحويل الشركات الناشئة إلى شركات تكنولوجية رائدة عالميًا، جعلته يسيطر على البنية التحتية الرقمية الرئيسية مما ساهم فى زيادة نفوذه السياسي.
وفي هذه الأثناء بات برنامج وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) يتعاون مع شركة ماسك الفضائية سبيس إكس (SpaceX) في إطلاق أقمارها الصناعية. وشركة ستارلينك (Starlink) التابعة لشركة سبيس إكس توفّر خدمة اتصالات الإنترنت واسعة النطاق حتى في أبعد أماكن العالم النائية. لقد أصبحت اتصالات ستارلينك وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للجيوش في مناطق النزاعات من أوكرانيا وحتى قطاع غزة.
اتصالات مفترضة بين ماسك وبوتين
تشير أبحاث صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إلى التأثير الجيوسياسي المرتبط بالسيطرة على هذه التقنيات. ومن المفترض بحسب الصحيفة أنَّ ماسك كان على اتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ نهاية عام 2022. وفي هذا الاتصال يفترض أنَّ بوتين قد طلب من ماسك طلبات من بينها عدم تفعيل نظام اتصالاته الفضائية ستارلينك في تايوان، وذلك من أجل القيام بمعروف للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تربطه اتصالات وثيقة بفلاديمير بوتين. ولم يرد ماسك حتى الآن على أبحاث صحيفة وول ستريت جورنال.
ومن خلال شرائه في عام 2022 منصة التواصل إكس X (تويتر سابقًا)، سيطر ماسك أيضًا على واحدة من منصات التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيرًا في عصرنا. وفي الوقت نفسه، أصبح رجل الأعمال ماسك، الذي كان يصف نفسه في السابق بأنَّه "معتدل"، يقف وبشكل متزايد إلى جانب المتشددين المحافظين. وبات يُبدي معارضته للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية والأفكار الليبرالية التي يعتبرها ضارة بالمجتمع.
قطيعة مع التقاليد السياسية المتعارف عليها؟
وفي فترة التحضير للانتخابات الرئاسية الأمريكية، بلغ دور إيلون ماسك السياسي مستوًى جديدًا. وبعد وقت قصير من محاولة اغتيال ترامب في منتصف شهر تموز/ يوليو، أعلن ماسك دعمه الصريح للحزب الجمهوري. وقد تبرع ماسك بين تموز/ يوليو ومنتصف تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2024 بنحو 119 مليون دولار (110 مليون يورو) إلى "لجنة عمل سياسي كبيرة" تدعم ترامب. ولجان العمل السياسي (PACs) في أمريكا هي مجموعات ضغط يمكنها جمع أموال غير محدودة لصالح "مرشحها".
وقد تصدَّر في الآونة الأخيرة إيلون ماسك عناوين الأخبار عندما عرض مكافآت مالية على الناخبين المسجلين في الولايات الأمريكية التي يتمتع فيها الجمهوريون وكذلك الديمقراطيون بفرصة للفوز في الانتخابات.
وكان المطلوب من الناخبين فقط التوقيع على عريضة. وسيتم كل يوم حتى موعد الانتخابات اختيار أحد الموقعين بالقرعة ومكافأته بمليون دولار. وبحسب وزارة العدل الأمريكية فإنَّ هذا العمل يمكن أن ينتهك القوانين الفيدرالية.
ومن المعروف أنَّ مثل هذا الدور السياسي الصريح غير مألوف بالنسبة لنخبة رجال الأعمال في أمريكا. وفي هذا الصدد تقول مارييتجي شاكه إنَّ "العلاقة بين ماسك وترامب تكشف عن مستوى من نفوذ يفضِّل معظم رجال الأعمال إبقائه بعيدًا عن الأنظار". وتضيف نظرًا إلى محاولات ماسك التدخل في النقاشات السياسية بالدول الأخرى: "يبدو أنَّ تصرفاته تظهر أنَّه يعتقد أنَّ بوسعه فعل ما يريد".
ماذا لو فاز ترامب؟
يتضح باستمرار وعلى نحو متزايد أنَّ جهود ماسك تهدف إيضًا على ما يبدو إلى الحصول على المزيد من التأثير والنفوذ في حال إعادة انتخاب ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر. وحول ذلك تقول مارييتجي شاكه: "من الممكن جدًا تصوُّر أنَّ ماسك يريد من ترامب التزامات سياسية خارجية محددة لصالح شركاته".
وقد أشار إلى ذلك في نهاية أيلول/سبتمبر المرشح لمنصب نائب ترامب "جي. دي. فانس" بقوله إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تعيد النظر في دعمها لحلف الناتو. وأضاف أنَّ هذا يمكن أن يحدث في حال فرض الاتحاد الأوروبي قيود شديدة ضد منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة على موقع "إكس" التابع لإيلون ماسك. والاتحاد الأوروبي يحقق حاليًا في مدى انتهاك موقع "إكس" القواعد الجديدة الخاصة بالمنصات الإلكترونية، مما قد يفضي إلى غرامات كبيرة.
وتحذِّر خبيرة القانون الرقمي مارييتجي شاكه من أنَّ تركيز السيطرة هذا على البنية التحتية الرقمية الحيوية يشكل خطرًا بالنسبة للديمقراطية. وتضيف أنَّ "ماسك لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، كم أنه يمكن أن تتغير مواقفه بين ليلة وضحاها. وإذا أقدم شخص ما يتحكم في أهم المنتجات والبنى التحتية على تغيير رأيه، تكون العواقب وخيمة".
أعده للعربية: رائد الباش