توصل الاتحاد الأوروبي مع الدول الأعضاء إلى اتفاق "تاريخي" على قانون جديد لمنع المحتوى الإلكتروني الضار، في أكبر إعادة تنظيم لقانون الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص خلال نحو 20 عاماً. فماذا يتضمن القانون الجديد؟
إعلان
اتفق مفاوضون من البرلمان الأوروبي والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على قوانين جديدة في وقت مبكر من اليوم السبت (23 نيسان/أبريل 2022)، تجبر شركات مثل فيسبوك وتويتر وغوغل وأمازون على تنظيم المحتوى الإلكتروني الضار بشكل أكبر، مثل خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، وإزالة المحتوى غير القانوني والتعاون مع السلطات.
واعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين أن هذه الاتفاقية تعد اتفاقية تاريخية، وكتبت على موقع تويتر: "قواعدنا الجديدة ستحمي المستخدمين على الإنترنت وتضمن حرية التعبير ووجود فرص للشركات"، وتابعت: "الشيء غير القانوني بعيداً عن الإنترنت، سيكون غير قانوني على الإنترنت.. هذه إشارة قوية للناس والشركات والدول في مختلف أنحاء العالم".
ويمثل قانون الخدمات الرقمية، الذي تم الاتفاق عليه بعد 16 ساعة من المفاوضات النهائية، أكبر إعادة تنظيم لقانون الاتحاد الأوروبي في هذا المجال خلال نحو 20 عاماً، إذ يُحدّث القانون المذكرة المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، الصادرة قبل عقدين من الزمن عندما كانت المنصات العملاقة لا تزال في بداياتها.
ويشكل القانون أحد قانونين تضمنتهما خطة رئيسية قدمتها في كانون الأول/ديسمبر 2020 المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة مارغريته فيستاغر ونظيرها لشؤون السوق الداخلية تييري بروتون. وكان الجزء الأول من الخطة، قانون الأسواق الرقمية الذي يتناول الممارسات المنافية للمنافسة، قد أُنجز في نهاية آذار/مارس.
ورحبت الحكومة الألمانية بالاتفاق. وقال وزير العدل الألماني ماركو بوشمان اليوم السبت:" أصبح الطريق ممهداً الآن أمام تطبيق تعليمات موحدة بالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت الأخرى في أوروبا". وأضاف الوزير، المنتمي للحزب الديمقراطي الحر، عن هذه التعليمات:" نحن بحاجة إليها لأن الإنترنت لا ينتهي عند الحدود الوطنية". ماذا يتضمن القانون؟
وغالبا ما تصدرت تجاوزات الشبكات الاجتماعية عناوين الأخبار. ومن الأمثلة على ذلك، قتل المدرّس سامويل باتي في فرنسا بعد حملة كراهية ضده في تشرين الأول/أكتوبر 2020، وهجوم متظاهرين على مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2021، في عملية خُطط لها جزئياً على فيسبوك وتويتر. ويتعلق الجانب المظلم للإنترنت أيضاً بمنصات البيع التي تجتاحها منتجات مزيفة أو غير مستوفية للمواصفات، والتي يمكن أن تكون خطيرة، مثل ألعاب الأطفال التي لا تفي بمعايير السلامة.
وتنص القواعد الجديدة على الالتزام "على وجه السرعة" بإزالة أي محتوى غير قانوني (بحسب القوانين الوطنية والأوروبية) بمجرد أن تأخذ المنصة علماً بوجوده على صفحاتها. كما تلزم الشبكات الاجتماعية علىتعليق حسابات المستخدمين الذين ينتهكون القانون "بشكل متكرر". وسيلزم قانون الخدمات الرقمية مواقع التجارة الإلكترونية على التحقق من هوية مورديها قبل عرض منتجاتهم. ويحظر القانون الواجهات المضللة التي تدفع مستخدمي الإنترنت نحو إعدادات حساب معينة أو خدمات مدفوعة معينة.
وفي صلب المشروع، فُرضت التزامات جديدة على "المنصات الكبيرة جداً"، أي التي تضم "أكثر من 45 مليون مستخدم نشط" في الاتحاد الأوروبي، وهي حوالى عشرين شركة لم تُحدَّد قائمتها لكنها ستشمل المجموعات الخمس الكبرى المعروفة بـ"غافام" (غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت) إضافة إلى تويتر وربما تيك توك وبوكينغ.
وسيتعين على هذه الجهات أن تقوّم بنفسها المخاطر المرتبطة باستعمال خدماتها ووضع الوسائل المناسبة لإزالة المحتوى الإشكالي. كما ستُفرض على هذه الشركات زيادة الشفافية بشأن بياناتها والخوارزميات المعتمدة لتقديم توصيات للمستخدمين. وستخضع هذه الجهات للتدقيق مرة سنوياً من جانب هيئات مستقلة كما ستوضع تحت إشراف المفوضية الأوروبية التي قد تفرض عليها غرامات تصل إلى 6% من مبيعاتها السنوية في حال تكرار الانتهاكات. ويحظر قانون الخدمات الرقمية خصوصا استخدام البيانات المتعلقة بالآراء السياسية لغرض الاستهداف الإعلاني. "الأول من نوعه عالمياً"
وهذا النص "هو الأول من نوعه في العالم على صعيد التنظيم الرقمي"، على ما أكد المجلس الأوروبي الذي يمثل الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي. وقال المجلس في بيان إن القوانين الجديدة "تكرس مبدأ أن ما هو غير قانوني خارج الإنترنت يجب أن يكون أيضاً كذلك على الإنترنت".
ودعت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون الاتحاد الأوروبي مساء الخميس إلى تبني هذا التشريع الجديد "لدعم الديمقراطية العالمية قبل فوات الأوان"، وقالت: "لقد عملت منصات التكنولوجيا لفترة طويلة جداً على تضخيم التضليل الإعلامي والتطرف من دون مساءلة".
وقال المجلس الأوروبي إنه في سياق الحرب في أوكرانيا وحملات التضليل التي تتكاثر خلالها، أضاف المشرعون "آلية استجابة للأزمات". وبتفعيل هذا التشريع الجديد بقرار من الهيئة، فإنه سيمكن من اتخاذ إجراءات "متناسبة وفعالة" ضد المنصات الكبرى التي تسهم في نشر أخبار كاذبة.
م.ع.ح/خ.س (د ب أ، أ ف ب)
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش