إدلب هي آخر معقل للمتمردين في سوريا حيث اتفقت تركيا وروسيا على إقامة منطقة منزوعة السلاح فيها. على ضوء ذلك يبدو أنه تم تجاوز الخطر المحدق بالسكان المدنيين، وهذا ما جلب بعض الارتياح في الأوساط السياسية بالعاصمة برلين.
إعلان
إنه انتصار دبلوماسي للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تمكن من إقناع الرئيس الروسي خلال زيارة قصيرة إلى سوتشي من إقامة منطقة منزوعة السلاح في ادلب معقل المتمردين حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول القادم 2018. وحسب الاتفاق يتوجب على جميع مقاتلي المعارضة مغادرة هذه المنطقة بعرض 15 حتى 20 كيلومترا، كما يتوجب عليهم تسليم أسلحتهم الثقيلة. ومن المتوقع أن يراقب جنود أتراك والشرطة العسكرية الروسية بصفة مشتركة المنطقة. ورجح عن وزير الدفاع الوسي بعد اللقاء أن الهجوم على إدلب الواقعة تحت سيطرة المتمردين غير وارد بعد الاتفاق.
في هذا السياق يوضح الياس صليبا أهمية وجود حل سلمي دائم في إدلب لاسيما بالنسبة إلى السكان المدنيين إذ يقول:" على الأٌقل، إن حياة مليوني ونصف من الناس الذين يعيشون في المنطقة أو فروا إليها خلال السنوات الأخيرة في خطر"، كما يقول خبير الشرق الأوسط من منظمة العفو الدولية في حديث مع دويتشه فيله ويضيف: "على أساس تطورات الحرب المعهودة نعرف أنه إثر الهجمات السابقة مثلما حصل في حلب أو الغوطة الشرقية تألم السكان المدنيون هناك تحت القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والغازات السامة".
مصالح تركية
ويأتي تدخل الرئيس اردوغان لدى الرئيس الروسي في إطار المصالح الاستراتيجية، فمن جهة تدعم أنقرة التي تعارض منذ بداية الحرب الرئيس بشار الأسد جزءا من المعارضة السورية. وإلى جانب الكارثة الإنسانية دفعت الحكومة التركية خطر تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أعلى المستويات الدبلوماسية. وهذا ما أوضحه مصطفى ينروغلو من حزب العدالة والتنمية قبل لقاء اردوغان وبوتين. فأكثر من 10.000 شخص كانوا سيُجبرون على الهرب، كما أعلن عضو قيادة حزب العدالة والتنمية مضيفا: " إدلب محافظة متاخمة للحدود مع تركيا، وهي آخر منطقة من مناطق خفض التوتر، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتحرك الناس منها نحو تركيا في حالة الحرب، وهو أمر كان سيجلب معه كوارث إضافية كبيرة".
وهناك دافع إضافي للتحرك الدبلوماسي التركي لم يكشف عنه ينروغلو هو أن الحكومة التركية تريد في كل الأحوال منع قيام منطقة كردية مستقلة على الحدود مع تركيا. وتخشى الحكومة في أنقرة أن يدعم الأكراد في سوريا الأقلية الكردية في تركيا. ومن أجل التوصل إلى إجماع حصل منذ بداية سبتمبر/ ايلول الجاري لقاء قمة بين تركيا وروسيا وإيران انتهى بدون نتائج.
تنفس الصعداء في برلين
ويبدو أن التفاهم حول إدلب جلب بعض الارتياح في برلين. فوزير الخارجية الألماني هايكو ماس أوضح بعد لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف نهاية الأسبوع الماضي عبر تويتر الموقف الألماني بجلاء.
والوزير الألماني لم يصدر عنه لحد الآن تصريح بشأن إحدى القضايا الملحة: هل يتوجب على ألمانيا المشاركة في عملية عسكرية في حال استخدام غازات سامة في سوريا؟ فحزبه الاشتراكي الديمقراطي رفض هذا بشكل قطعي. لكن نظيرته وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين ترفض استبعاد ضربة عسكرية ألمانية. وكان المبعوث الأمريكي لشؤون سوريا جيمس جيفري قد طلب ذلك الأسبوع المنصرم في محادثات مع الحكومة الألمانية. من قيّم قسم الدراسات والتقارير في البرلمان الألماني مشاركة ألمانية بأنها مخالفة للقانون الدولي. ومن خلال التفاهم الحاصل بين أردوغان وبوتين يبدو أن هذه المشكلة تبخرت في الهواء.
دانييل هاينريش/ م.أ.م
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين