اتهامات إيطالية.. هل فرنسا وراء "إفقار" أفريقيا فعلا؟
٣١ يناير ٢٠١٩
تصريحات نائب رئيس وزراء إيطاليا دي مايو التي انتقد فيها فرنسا محملا إياها مسؤولية هجرة الشباب الأفريقي إلى أوروبا، لاقت استحسانا من لدن شباب أفارقة على مواقع التواصل. فهل تقف فرنسا وراء "إفقار" إفريقيا، كما صرح دي مايو؟
إعلان
"وأخيرا جاء شخص ليعبر عن ذلك بصوت مرتفع". هكذا كانت ردة فعل قراء موقع DW على الانتقاد الجديد الموجه لسياسة فرنسا الإفريقية من قبل نائب رئيس وزراء إيطاليا لويجي دي مايو. "فرنسا هي ذبابة أخرى تمتص إفريقيا"، كتب صامويل من بنين على فيسبوك. وقارء آخر من الكاميرون كتب :" وأخيرا يوجد شخص يسمي المشكلة. هنيئا لك لويجي"
والمشكلة أثارها دي مايو، العضو القيادي في أقوى حزب إيطالي الذي أعلن أن فرنسا تتحمل مسؤولية رئيسية في موجات الهجرة من إفريقيا. " إذا وُجد أناس يهربون (من بلدانهم)، فهذا يعود لكون بعض البلدان الأوروبية ـ لاسيما فرنسا ـ لم تكف أبدا عن استعمار إفريقيا".
الوحدة النقدية في قفص الاتهام
وطالب السياسي الإيطالي بأن يعاقب الاتحاد الأوروبي فرنسا لأنها تدفع الأفارقة إلى الفقر. وكدليل على الاستعباد المتواصل يذكر حزبه العملة النقدية لأربعة عشر بلدا في غرب إفريقيا ووسطها من السنغال عبر تشاد إلى جمهورية الكونغو: والغالبية هي مستعمرات سابقة لفرنسا، وتستعمل الفرنك الإفريقي الذي بدأ مربوطا بالفرنك الفرنسي فترة من الزمن ليصبح فيما بعد مربوطا باليورو بتأطير من الخزينة الفرنسية.
والعملة النقدية تنقسم رسميا إلى منطقتين نقديتين مع بنكين مركزيين في دكار وياوندي، عاصمتي السنغال والكاميرون. والعملة النقدية مرتبطة بسعر صرف اليورو ويمكن بالتالي استبدالها. وهنا تقع بعض البلدان التي بها أضعف دخل في العالم. وفي المجموع يستخدم 150 مليون شخص الفرنك الإفريقي.
وبتصريحاته، أثار نائب رئيس الوزراء الإيطالي دي مايو، الذي يشغل في نفس الآن منصب وزير الاقتصاد والعمل، أزمة دبلوماسية مع الجارة فرنسا. وفي إفريقيا، ولاسيما في منطقة الفرنك الإفريقي، حصد في المقابل الكثير من الاحترام. وكتب لوي إليفو من الكونغو على فيسبوك إن "الإمبريالية الفرنسية تتسبب في خسارة كبيرة، لاسيما في بلدان ذات دخل متوسط مثل ساحل العاج".
أسباب الهجرة واللجوء
في الوقت الذي أثار فيه الوحدة النقدية كسبب للهجرة، تسبب دي مايو في بعض الارتباك، يقول خبير الاقتصاد السنغالي، ندونغو سامبا سيلا في حديثه مع DW. ويضيف الخبير السنغالي "لا يوجد ارتباط مباشر بين الفرنك الإفريقي وموجة الهجرة نحو أوروبا. لا ينحدر عدد كبير من المهاجرين من منطقة الفرنك الإفريقي". لكن في الوقت نفسه يؤكد سامبا سيلا أن "الفرنك الإفريقي يساهم في فقر البلدان الإفريقية". الخبير سيلا الذي يعمل لصالح مؤسسة روزا لوكسمبورغ في دكار قال بشأن صدام الفرنسي الإيطالي "إنه "خلاف أوروبي، إذ أن إيطاليا سئمت من التوجه المتعجرف للفرنسيين تجاه سياسة الهجرة وأرادت توجيه ضربة علنية لسمعة فرنسا".
وبحسب الإحصائيات، ينحدر عدد قليل فقط من المهاجرين الذين انتقلوا في 2018 عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا من أحد البلدان الواقعة في "منطقة الفرنك الإفريقي". وتفيد الأرقام أن غالبية المهاجرين جاءت من غينيا والمغرب، وكلاهما مستعمرتان فرنسيتان سابقتان لا ينتميان إلى الوحدة النقدية. فمالي وساحل العاج هما البلدان الوحيدان من هذه المنطقة التي ينطلق منهما عدد كبير من المهاجرين إلى أوروبا.
فرنسا تستفيد من إفريقيا
ويقول الخبير سيلا بأن فرنسا تستفيد إلى يومنا هذا من النظام النقدي للفرنك الإفريقي. وهذا النظام يعتمد على اتفاقيات تجارة تم التوقيع عليها مقابل استقلالية البلدان الإفريقية. وفرنسا تضمن لنفسها من خلال هذه الاتفاقيات القديمة منفذا تفضيليا لموارد المستعمرات السابقة. "منطقتنا النقدية تابعة لمنطقة اليورو. وهذا يعني أن بلدانا مثل النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى ـ من بين أفقر بلدان العالم ـ تملك نظاما ماليا يعكس ما يحصل في منطقة اليورو الغنية. إنه جنون تام".
فرنسا البلد المستعمر السابق يضمن لنفسه من خلال الشراكة سوقا لمنتجاته ومنفذا لمواد أولية رخيصة إضافة إلى التأثير السياسي والعسكري. وبالنسبة إلى الأفارقة تعني العملة النقدية أسعار فوائد مرتفعة، وبالتالي كميات كبيرة من الديون وعقبات تجارية ونمو اقتصادي ضعيف.
الفرنك وضعف النمو
إلا أن توبياس شتور من معهد الاقتصاد العالمي في كيل الألمانية لا يقبل حجة أن الفرنك الإفريقي مسؤول عن النمو الضعيف في تلك البلدان، بل إن الأسباب الرئيسية وراء انعدام التطور في تلك البلدان توجد أكثر "في التدبير الحكومي السيء والفساد"، كما يرى شتور. وارتباط العملة الإفريقية باليورو ييمنح بلدان إفريقيا الغربية في المقابل استقرارا عاليا في الأسعار:" التضخم ضعيف وهذا يضمن أجواء استثمار جيدة"، كما يقول شتور.
مارتينا شفيكوفسكي/ م.أ.م
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.