اجتماع موسكو والتقارب السعودي الإيراني.. نحو فك عزلة الأسد؟
٦ أبريل ٢٠٢٣
ناقش دبلوماسيون روس وأتراك وإيرانيون رفيعو المستوى في موسكو الوضع السياسي في سوريا بمشاركة ممثلين عن نظام الأسد. كيف خدمت الظروف بشار الأسد ليعود للساحة الدبلوماسية في الشرق الأوسط؟
إعلان
تباحث نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا في المستقبل السياسي لسوريا الثلاثاء الماضي (الرابع من نيسان/أبريل 2023) في موسكو. التفاصيل لم تعلن بعد. ولكن وكالة رويترز أفادت نقلاً عن مصادر روسية وسورية أن المحادثات قد يعقبها قريباً اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في موسكو أيضاً، مضيفة أن لقاء يجمع رؤساء سوريا وتركيا وإيران وروسيا قد يحدث على في موعد أبعد.
تريد روسيا من الاجتماع بصفتها الدولة المستضيفة البرهنة مرة أخرى على دورها في سوريا، كما تقول بينتي شيلر، الخبيرة السياسية بالشأن السوري ورئيسة قسم الشرق الأوسط في مؤسسة هاينريش بول الألمانية، المقربة من حزب الخضر.
تقول روسيا إنها ترمي من خلال الاجتماع إلى دعم محادثات جنيف للأمم المتحدة لإحلال السلام في البلاد. "في الواقع، تحاول موسكو خلق وقائع جديدة من خلال صيغ المحادثات خاصتها (مسار آستانة)". على عكس ما كان عليه الوضع في الماضي، وافقت موسكو على مشاركة ممثلين سوريين في المحادثات الأخيرة. تعلق شيلر: "تلك الترقية من شأنها أن تؤكد دولياً أن روسيا هي التي تقرر في نهاية المطاف ما يحدث في سوريا".
مصالح معقدة
جمع اللقاء دولاً تتقارب مصالحها فيما يتعلق بسوريا في بعض الأحيان وتتقاطع، ولكنها تختلف وتفترق في أحيان أخرى. علاقة سوريا مع تركيا هي الأصعب والأعقد. على الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يعارض من حيث المبدأ المحادثات مع تركيا، إلا أنه يربطها بشروط. وتشمل تلك الشروط قبل كل شيء انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، التي تسيطر على تلك المناطق إلى جانب المتمردين السنة المناهضين للأسد. كما أن لتركيا وجود عسكري في محافظة إدلب التي تخضع أجزاء منها لسيطرة التنظيم الجهادي "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً).
لتركيا - وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص - مصلحة أساسية في التوصل إلى اتفاق مع سوريا. على بعد أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية، التي يتعرض فيها لضغوط شديدة من المعارضة، جعل أردوغان من قضية اللاجئين السوريين في بلاده أحد أركان حملته الانتخابية.
تقول ريغين شفاب، الخبيرة في الشؤون السورية في "مؤسسة هيسيان لأبحاث السلام والنزاع" (HSFK): "يريد (أردوغان) أن يُظهر (للناخب التركي) أنه يحاول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. كما يحاول أردوغان تطويق النفوذ الكردي في سوريا والحكم الذاتي الكردي هناك".
من المرجح أن تحاول إيران، التي يتعرض نظامها لضغوط داخلية كبيرة بفعل الاحتجاجات، توسيع وجودها في سوريا وتكريس ذلك الوجود وتثبيته. مؤخرا، اتفقت طهران والرياض على استئناف العلاقات الدبلوماسية . يمكن أن تؤدي تلك الخطوة إلى تخفيف التوتر بين القوتين المتنافستين اللتين كانتا تخوضان حرباً بالوكالة في عدة دول في المنطقة، على سبيل المثال في اليمن وسوريا. تعلق ريغين شفاب: "تخفيف الضغط قد يدفع إيران إلى التركيز أكثر على وجودها في سوريا وعلى الصراع العسكري مع الولايات المتحدة وإسرائيل".
تقارب على حساب إسرائيل؟
يتمركز اليوم مئات من جنود الولايات المتحدة في سوريا، ومهمتهم بشكل أساسي مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلنت واشنطن أن جنودها في سوريا قتلوا عضواً بارزاً في تنظيم "الدولة الإسلامية". وحسب ما أعلنت الولايات المتحدة فإن الرجل مسؤول عن التخطيط لهجمات في أوروبا. وفي الوقت نفسه، ألقت الحكومة الأمريكية باللوم على الجماعات المدعومة من إيران في عدة هجمات على الجنود الأمريكيين في سوريا، على سبيل المثال الهجوم بطائرة بدون طيار على قاعدة في الحسكة في 23 آذار/مارس. ووفق تقارير إعلامية، فقد قتل في الهجوم وجرح خمسة جنود أمريكيين.
وتخوض إيران كذلك صراعاً مع إسرائيل في سوريا، التي ترى مصالحها الأمنية مهددة بوجود قوات إيرانية أو قوات مرتبطة بإيران فوق التراب السوري. وتتهم الحكومة السورية إسرائيل منذ سنوات بتوجيه ضربات عسكرية لتلك المواقع - كان آخرها يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع على أهداف بالقرب من دمشق، ولا تعترف إسرائيل بذلك صراحة. تقول ريغين شفاب: "الصراع بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى يمكن أن يتصاعد".
يزيد هذا الصراع من عزلة إسرائيل. لسنوات، كانت الدولة العبرية تسعى إلى تحقيق تقارب مع بعض الدول العربية. وتُوجت هذه المساعي السياسية بتوقيع ما يسمى باتفاقات أبرهام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في عام 2020. لم توقع المملكة العربية السعودية على تلك الاتفاقيات، لكنها متعاطفة معها.
الرجل القوي في المملكة العربية السعودية، وولي عهدها، محمد بن سلمان ، يقود التقارب مع إيران. ومن المرجح كذلك أن يحاول إبعاد بلاده عن مواجهة عسكرية محتملة بين الولايات المتحدة وإيران. وأحد أسباب إبرام اتفاقات أبرهام هو دافع العداء المشترك لإيران. وفي حال حصول تقارب بين طهران ودول الخليج فمن الممكن أن يؤدي ذلك على الأقل إلى إزالة جزئية لبعض الجوانب العسكرية للاتفاقيات.
الأسد هو المستفيد الرئيسي؟
الرابح الرئيسي من التطورات الأخيرة هو بشار الأسد. تلعب بلاده دوراً في كل من الحسابات الروسية والإيرانية، فوجود الدولتين في سوريا تؤمنان لهما موطئ قدم على البحر الأبيض المتوسط. ومؤخراً دعا ولي العهد السعودي سوريا للمشاركة في قمة جامعة الدول العربية المقبلة في الرياض في أيار/مايو المقبل. ستعني هذه الخطوة عودة لبشار للأسد وتراجعاً للأصوات الليبرالية التي تم التعبير عنها فيما يسمى بـ "الربيع العربي" لعام 2011.
ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الأسد الاستفادة اقتصادياً من تلك العودة. تشكك الخبيرة السياسية بالشأن السوري ورئيسة قسم الشرق الأوسط في مؤسسة هاينريش بول الألمانية وتتساءل: "من يريد الاستثمار في سوريا؟".
كيرستن كنب/خ.س
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م