1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

احتجاجات لبنان والعراق.. هل هي نهاية النظام الطائفي؟

٣٠ أكتوبر ٢٠١٩

بين العراق ولبنان يبدو المشهد متشابهاً لحد بعيد، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول أسباب الشعارات المتقاربة والسعي لإسقاط أنظمة الحكم، التي تبدو الطائفية مكوناً رئيسياً فيها. لكن الأزمة قد تكمن فيما بعد سقوط تلك الأنظمة.

Bildkombo Politische Proteste im Irak / Anti-Regierungsproteste im Libanon

حشود هائلة في الشوارع، هتافات تكاد تكون متطابقة، والفساد والمحاصصة الطائفية على قمة أولوليات ما يجب إزاحته من المشهد. تلك كانت أهم القواسم المشتركة – إلى جانب غيرها – بين الشارعين اللبناني والعراقي. حتى ردود الفعل لدى الطبقة السياسية في البلدين تكاد تتشابه، سواء التحذير من "الأطراف الخارجية" أو التخويف من سيناريو انهيار الاقتصاد وسقوط الدولة، لكن ربما أخذت المسألة في العراق منحى أكثر دموية، أما في لبنان فاكتفى أحد الأطراف بضرب المتظاهرين وإحراق خيامهم.

استقالة الحريري..بداية الحل؟

يقول الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إن سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني لجأ للاستقالة بعد أن "اصطدم برفض التغيير الحكومي وعدم قبول كل مطالبه واقتراحاته بالإصلاح"، وأشار جنبلاط في تصريحات صحفية أن "الاستقالة تعني الذهاب لانتخابات لكن يجب أن يتم ذلك وفق قانون عصري لا طائفي يصبح لبنان كله وفقاً له دائرة واحدة عندها لا أعتقد أن أحدأ من هذه الطبقة السياسية سيبقى وهذا سبب الشعبية الكبيرة في كل لبنان لهذا الحراك".

ويرى بيير لوي ريمون الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي الفرنسي والخبير في شؤون الشرق الأوسط من باريس أن استقالة الحريري كانت متوقعة، "فهو لم يكن لديه خيار في ذلك بسبب تركيبة لبنان السياسية والطائفية، فمهما تغيرت الحكومة فستظل المشكلة قائمة كما هي وكان سيضطر للتشاور مع البرلمان لإعادة هيكلة الحكومة التي ستعود بتركيبتها الطائفية كما هي دون جديد".

ويضيف ريمون في مقابلة له مع DW عربية أن "الشباب طالب برحيل الحريري والحكومة، لكن الفكرة هي أن الاستقالة أو الرحيل لن يحلا المشكلة، فالأزمة في لبنان قديمة ومستمرة منذ عقود وتتراكم بمضي الوقت وتتراكم معها مطالب الشعب اللبناني بالإضافة إلى العراقيل التي كانت توضع أمام الحلول الإصلاحية ومحاولات سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء".

أما عن أسباب الاستقالة فيرى البروفيسور ماكسيميليان فيلش الاستاذ المشارك بقسم العلوم السياسية بجامعة هايكازيان ببيروت أن الحريري يبدو أنه يريد مغادرة المشهد السياسي في لبنان "الأمر الذي قد يعني احتمال وقوع المزيد من الفوضى، خاصة وأننا بدأنا نسمع أن حزب الله يتصل بمؤيديه ويحاول تعبئتهم".

وتابع فيلش في حواره مع DW عربية قائلاً: "قد تسبب استقالة الحريري زيادة الضغط على اللاعبين الآخرين للموافقة على تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة لكن أكبر عقبة أمام الجميع ستكون جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني، فهو ليس مدعوما من حزب الله فحسب، بل أيضاً من قبل صهره (ميشال عون) في الرئاسة، الذي يرفض أيضاً السماح بتشكيل حكومة دون أن يكون باسيل فيها".

المتظاهرون اللبنانيون رفعوا علم بلادهم بعيدا عن الشعارات الطائفية. صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani

تحرك شعبي يستهدف الطائفية؟

في لبنان كما العراق، تلعب الورقة الطائفية دوراً محورياً في تشكيل المشهد السياسي وإن كان بدرجات متفاوتة. لكن الحراك في كلا الشارعين بدا شديد التلاحم برفع أعلام الدولة وابتعاد الشعارات عن الحزبية والطائفية الضيقة والتركيز على الإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة.

في هذا السياق، يقول بيير لوي ريمون الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط إنه "منذ اندلعت حركة الشارع اللبناني بدا واضحاً حجم اللحمة الوطنية بين المشاركين، وفي العراق ربما لم تتبلور الأمور بشكل أكثر وضوحاً كما حدث في لبنان لكن الحراك أيضاً كان وطنياً بشكل تضاءلت معه كثيراً فكرة الطائفية".

المتظاهرون العراقيون تعرضوا لقنابل الغاز والرصاص، وقتل منهم منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول ما لا يقل عن 250 شخصا، حسب رويترز. صورة من: picture-alliance/AA/M. Sudani

لكن ريمون استدرك قائلاً إن "ما يحدث في العراق ربما لا يكون مشابهاً بشكلٍ كامل لما يحدث في لبنان، فالعراق وصلت فيه الخلافات الطائفية للذروة خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية وماتعرض له السكان السنة من اضطهاد وسوء معاملة، إلا أن العامل المشترك في البلدين هو الإجماع على ضرورة القضاء على الفساد وبروز اللحمة الوطنية بين مكونات الحراك في الشارعين".

أما ماكسيميليان فيلش الاستاذ بجامعة هايكازيان ببيروت فأكد على اعتقاده بأنه "في كلا البلدين كان هدف الحراك هو القضاء على فكرة الحكم المبني على تقاسم الطوائف والسعي إلى تأسيس نظام ما بعد الحرب مع وعد بالاستقرار السياسي والتعددية والمشاركة الديمقراطية".

لكن فيلش لم يبدُ متحمساً بشدة لاحتمالات تمكن اللبنانيين بشكل خاص من تغيير تلك التركيبة السياسية المعقدة، "فالجميع يدرك بأن أداء الحكومة ليس مقنعاً على الإطلاق، لكن عندما يتعلق الأمر بالانتخابات فإن الغالبية العظمى من اللبنانيين سيصوتون للأحزاب التي تتظاهر بتمثيل طوائفها الدينية"، مشيراً إلى أنه ولهذا السبب "فإن المطالبة بانتخابات جديدة على الأسس القديمة نفسها لن تغير من المشهد الحالي".

لماذا حدث ما حدث؟

بحسب مايرى محللون، فإن الأمور في كلا البلدين كانت ستصل حتما إلى حد الانفجار خاصة مع الفشل الحكومي وإهدار المال العام إلى جانب طغيان الطائفية على نظامي الحكم وتزايد تدخل الأطراف الخارجية في المشهد السياسي.

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي تحدث مؤخراً عن المشهد في لبنان والعراق، وحمل الولايات المتحدة وإسرائيل المسؤولية عن "أعمال الشغب وانعدام الأمن" في البلدين، وقال إن "أكبر ضربة يمكن أن يوجهها الأعداء إلى أي بلد هي أن يسلبوه الأمن"، مشيراً إلى أن "للناس مطالب أيضاً وهي محقة، لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقق حصراً ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم، والتي عندما تنهار يستحيل القيام بأي عمل".

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئيصورة من: picture-alliance/abaca/Parspix

تصريحات المرشد الإيراني وغيره أشارت إلى ارتباطات الاحتجاجات في البلدين بأطراف خارجية، وهو ما رأي فيه بيير لوي ريمون الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط  مفارقة، "فالحقيقة أن حسن نصر الله في لبنان أو القادة السياسيين في العراق لهم أنفسهم مصالح سياسية مرتبطة بجهات خارجية؛ وبالتالي فإن رمي هؤلاء للمظاهرات والمتظاهرين بما ليس فيهم هي خطة مبرمجة لإبعاد الشباب عن التظاهر والتلويح بأنهم لايخرجون من أجل مصلحة الوطن".

وأضاف ريمون لـDW عربية أن "الحقيقة هي أن من وصف الشارع ومن فيه بذلك هم الذين لم يتوقفوا عن قيادة الطبقة السياسية الحاكمة لسنوات وهم من يتمترسون وراء مصالحهم، ورغم ترديديهم الدائم لهذه الكلمات إلا أننا نجد أن هذه العبارات لم تعد صالحة ولم يعد أحد يُلقي لها بالاً"، مشيراً إلى أنه "حتى في معسكرات هؤلاء أنفسهم مثل حسن نصر الله هناك من لم يعد يؤيد تلك الشعارات وينضم للحراك".

 بدوره، أشار ماكسيميليان فيلش استاذ العلوم السياسية إلى أن "الاحتجاجات كانت أولاً وقبل كل شيء ذات طبيعة اجتماعية ووجهت غضبها ضد أنظمة الحكم". ويؤكد فيلش أن "كثيراً من الناس يرون أن هذه الأنظمة تفضل الفساد والهدر، وهم في ذلك يختبئون خلف مجموعات المصالح التي يمثلونها ويحتمون بها، وبهذه الطريقة يمكنهم تجنب أي محاسبة كما أن تلك المجموعات المزعومة تقوم باستدعاء الناخبين لدعم ممثلي مجموعات المصالح وهكذا يستمر المشهد على ما هو عليه".

لكن.. ما البديل؟ 

لايتوقف النظامان في العراق ولبنان عن التحذير من سقوط الحكومات والطبقة السياسية الحالية وخلو المشهد من أي بديل واضح لتدخل البلاد في نفق مظلم من الانهيار والفوضى خاصة في ظل غياب قيادات أو هيئات واضحة تقود الحراك الشعبي.

وبحسب بيير لوي ريمون الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط فإن الاحتجاجات ليس لديها بعد هيكل تنظيمي حتى الآن وتفتقر إلى قيادة سياسية، "لذا فهي لاتمثل بديلاً عن الأنظمة الحالية، فهم ليس لديهم برنامج معبر بشكل واضح عما يريدون فيما عدا الإصرار المستمر على ضرورة استقالة الحكومة سواء في لبنان أو العراق".

ويشير الخبير السياسي الفرنسي إلى أننا "تعلمنا من تجارب الثورات أنه بعد اسقاط الأنظمة تبدأ ثورات أخرى يبدأ معها الكفاح الفعلي لتأسيس نظم حكم تتوافق مع مطالب وطموحات الشعوب وهذا التأطير للفكرة الثورية لا يبدو أنه مكتمل بعد، فكل من في الشارع لديه أفكار مختلفة تماماً حول شكل إعادة تنظيم المشهد السياسي مثلاً وهو ما يجب الاتحاد بشأنه والاتفاق عليه ".

ويؤكد ريمون أن البديل للأنظمة الحاكمة سواء في العراق أو لبنان لا يمكن أن يوجد بين ليلة وضحاها "فهذه الأنظمة استقرت لفترات طويلة في الحكم لكن مع اللجوء للأجندة والمطالب الوطنية وتلاحم المكونات الوطنية في كلا البلدين سيتكون البديل تدريجياً"، مشيراً إلى أن "الحل المرحلي ربما يكمن في تكوين حكومات تكنوقراط واعتماد الكفاءات فقط؛ حتى يظهر مع الوقت أمام الشعب وأمام الجميع أن فكرة المحاصصة الطائفية لم تعد صالحة للاستمرار".

عماد حسن / كرستين كنيب

  

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW