اختبار ترنتي..الانفجار الذي دشن العصر النووي
١٦ يوليو ٢٠١٥ في ( 16 تموز/ يوليو 1945 ) وفي تمام الساعة الخامسة وتسع وعشرين دقيقة فجرا، أجرى العلماء أول تفجير نووي، وأطلقوا عليه آنذاك اسم "ترنتي". بهذه التجربة رغب جيش الولايات المتحدة الأمريكية أن يفحص تأثير القنبلة النووية. وهكذا اختيرت صحراء جورنادا ديل موريتو التي تبعد نحو 35 ميلا لجنوب شرق سوكورو في نيو مكسيكو. وكان فريق من العلماء يرأسهم الفيزيائي روبرت اوبنهايمر وجنرال الحرب الأمريكي ليسلي غروفز يعملون على القنبلة النووية منذ ( ديسمبر / كانون الثاني 1941) ، وأطلق على مجمل العملية " الأداة" وخطط لها أن تنتهي بنهاية الحرب العالمية الثانية. كانت القنبلة النووية الأولى عبارة عن عبوة تعمل على تحريك البلوتونيوم من خلال إحاطته بمتفجرات شديدة القوة تعمل بمجرد اشتعالها على ضغط البلوتونيوم لمستويات كثافة عالية، وعند ذلك تبدأ سلسلة ردود الفعل النووية للبلوتونيوم، فتنفجر القنبلة النووية الحقيقية. إبادة الحياة كان مخططا أن يُجرى التفجير في تمام الساعة الرابعة صباحا، لكن جرى تأجيله بسبب المطر والرعد والبرق. ثم فّجرت القنبلة النووية، فبلغت قوة تفجيرها ما يعادل 12 ألف طن من مادة تي ان تي . وفي تقريره الرسمي كتب الجنرال توماس فاريل " الأثر الساطع ( الناتج عن التفجير) يفوق الوصف" وهو أثر أمكن مشاهدته من مسافة تبعد عن موقع التفجير 186 ميلا. و وصلت سحابة الفطر الهائلة إلى ارتفاع 7.5 ميلا، كما ترك التفجير حفرة عمقها 3 أمتار، وعرضها 330 مترا، وفي دائرة قطرها ميل كامل لم يبق أي شيء على قيد الحياة. وتولد عن التفجير ارتفاع في درجات الحرارة وصل إلى حد إذابة كل الرمل في موقع تجربة ترنتي. بقايا الرمال والمواد الذائبة اكتسبت قواما زجاجيا مخضر اللون أطلق عليه اسم" ترينتيته" ، وارتفعت قيمته لدى باعة المعادن، وقيل حينها إن هذه المادة لم تكن ضارة بل كانت تصلح لاستعمالها لإنتاج مجوهرات جديدة. وهذا يخالف الواقع، فتلك المادة كان ينبعث منها شعاع ضعيف. بداية العصر النووي في ( 6 آب/ أغسطس 1945)؛ أي بعد 3 أسابيع من تجربة ترنتي، ألقت طائرات القوة الجوية الأمريكية قنبلة نووية على مدينة هيروشيما في اليابان. وتبعتها قنبلة ثانية أسقطت في (9 آب/ أغسطس) فوق مدينة ناغازاكي. وكما خطط الأمريكيون، فان استخدام القنابل النووية وضع نهاية للحرب العالمية الثانية، ولكن ثمن ذلك كان مقتل 200 ألف إنسان، وهو ما شكّل نحو 98 بالمائة من مجموع ساكني المدينتين. وقد فارقوا الحياة مباشرة ساعة التفجير، أو بعد حين بسبب التأثير الشعاعي والسمّي. الإشعاع النووي أدى إلى تسميم المياه الجوفية في التربة، ولسنوات طويلة تلت التفجير ما برح الناس يمرضون ويموتون بسبب الشعاع، وحتى اليوم. كما أنّ معدل إصابات اللوكيميا في هيروشيما ما زال أكثر ارتفاعا مقارنة بمدن اليابان الأخرى. التجارب النووية في المحيط الهادي نهاية الحرب العالمية الثانية لم تؤد إلى نهاية برامج التسلح النووي، فالحرب الباردة أججت سباق التسلح الذي لعبت فيه القنابل النووية الدور الحاسم. ففي أربعينات وخمسينات القرن العشرين، أجرى الجيش الأمريكي 20 تفجيرا نوويا في منطقة بيكيني أتول بجزر مارشال في المحيط الهادي( الباسيفيكي). وأعيد توطين السكان المحليين في منطقة رونغرك اتول، ولكن ، وبسبب قلة الغذاء فيها، عانى كثيرون منهم من مجاعة حقيقية. ومن نجى منهم، وأحفادهم يعيشون اليوم بعيدا عن وطنهم، في جزيرة كيلي، ويتسلمون تعويضا شهريا من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2010 اعتبرت منظمة اليونسكو منطقة بيكيني تول جزءا من التراث العالمي، وقد اشتهرت من خلال غواصي "سكويا" الذين ما برحوا يبحثون عن حطام 10 سفن ترقد في قاع المياه المحيطة بالجزيرة. وكان الأمريكيون قد جاءوا بتلك السفن قبل 70 عاما، لمعرفة تأثير التفجيرات النووية على الأساطيل البحرية. ولابد أنهم خرجوا راضين عن تجربتهم، فقد غرقت السفن العشر بالكامل بعد التفجير. وطبقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن مستويات الإشعاع في جزيرة بيكيني اتول قد انخفضت إلى درجة بات فيه العيش في الجزيرة والسباحة في مياه البحر غير خطرة. ولكن التحذير من العيش في بيكيني اتول ما زال قائما، والنباتات التي تنمو فيها ما زالت ملوثة شعاعيا، ويعتمد المقيمون في المنطقة على المواد الغذائية الواردة من خارج الجزيرة. لا نهاية محتملة في الأجل المنظور رغم انتهاء الحرب الباردة، فإن برامج التسلح النووي ما زالت قائمة، ويعتقد أن 11 بلدا في العالم تمتلك اليوم أسلحة نووية. وعند بد توقيع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1968 كانت التقنية النووية محصورة على النادي النووي الذي يضم كل من الاتحاد السوفيتي سابقاً، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، الصين..الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. لكن بدأ الانتشار حيث هناك تقارير تقول انه يوجد ما يزيد عن 35 دولة نووية؛ تمتلك أسلحة أو تقنية نووية.