اختبار طريقة جديدة للتنبؤ بالأمواج البحرية العملاقة
٢٥ سبتمبر ٢٠١٣ قائد السفينة السياحية "أميرة البحر" ينظر بتمعن إلى البحر، في الوقت الذي تتضح في الخارج معالم عاصفة تزيد من وتيرة تحرك المياه، وفجأة ترتفع موجة ضخمة رفعت معها السفينة ورمت بها في الحوض الصغير، مما أثار صدمة قوية عند طاقم السفينة. ولكن لحسن الحظ لم يسفر هذا الحادث عن أضرار كبيرة.
إلا أن هناك العديد من السفن الأخرى، التي كانت أقل حظاً، على حد تعبير نوربرت هوفمان من معهد الميكانيكا وهندسة المحيط من الجامعة التقنية في جامعة هامبورغ: "لقد وقعت العديد من حوادث النقل البحري الخطيرة في أعالي البحار بسبب الأمواج العاتية". ففي عام 1978 غرقت سفينة نقل البضائع "ميونخ" في شمال جزر الأزور بسبب موجة عملاقة. وفي سنة 2002 تسبب موجة عملاقة في غرق سفينة "بريستيج"، ما أدى إلى تسرب النفط على ساحل المحيط الأطلسي الإسبانية.
الأمواج العملاقة تحت المجهر
وحسب تقديرات الخبراء تتسبب الأمواج العملاقة في إلحاق الضرر بعشر سفن في كل سنة. ومن أجل الحد من هذه الخسائر والأضرار في المستقبل تعمل مجموعة من الباحثين في جامعة هامبورغ التقنية بتطوير آليات للتنبؤ بهدف تحديد دقيق لمكان وقوع هذه الظاهرة والتنبيه بخطورتها في الوقت المناسب. ولهذا الغرض قام فريق البحث بتطوير نظرية، تصف كيفية تكوٌن هذه الأمواج العملاقة. وتؤكد نتائج المختبر على صحة وفعالية هذه النظرية. والجدير بالذكر هو أن فريق البحث بإمكانه محاكاة موجة عملاقة بشكل نموذجي مصغر عبر الضغط على زر على الكمبيوتر.
رياضيات الأمواج
ويسعى فريق البحث بقيادة هوفمان إلى فهم كيفية تشكل الأمواج العملاقة وكيفية وصفها عبر الصيغ العملية. ولهذا الغرض قام فريق العمل بابتكار نظرية جديدة، تستند إلى ما يسمى بالرياضيات غير الخطية. وتأخذ هذه النظرية في عين الاعتبار أن موجات المياه تؤثر بشكل متبادل على بعضها البعض، ففي حالة هبوب رياح قوية على تيارات مائية معينة قد تمتص الموجة الطاقة من جارتها فتصبح فارغة بشكل كلي. ويضيف هوفمان في هذا الصدد أن: "ذلك من شأنه يعمل على جمع كل الطاقة في منطقة مركزية لبضع دقائق." ويضيف الباحث الألماني: "وعندها تتشكل فجأة موجة عملاقة، سرعان ما تتفكك بعد وقت قصير."
من النظري إلى العملي
ومن أجل التحقق من هذه النظرية على أرض الواقع يقوم الباحثون في المختبر بمحاولة لتطبيقها، حيث يقوم المهندس أمين شبشوب بفتح باب ساحة الاختبار، حيث يوجد حوض مائي كبير لإجراء هذه التجربة. ويبلغ طول هذا الحوض، الذي يشبه حوض الاستحمام، 15 مترا وعرضه 1.5 مترا. وفي نهاية الحوض تم تثبيت مروحية تعمل بشكل هيدروليكي، من أجل خلق الأمواج. وفي الطرف الآخر من الحوض تم إنشاء ما يشبه شاطئا صغيرا، يعمل على امتصاص الأمواج الناتجة حتى لا تمتد إلى الوراء.
ومن أجل خلق هذه الموجة الاصطناعية يقوم شبشوب بتفعيل العملية عبر الكمبيوتر، ثم تبدأ المجموعة الهيدروليكية في الحركة. وتظهر المياه في الوهلة الأولى على أنها راكدة، ولكن سرعان ما تبدأ المياه في التحرك لتتشكل بعدها أمواج صغيرة بنفس الحجم والشكل.
وبعد ذلك تتكون موجة لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، إلا أن تحرك الأمواج باستمرار داخل القناة يتسبب في خلق موجة عملاقة نسبيا. وبعدها تصطدم هذه الموجة النموذجية مع الشاطئ الاصطناعي. ويبلغ طول هذه الموجة حوالي ثلاثة سنتمترات، أي أكبر بثلاثة مرات من الأمواج المحيطة بها. وبهذا العملية يكون فريق البحث قد نجح في ابتكار نموذج للموجة العملاقة.
من المختبر إلى البحر
ويؤكده نوربرت هوفمان:"لقد قمنا بمقارنة نتائجنا مع قياسات لأمواج عملاقة يصل طولها إلى 30 مترا". وكانت النتيجة على حد قوله أن:" الأمواج النموذجية المصغرة تتطابق مع الأمواج الحقيقية بشكل لافت للنظر". وبالنسبة للخبراء فهذا يعتبر مؤشرا هاما على أن نظريتهم صحيحة أيضا على أرض الواقع.
وفي يوم من الأيام ستساهم هذه الحقائق المستخلصة من هذه التجربة في المساعدة على إعطاء توقعات دقيقة على شكل تقرير حول الأمواج العملاقة على سبيل المثال، وهو ما قد يساعد ربان السفينة على معرفة المناطق البحرية الأكثر تعرضا للموجات العملاقة، وبالتالي يكون باستطاعتهم تفادي هذه الظاهرة البحرية عبر اختيار طرق أخرى، أكثر سلامة.