ارتفاع الأسعار في المغرب.. حكومة أخنوش نحو نفق مظلم؟
إسماعيل عزام
٢٤ فبراير ٢٠٢٣
كغيره من جل دول العالم، يعاني المغرب من ارتفاع التضخم بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، لكن التأثير بات بالغا خصوصا أن غلاء الأسعار مؤخراً مسّ سلعاً رئيسية بشكل غير مسبوق خلال الحرب. فكيف تتعامل حكومة عزيز أخنوش مع ذلك؟
إعلان
تحوّل الحديث عن ارتفاع الأسعار في المغرب إلى موضوع شبه يومي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي النقاشات العامة، خصوصاً أن هذا الارتفاع يمسّ حالياً جلّ السلع الأساسية، ويؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة اليومي للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (هيئة حكومية مكلفة بالإحصائيات) هذا الأسبوع أن مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأثمان المحددة والمواد ذات التقلبات العالية، قد ارتفع خلال يناير/ كانون الثاني 2023 بنسبة 8.2 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من عام 2022، وارتفع في شهر واحد بنسبة 4 في المئة (مقارنة مع شهر ديسمبر/كانون الأول 2022).
وتشير المندوبية في مذكرة توصلت DW عربية بنسخة منها، أن الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك، ارتفع شهريا بنسبة 5 بالمئة. وشمل الارتفاع مجموعة من المواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه واللحوم ومنتجات الحليب. وبالمقارنة بين أسعار هذه المواد في الفترة الحالية والفترة ذاتها من العام الماضي، يتبين أن هناك ارتفاعاً بنسبة 16.8 بالمئة.
وكان العشرات قد تظاهروا أمام البرلمان المغربي، يوم الأحد الماضي، احتجاجاً على استمرار ارتفاع الأسعار، وجاء ذلك قبل يوم واحد على ذكرى حركة 20 فبراير التي خرجت لأول مرة عام 2011 إبان ثورات وانتفاضات "الربيع العربي" ودفعت إلى إجراء إصلاحات دستورية وسياسية. ومنعت السلطات حسب منظمي الاحتجاج تنظيم مسيرات كبرى بسبب استمرار حالة الطوارئ الصحية، لكن هناك اتجاه لتنظيم احتجاجات أخرى في الأيام المقبلة، تزامنا مع استمرار حالة من السخط على منصات التواصل الاجتماعي.
اتهامات للحكومة وللوسطاء
ارتفعت أسعار المواد الغذائية في المغرب تزامناً مع الغزو الروسي لأوكرانيا، إسوة بالكثير من دول العالم التي تعاني حالياً من مستويات مرتفعة من التضخم. لكن التأثير يعدّ أكبر في الدول المستوردة للحاجيات الرئيسية ومن ذلك الطاقة والمواد الغذائية الرئيسية.
وتُرجع الحكومة المغربية أسباب الغلاء إلى هذا السياق الدولي، خصوصاً أن أسعار الكثير من المواد الأساسية ارتفعت في السوق الدولية، لكنها كذلك تتحدث عن أسباب أخرى منها موجة البرد التي أثرت سلبا على نضج المحاصيل، وتوالي سنوات الجفاف، وكذلك المضاربات في الأسواق.
وقال إدريس الأزمي الإدريسي، قيادي بحزب العدالة والتنمية المعارض، إن ما يعرف بتأثير "موجة التضخم المستورد" على الأسعار أمر صحيح، لكن ارتفاع الأسعار يفوق بكثير نسبة التضخم المعلنة، وهناك مواد غذائية ارتفع سعرها بنسبة 200 في المئة أو حتى 300 في المئة، ما يطرح أسئلة كبيرة عن نجاعة السياسة الزراعية المتبعة في المغرب.
وتابع الوزير السابق المكلف بالميزانية في عهد الحكومة السابقة، في ندوة صحفية، إن الأجواء المناخية هي أسباب هيكلية تعاني منها المواد الغذائية في المغرب وليست بالتالي أمراً جديداً. ويرى أن الحكومة تحاول إخفاء أحد أسباب الغلاء، وهو قطاع المحروقات، (ارتفعت أسعارها بين 60 و 80 بالمئة)، وأن ما أعلنته من إجراءات لدعم القطاعات الرئيسية المرتبطة به ليس لها أثر واضح.
ويوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة استشارية حكومية) إن المنتجات الفلاحية المغربية تعاني من مشكل كبير في التسويق، ما يؤدي إلى اختلالات في تنظيم الأسواق الأسبوعية، ويساهم في انتشار البيع خارج القطاع المنظم، فضلاً عن تأخر التحوّل الرقمي، والحجم المفرط للوسطاء الخارجين عن المراقبة، ما يؤدي إلى إذكاء المضاربة وارتفاع الأسعار.
إجراءات لمواجهة الغلاء
وكانت الحكومة المغربية، بقيادة عزيز أخنوش، قد أعلنت أن أسعار المواد الغذائية بدأت بالتراجع بفضل "الإجراءات التي اتخذتها" وكذلك تحسن الظروف المناخية، وأن الأسعار ستصل إلى المستوى الاعتيادي قبل حلول شهر رمضان. وتقول الحكومة إنها أنشأت لجاناً لمراقبة السوق وضمان وجود السلع ومحاربة المضاربات.
وذكرت لجان الحكومة أنها اكتشفت وجود مخالفات كبيرة تخصّ الأسعار المعروضة في السوق، كما عثرت على مخازن لتخزين عدد من المواد الغذائية لأجل رفع ثمنها. وأعلنت الحكومة سابقا عن إلغاء الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على استيراد الأبقار، وكذلك منع تصدير عدد من أنواع الخضر إلى الأسواق الإفريقية بشكل مؤقت.
لكن هناك من ينتقد إجراءات الحكومة وإنها لم تقم بما يلزم لمواجهة الغلاء، خصوصا أن الناطق الرسمي باسمها يقدم أمثلة عامة عن الأسعار لا تتوافق مع الأسعار الحقيقية في عدد من مناطق المغرب، وكونها تفقتد لرؤية شمولية لمواجهة الظاهرة، وهناك من يرى أن الحكومة ركزت على التصدير الخارجي خصوصا في اتجاه أوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء، دون أن تنتبه للأثر الكبير على السوق الداخلية.
وكان عزيز أخنوش، وهو ملياردير ووزير فلاحة سابق شارك في كل الحكومات منذ عام 2007، قد وعد خلال الحملة الانتخابية بتحسين أوضاع المغاربة عكس ما كان عليه الوضع خلال الحكومات التي قادها حزب العدالة والتنمية. وقد تم توجيه الكثير من الانتقادات لأخنوش بعدم اتخاذ سياسة شفافة فيما يخصّ أسعار المحروقات، خصوصا أنه يترأس مجموعة نفطية من بين الأكبر في المغرب.
إسماعيل عزام
عربيا ودوليا.. تداعيات حرب بوتين على الأسعار ومعيشة الناس
تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا لم تقتصر على دول الجوار، وإنما امتد تأثير الحرب إلى جميع أنحاء العالم. فمع ارتفاع أسعار الطعام والوقود إلى معدلات غير مسبوقة، شهدت بعض الدول مظاهرات وأعمال شغب.
صورة من: Dong Jianghui/dpa/XinHua/picture alliance
ألمانيا.. التسوق بات مكلفا
أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في ألمانيا وهو ما أثر على المستهلكين. ففي مارس/ آذار، ارتفع معدل التضخم في ألمانيا إلى أعلى مستوى له منذ عام 1981. وبالنسبة للعقوبات، تبدي الحكومة الألمانية حرصا على المضي قدما في فرض حظر على الفحم الروسي، لكنها لم تتخذ قرارا بعد حيال حظر الغاز والنفط الروسي.
صورة من: Moritz Frankenberg/dpa/picture alliance
كينيا.. ازدحام أمام محطات الوقود
شهدت محطات الوقود في العاصمة الكينية نيروبي ازدحاما كبيرا مع شعور الناس بارتفاع سعر الوقود بشكل كبير، مع عدم توفره جراء الحرب فضلا عن تداعياتها على أزمة الغذاء في هذا البلد الفقير. وقد أعرب سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، عن بالغ قلقه إزاء الأمر أمام مجلس الأمن، إذ أجرى مقارنة بين الوضع في شرق أوكرانيا والأحداث التي شهدتها أفريقيا عقب الحقبة الاستعمارية.
صورة من: SIMON MAINA/AFP via Getty Images
تركيا.. تأمين إمدادات القمح
تعد روسيا من أكبر منتجي القمح في العالم. وبسبب الحظر على الصادرات الروسية، ارتفع سعر الخبز في دول عدة ومنها تركيا. كما أدت العقوبات الدولية إلى تعطيل سلاسل التوريد. وتعد أوكرانيا واحدة من أكبر خمس دول مصدرة للقمح في العالم، لكن بسبب الغزو الروسي لا تستطيع كييف شحن الإمدادات من موانئها المطلة على البحر الأسود.
صورة من: Burak Kara/Getty Images
العراق.. ارتفاع كبير في أسعار القمح
يعمل هذا العامل في سوق جميلة، أحد أسواق الجملة في بغداد. ارتفعت أسعار القمح في العراق إلى معدلات قياسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وبما أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان على نسبة 30 بالمائة من تجارة القمح في العالم، فلم يكن العراق بمنأى عن تأثير العقوبات. ورغم أن الحكومة العراقية اتخذت موقفا محايدا من الأزمة الأوكرانية، إلا أن الملصقات المؤيدة لبوتين باتت محظورة في البلاد.
صورة من: Ameer Al Mohammedaw/dpa/picture alliance
مصر.. رفوف ممتلئة وأسواق خالية
تضررت مصر بشدة من الارتفاع الراهن في أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا فقد أصبحت بعض الأسواق خالية رغم أن الأسواق تكون مزدحمة عادة وتشهد رواجا في شهر رمضان. وبلغ معدل التضخّم في مصر 10 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط في ارتفاع يعزوه الخبراء بشكل أساسي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 20 بالمائة.
صورة من: Mohamed Farhan/DW
تونس ..مخاوف من أزمة هجرة
ارتفعت أسعار أسطوانة الغاز والخبز في تونس إلى معدلات مذهلة بسبب الحرب في أوكرانيا ليواجه مهد "الربيع العربي" حاليا أزمة حادة في توفير الغذاء للجميع. فهل ستتسبب الأزمة في موجة جديدة من الهجرة؟
صورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance
اليمن.. السير على الأقدام
أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى ارتفاع أجور النقل في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى السير على الأقدام بدل ركوب السيارة. ففي الأسابيع الأولى للحرب، ارتفعت أسعار الوقود فتضاعف سعر التنقل من 100 ريال إلى 200 ريال يمني. وقد حذر برنامج الأغذية العالمي في مارس/ آذار الماضي من تدهور الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في اليمن في ظل حاجة قرابة 17,4 مليون شخص إلى مساعدات فورية.
صورة من: Farouk Mokbel/DW
بيرو.. موجة احتجاجات
اندلعت مظاهرات ووقعت اشتباكات بين محتجين ورجال الشرطة في العاصمة ليما التي شهدت موجة من احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية، خاصة مع تفاقم الأزمة مع اندلاع حرب أوكرانيا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وزيادة حدتها، فرض الرئيس بيدرو كاستيلو حظر تجول وأعلن حالة الطوارئ بشكل مؤقت. لكن مع انتهاء سريان حالة الطوارئ، خرجت مظاهرات جديدة في البلاد.
صورة من: ERNESTO BENAVIDES/AFP via Getty Images
سريلانكا.. حالة طوارئ
عصفت بسريلانكا أيضا موجة احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن تزايدت حدتها مع محاولة عدد من المتظاهرين اقتحام المقر الخاص للرئيس غوتابايا راجاباكسا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، أعلن راجاباكسا حالة الطوارئ، داعيا في الوقت نفسه الهند والصين إلى مساعدة بلاده في تأمين احتياجاتها الغذائية.
صورة من: Pradeep Dambarage/Zumapress/picture alliance
اسكتلندا.. المظاهرات تصل أوروبا
شهدت اسكتلندا احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، كما نظمت النقابات العمالية في جميع أنحاء المملكة المتحدة مظاهرات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة. وعقب انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ارتفعت الأسعار، لكن الحرب في أوكرانيا زادت الوضع سوءً.
صورة من: Jeff J Mitchell/Getty Images
بريطانيا.. ارتفاع أسعار الأسماك
يعد طبق "السمك مع البطاطا المقلية" من الأطباق المفضلة والشعبية في بريطانيا، إذ يتم تناول حوالي 380 مليون حصة من السمك ورقائق البطاطس في المملكة المتحدة كل عام. بيد أن العقوبات الصارمة على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار السمك الأبيض المستورد من روسيا فضلا عن زيادة أسعار زيت الطهي والطاقة. وقد وصل معدل التضخم في المملكة المتحدة 6.2 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط الماضي.
صورة من: ADRIAN DENNIS/AFP via Getty Images
نيجيريا.. اغتنام الفرصة
يقوم هذا التاجر بتعبئة الدقيق لإعادة بيعه في منطقة إيبافو بنيجيريا. وتسعى نيجيريا منذ زمن طويل لتقليل اعتمادها على استيراد المواد الغذائية. فهل يمكن أن توفر الحرب في أوكرانيا الفرصة لنيجيريا لتقليل استيرادها للمواد الغذائية؟ وفي هذا السياق، دشن أليكو دانغوت، أغنى رجل في نيجيريا وأحد أثرياء إفريقيا، مؤخرا أكبر مصنع للأسمدة في البلاد فيما يحدوه الأمل في سد حاجة نيجيريا من الأسمدة.