ارتفاع درجات الحرارة يهدد مستقبل الأولمبياد الصيفية
١٨ يونيو ٢٠٢٤
لتقييم التهديد الذي يشكله ارتفاع درجات الحرارة، حذر رياضيون وعلماء مناخ من أن الحرارة الشديدة ستجعل "من المستحيل" إقامة دورة الألعاب الأولمبية مستقبلًا خلال الصيف، وسط مخاوف من "ظروف خطيرة "في أولمبياد باريس هذا العام.
إعلان
حذر تقرير صدر حديثًا من أن الحرارة المرتفعة للغاية في أولمبياد باريس المقامة خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس القادمين ربما تؤدي لانهيار المشاركين في المنافسات، وفي أسوأ الظروف الوفاةأثناء الأولمبياد.
إذ تعاونت مجموعة من الرياضيين الأولمبيين وعلماء المناخ وفسيولوجيا الحرارة من جامعة بورتسموث في إنجلترا لتقييم التهديدات التي ربما يشكلها ارتفاع درجات الحرارة على الرياضيين. وفي تقرير نُشر صباح اليوم الثلاثاء، أوصت المجموعة بضرورة تغيير المواعيد التقليدية لإقامة المسابقات بحيث تقام في الأشهر الأكثر برودة أو في الأوقات التي تتحسن خلالها درجة الحرارة أثناء اليوم.
وقالت كبيرة الباحثين المشاركين في مركز المناخ المركزي، كايتلين ترودو، في حديثها للصحفيين قبل صدور التقرير: "بدون جهود متضافرة للحد من انبعاثات الكربون، ليس هناك شك في أن درجات حرارة الأرض تمضي على مسار سيجعل الأمر شبه مستحيل، إن لم يكن مستحيلا تماما. لإقامة الألعاب الأولمبية الصيفية". وأضافت ترودو أن الحرارة الشديدة المقترنة بارتفاع الرطوبة تعني أن الجسم يواجه صعوبة في القيام بعملية التبريد، مما قد يؤدي إلى ضغط حراري على الجسم، ومن ثم الإصابة بالدوخة، والإرهاق، وضربات الشمس.
وصرح لاعب رمي القرص ضمن الفريق الأولمبي الأمريكي، صامويل ماتيس، بأن الظروف الحارة عطلت التصفيات الأولمبية لألعاب القوى عام 2021، والتي كان يتعين إقامتها في المساء رغم أن درجة الحرارة كانت لا تزال تصل إلى حوالي 30 درجة مئوية. وقال ماتيس: "اعتقد أنه في كثير من الأماكن، بالولايات المتحدة وحول العالم، فإن المنافسات الصيفية ستصبح مستحيلة بشكل أساسي حال عدم إقامتها في منتصف الليل".
أما لاعب فريق الرجبي الأمريكي، جيمي فارنديل، فقال إن الحرارة الشديدة "تأخذ الكثير منك" أثناء اللعب. وأضاف: "وجدت نفسي في هذه الظروف حيث يحاول المرء حرفيا اجتياز المرحلة التالية من اللعب، وتشعر يداه بالتعرق، ويمكنه (فقط) التركيز على الإمساك بالكرة، لذلك اعتقد أن ذلك يجعل المباراة أسوأ. إنه أمر خطير أيضا".
وطالب اللاعب البريطاني القطاع الرياضي بأن يدق "جرس إنذار" لتجنب ما هو أسوأ من ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك النظر في أساليب التعامل مع الأمر من خلال تغيير مواعيد المنافسات.
ونظر باحثو المناخ في كيفية تغير درجات الحرارة منذ استضافة العاصمة الفرنسية باريس الألعاب الأولمبية للمرة الأخيرة قبل قرن من الزمان، وتحديدا في عام 1924، حيث يشير التحليل إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة خلال تلك الأسابيع، في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس. كما وجدوا أن هناك خطرا متزايدا من الحرارة الشديدة في أولمبياد باريس هذا العام، مستشهدين بموجة الحر القاتلة التي عانت منها فرنسا في عام 2003، والتي أودت بحياة أكثر من 14 ألف شخص، بالإضافة لرصد درجات حرارة قياسية، تجاوزت 42 درجة، خلال الأعوام التالية.
ويأتي ذلك بعد أن أصبحت النسخة الأخيرة من الألعاب (أولمبياد طوكيو 2020) تعرف باسم "الأكثر حرارة في التاريخ"، حيث تجاوزت درجات الحرارة 34 درجة وبلغت نسبة الرطوبة إلى ما يقرب من 70%.
وفي حديثه عن تلك الألعاب، قال لاعب التنس النيوزيلندي والحاصل على الميدالية البرونزية في الأولمبياد ماركوس دانييل: "شعرت أن الحرارة كان تقترب من المجازفة الحقيقية - نوع المخاطرة التي يمكن أن تكون قاتلة".
الابتكار ضد تغير المناخ
06:06
من جانبها، أكدت العداءة الهندية براجنيا موهان، التي تعد أبرز رياضية في تاريخ بلادها، إنها لم تعد قادرة على التدريب في وطنها بسبب ارتفاع الحرارة الشديد. وأشارت موهان إلى أن الرعاة يرغبون في "مزيد من المتابعة الجماهيرية"، ولذلك تميل لإقامة المنافسات في فترة ما بعد الظهر لتحقيق أقصى قدر من المشاهدة، وهو ما جعلها تتنافس في ظروف "خطيرة للغاية" مع وصول درجات حرارة إلى أعلى من 40 درجة ونسبة رطوبة تزيد عن 80%.
وحدد التقرير الذي أصدرته الجمعية البريطانية للرياضة المستدامة خمس توصيات لدعم وحماية الرياضيين بشكل أفضل من الحرارة الشديدة. وبالإضافة إلى تغيير مواعيد إقامة المنافسات لتجنب درجات الحرارة القصوى، دعت هذه المنظمات السلطات الرياضية إلى تقديم خطط أفضل للتعامل مع الأمر بشكل أفضل وتوفير التبريد للرياضيين، وتمكينهم من التحدث علنا عن تغير المناخ، وتعزيز التعاون بين الهيئات الرياضية والرياضيين في حملات التوعية المناخية، وإعادة تقييم رعاية الشركات، التي تعتمد على الوقود الأحفوري، في مجال رياضة.
وفي المقابل، شدد رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى والحاصل على ميدالية أولمبية في 4 دورات سابقة، البريطاني سيباستيان كو، على أنه "بالنسبة للرياضيين، يمكن أن تكون العواقب متنوعة وواسعة النطاق، بدءا من المشكلات الصغيرة التي تؤثر على الأداء مثل اضطراب النوم والتغييرات في اللحظة الأخيرة في توقيت الأحداث، إلى التأثيرات الصحية المتفاقمة والإجهاد والإصابات المرتبطة بالحرارة". وأوضح كو: مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء العالم، يجب أن يتم النظر إلى تغير المناخ بشكل متزايد على أنه تهديد وجودي للرياضة".
(د ب أ)
أفكار معمارية صديقة للبيئة لمواجهة الحرارة
ترتفع درجات الحرارة في العالم، حيث يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل متزايد كل عام. ولكن هل يمكن للتصميم والهندسة المعمارية مساعدة الناس على التخفيف من حدة الحرارة المرتفعة ومحاربة مسببات الاحتباس الحراري؟
صورة من: picture alliance/DUMONT Bildarchiv
مكيف الهواء هو المشكلة، وليس الحل
بالطبع لا شيء يضاهي متعة المشي في غرفة مكيفة الهواء بعد قضاء عدة ساعات في الحر. لكن الوكالة الدولية للطاقة (IEA) حددت استخدام مكيف الهواء كأحد المسببات الرئيسية لتزايد الطلب على الكهرباء، بما يعادل 10 في المائة من إجمالي استهلاك الكهرباء في العالم. وإذ ينطوي إنتاج كل تلك الطاقة الكهربائية بطريقة أو بأخرى على حرق الوقود الأحفوري.
صورة من: picture-alliance
"خطة غيديس" في تل أبيب
قبل تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، تمت استشارة المخطط الحضري الاسكتلندي باتريك غيديس عام 1925 حول إمكانية وضع تصميم لمدينة تل أبيب يواجه آثار المناخ الصحراوي السائد إلى أدنى حد، حيث بنيت طرقها على شبكات لتوجيه نسيم البحر من البحر المتوسط إلى المدينة. وحتى يومنا هذا، يستفيد وسط هذه المدينة المليونية بشكل كبير من هذا التصميم.
صورة من: JACK GUEZ/AFP/Getty Images
باوهاوس: التصميم الألماني الرائع
استفادت المباني في تل أبيب أيضاً من مدرسة باوهاوس الألمانية للهندسة المعمارية والتصميم، والتي تشدد على كل من البراغماتية والجماليات. على سبيل المثال، أثبت ميل باوهاوس للأسقف المسطحة أنه مفيد أيضاً لعكس حرارة الشمس. ومع ظهور تكنولوجيا جديدة مثل ظهور الألواح الشمسية مع مرور الوقت، ظلت الأسقف المسطحة تحظى بشعبية في المراكز الحضرية في المناطق الحارة.
صورة من: DW/I. Rottscheidt
ساحات خضراء في برشلونة
إذا كانت الساحات توفر هواء أكثر برودة، فإن مدناً مثل باريس وبرشلونة قد اختارت طريقها الصحيح. بإنشاء المجمعات السكنية حول الأفنية العملاقة، حيث لا يستفيد السكان فقط من مناخ أكثر برودة، بل وأيضاً من العيش في محيط جميل. في الآونة الأخيرة، بدأت المدينة تغيير الطريقة التي توجه بها حركة المرور حول أكثر من 500 مبنى في محاولة للحد من انبعاثات الكربون.
صورة من: picture-alliance/DUMONT Bildarchiv/F. Heuer
الحماية من الفيضانات والحرارة
عرف سكان المناطق الساحلية المنخفضة منذ فترة طويلة أن بناء المنازل المرتفعة يوفر الحماية من الفيضانات، التي تعد من الآثار الجانبية المتفاقمة للاحتباس الحراري. كما تساعد هذه الطريقة في البناء على تبريد المنازل من الأسفل.
صورة من: Reuters/S. Nesius
بناء مدن مقاومة لتغير المناخ
يرتبط العدد المتزايد من الكوارث الطبيعية ارتباطاً مباشراً بتغير المناخ. عندما ضرب إعصار "هارفي" هيوستن بالولايات المتحدة في عام 2017، استفادت المدينة من التصميم الذكي لمنتزه "بوفالو بايو" الذي تبلغ مساحته 64 هكتاراً، والذي كان بمثابة سهل تحمل العبء الأكبر من الفيضان. مما حمى الحديقة التي لم تشهد أضراراً بالغة.
صورة من: Photo by Jim Olive, courtesy of Buffalo Bayou Partnership
مكافحة تغير المناخ والحرارة في الشرق الأوسط
في هذه الأيام، هناك مدن تنشأ بين عشية وضحاها في الشرق الأوسط، مما يوفر فرصاً جديدة لمعالجة آثار تغير المناخ منذ البداية. إلى جوار مطار أبو ظبي، هناك مدينة كاملة في الضواحي بنيت وصممت لتعمل بالطاقة المتجددة دون انبعاثات. قد تكون مدينة "مصدر" مدينة مثالية اليوم، لكنها قد تقدم في نفس الوقت مخططات لمشاريع مستقبلية مماثلة.
صورة من: Masdar
تصميم قديم من عمان
تصل درجة حرارة الشارع في حي مدينة "مصدر" بأبوظبي إلى 20 درجة مئوية، أي أنها أكثر برودة من الحرارة في الصحراء التي تحيط بها، حيث يعمل برج الرياح على تبريد الهواء من السماء ويدفعه إلى الأسفل لتشكيل نسيم بارد. غير أن هذه الفكرة قد أخذت من مدينة مسقط القديمة بسلطنة عمان، حيث صُممت المباني الطويلة لتوجيه الرياح إلى الشوارع الضيقة بطريقة مماثلة.
صورة من: picture alliance/DUMONT Bildarchiv
البماني القديمة
في حين أن المباني القديمة ساحرة، غير أنها غالباً قد بنيت بطريقة تزيد من آثار درجات الحرارة العالية إلى الحد الأقصى، مما يساهم عن غير قصد في ظاهرة الاحتباس الحراري. تضغط بعض الدول مثل المملكة المتحدة على تحديث هذه المنازل مع عزل محسّن في محاولة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 80 في المائة.
صورة من: Imago/Future Image
الإسمنت: مرحبا أو وداعاً؟
لتلبية احتياجات المناخ في المستقبل، يتعين على الناس تبني مواد بناء جديدة. قبل كل شيء، هناك دعوة لوقف الاستخدام الكبير للخرسانة أو الباطون والكربون الذي يطلقه. غير أن المباني الخرسانية الضخمة وخاصة الهياكل العملاقة التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، تعتبر أيضاً عوازل حرارية كبيرة. ببساطة: توقف عن استخدام الخرسانة، ولكن استفد إلى أقصى حد من الهياكل الخرسانية.
صورة من: DW/K. Langer
بيت المستقبل
إذا كنت ستقوم ببناء منزل في المستقبل القريب، فكر في ما يدعى "المنزل السلبي" (Passive house). يتضمن هذا التصميم ميزات تقلل الأثر السلبي على البيئة. فكر في نوافذ أصغر، أو مساحة للألواح الشمسية أو حدائق على السطح، حيث تتغذى النباتات من الأمطار المتساقطة وتعوض تغذيتها انبعاثات الكربون. سيرتان ساندرسن/ ريم ضوا.