استراتيجية ألمانيا للأمن القومي.. مواجهة شاملة للتهديدات
١٥ يونيو ٢٠٢٣
كيف سترد ألمانيا على التهديدات والمخاطر التي قد تتعرض لها مستقبلا على مختلف الصعد داخليا وخارجيا؟ هذا ما توضحه استراتيجية الأمن القومي التي أقرتها الحكومة بعد أشهر من النقاش والجدل حول مضمونها.
إعلان
الفكرة الأساسية لاستراتيجية الأمن القومي التي أقرتها الحكومة الألمانية لأول مرة في تاريخ البلاد، تقوم على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. فإلى جانب التهديدات العسكرية تتناول الاستراتيجية الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية ودرء مخاطر التغير المناخي.
وقد قدم المستشار أولاف شولتس في مؤتمر صحفي عقده في برلين يوم الأربعاء (14 يونيو/ حزيران 2023) مع أربعة من وزرائه، أول استراتيجية للأمن القومي في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والتي تقع في أكثر من 40 صفحة. والوزراء الأربعة هم: وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، وزيرة الداخلية نانسي فيزر، وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، ووزير المالية كريستيان ليندنر.
تحت رعاية وزارة الخارجية
بهذا الخصوص قال المستشار شولتس إن الأمر يتعلق بمجموعة كاملة من القضايا الأمنية، والوثيقة التي تم إعدادها تحت رعاية وزارة الخارجية تتضمن مبادئ توجيهية بهدف "تعزيز أمننا ضد التهديدات الخارجية"، كما تحلل البيئة الأمنية وتستمد منها "إجراءات محددة ومشاريع متابعة. ويلعب الهجوم الروسي على أوكرانيا دورا كبيرا في هذه الاستراتيجية، "ونقطة التحول" بعد الهجوم كانت عاملا حاسما.
وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، أيضا أشارت إلى الهجوم الروسي مؤكدة أن السلام والحرية لا يسقطان من السماء، وأوروبا أيضا معرضة للخطر. ويجب أن تستعد ألمانيا بشكل مختلف حين يتعلق الأمر بالأمن من خلال "التكامل".
وفي مجال الصمود أي القدرة على المقاومة يتعلق الأمر بالدفاع عن "نظامنا الأساسي الديمقراطي الحر ضد النفوذ الخارجي غير المشروع" بالإضافة إلى أنه ينبغي الحد من "التبعات الأحادية الجانب في مجال المواد الخام وإمدادات الطاقة" وتنويع مصادر التوريد.
أما بالنسبة للاستدامة فيتعلق الأمر بمكافحة تغير المناخ وبالتنوع البيولوجي وأزمة النظام البيئي، وتعزيز الأمن الغذائي العالمي والوقاية من الأوبئة العالمية، حسب ما جاء في وثيقة استراتيجية الأمن القومي.
كما تشير الاستراتيجية إلى وضع إرشادات مشتركة بين مختلف الإدارات لمواجهة جميع التحديات السياسية الأمنية، بالإضافة إلى التعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
تحديد الأهداف
حددت الحكومة في الاستراتيجية مجموعة أهداف، مثل ضرورة تعزيز الدفاع التكنولوجي على المستوى الأوروبي، وتعزيز مواجهة التجسس والتخريب والهجمات السيبرانية. بالإضافة إلى ضرورة تنسيق ضوابط تصدير السلاح على مستوى الاتحاد الأوروبي. كما يجب أخذ الوضع في الفضاء بعين الاعتبار
أيضا. "ومن خلال استراتيجية الأمن القومي تريد الحكومة الاتحادية كذلك تعزيز عملية التعاون على جميع المستويات الحكومية والقطاع الاقتصادي والمجتمع، من أجل أمن بلدنا، وبالتالي تعزيز ثقافة الاستراتيجية في ألمانيا" حسب ما أوضحته الحكومة. كما سيتم بشكل منتظم فحص التقدم الذي يتم إحرازه في مجال تطبيق الاستراتيجية.
الأمن السيبراني: تهديد البنى التحتية الحيوية
01:34
نقطة تحول في ألمانيا
إنها نقطة تحول بالنسبة لألمانيا التي اعتقدت لمدة طويلة نسبيا أنها آمنة: حيث كانت محمية من أمريكا وحلف الناتو، بعيدا عن تهديدات وجودية فعلية. وأضاف المستشار شولتس: إن الأمر لا يتعلق بسياسة الدفاع فقط، وإنما بمجموعة كاملة للأمن. ولكن واضح بالنسبة لشولتس أيضا أنه "بالنسبة إلينا يبقى الارتباط بالاتحاد الأوروبي والتحالف عبر الأطلسي أمرا مركزيا".
وأثناء مناقشة الاستراتيجية الأمنية بين شركاء الائتلاف الحكومي، كان هناك خلاف حول ما إذا كانت البلاد بحاجة إلى هياكل جديدة، مثل تشكيل مجلس للأمن القومي، على غرار كثير من الدول الأخرى، وهو ما أثار خلافا بين وزارة الخارجية وديوان المستشارية، فوزيرة الخارجية بيربوك كانت متخوفة من أن يكون مقر هذا المجلس في ديوان المستشارية، ويقلص من صلاحياتها. وهكذا تم التخلي عن فكرة تشكيل المجلس.
لكن الواضح أيضا أنه وبسبب الوضع الأمني المتوتر، سيتم تغيير بعض الأولويات في الميزانية. وفي هذا السياق قال وزير المالية كريستيان ليندنر إن ألمانيا ولعقود عديدة "عاشت على مكاسب السلام". وهذا يعني أنه ساد الاعتقاد بأنه لا لزوم للاهتمام كثيرا بمسألة الدفاع. وأضاف وزير المالية في برلين أثناء تقديم الاستراتيجية "هذا يعني أن الحصص في الميزانية ستتغير بشكل مستدام".
والمؤكد هو أن استراتيجية الأمن القومي هي بالدرجة الأولى إعلان نوايا، لكن ما تعترف به ألمانيا على الأقل، هو أن الأمور قد تغيرت بشكل جذري.
سوزانه آيكندورفر/ ينس توران/ ع.ج
"مواطنو الرايخ".. متطرفون ألمان يخططون لإسقاط الدولة
يُعرف عن أعضاء حركة "مواطني الرايخ" التطرف اليميني والعنف وعدم الاعتراف بجمهورية ألمانيا الاتحادية التي تأسست بعد انهيار النازية. فما هي هذه الحركة؟ وما الخطر الذي تشكله؟ وكيف تتعامل معهم ألمانيا؟
صورة من: picture-alliance/chromorange/C. Ohde
ماذا يعتقد أعضاء الحركة؟
ترفض حركة "مواطني الرايخ" وجود شيء اسمه الدولة الألمانية الحديثة، ويصرّ أعضاء الحركة على أن الامبراطورية الألمانية لا تزال قائمة بحدود 1937 أو حتى بحدود 1871. تقول الحركة إن ألمانيا حاليا لا تزال محتلة من لدن القوى الأجنبية، وأن البرلمان والحكومة وكذلك السلطات الأمنية، ليست سوى دمى متحكم فيها من تلك القوى.
صورة من: picture-alliance/SULUPRESS/MV
فولفغانغ إبل.. أول "مواطني الرايخ"
فولفغانغ إبل من برلين الغربية هو أول من قال باستمرار وجود "دولة الرايخ". عمل إبل في خدمة القطارات المحلية ببرلين التي أدارتها آنذاك حكومة ألمانيا الشرقية تحت اسم "دويتشه رايشسبان". وعند تسريحه من وظيفته عام 1980، زعم بأنه كان موظفا حكوميا بالفعل في "دولة الرايخ" ولا يمكن إقالته من قبل مؤسسة قامت بعد الحرب. لكنه خسر كل الدعاوى القضائية التي رفعها ليتبنى بعد ذلك نظريات متطرفة وعنصرية.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Ebener
ماذا يفعل أعضاؤها؟
يرفض المنتسبون للحركة أداء الضرائب أو الغرامات. يعتبرون أن كل ما يجنونه مالهم الخاص وأن ممتلكاتهم كالمنازل هي أمور بعيدة تماما عن أيّ تنظيم أو إشراف من سلطات الدولة. يرفض أعضاؤها كذلك الإقرار بالدستور الألماني وبقية القوانين الموجودة في البلد، لكنهم في الآن ذاته يرفعون عدة دعاوى قضائية! يقومون بإعداد أوراقهم الخاصة غير المعترف بها كجوازات السفر ورخص القيادة.
صورة من: picture-alliance/Bildagentur-online/Ohde
كيف تطوّرت الحركة؟
بدأت الحركة سنوات الثمانينيات، لكن ما بدا أنه مجموعة ضعيفة دون قيادة، تطوّر إلى حركة من حوالي 19 ألف منتسب بحسب ما تؤكده الاستخبارات الألمانية. حوالي 950 من أعضائها تم تصنيفهم متطرفين من أقصى اليمين. على الأقل ألف عضو في الحركة يملكون رخص حيازة السلاح، وعدد كبير منهم يتبنون إيديولوجيات معادية للسامية وللأجانب.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Weihrauch
ما هي سمات أعضائها؟
يبلغ معدل أعمار أعضاء المجموعة 50 عاما. الرجال هم الجنس الأكثر حضورا داخلها. كما تجذب أشخاصًا يعانون من مشاكل مالية واجتماعية. يترّكز أعضاؤها بشكل أكبر في جنوبي وكذلك شرقي البلاد. من أشهر أسمائها، أدريان أرساخي، متوج سابق بلقب أكثر رجال ألمانيا وسامة. يقضي حاليا عقوبة بسبع سنوات، منذ الحكم عليه عام 2019 بعد إطلاقه النار وتسبّبه بجروح لرجل شرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa/H. Schmidt
المنعطف الخطير
تُعتبر قضية فولفغانغ ب. ، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2017 بعد إدانته بقتل ضابط شرطة، هي المنعطف الذي دفع السلطات الألمانية إلى التعامل بشكل أكثر جدية مع متطرّفي هذه المجموعة. قام هذا المُدان بإطلاق النار على ضباط كانوا يفتشّون منزله بحثًا عن إمكانية حيازته أسلحة نارية. أحدثت الجريمة ضجة كبيرة وجذبت أنظار العالم كما طرقت ناقوس الخطر حول العنف اليميني المتطرف في ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
جهود متأخرة
يتهم متتبعون ألمانيا بأنها لم تأخذ لمدة طويلة التهديد الذي تمثله هذه المنظمة على محمل الجد، ففي 2017 فقط بدأت الأجهزة الأمنية الألمانية لأول مرة بتوثيق الجرائم ذات الخلفية المتطرفة بين المجموعة. منذ ذلك الحين، تكرّرت المداهمات الأمنية لأهداف الحركة، كما قامت السلطات بحظر العديد من أنشطتها وفروعها. كذلك حقق جهازا الشرطة والجيش داخلياً لمعرفة إذا ما وُجد أعضاء أو متعاطفون مع الحركة بين صفوفهما.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Zinken
"إخوة" عبر العالم
رغم إعلان تشبثها بـ"الامبراطورية الألمانية"، إلّا أن عددا من أعضائها ظهروا مع العلم الروسي، ما قوّى اتهامات للحركة بأنها مدعومة من روسيا لأهداف تضرّ بالسلطات الألمانية. هناك تشابه بين "مواطني الرايخ" والحركة الأمريكية "حرية على الأرض" التي يؤمن أعضاؤها أنهم لا يحترمون إلّا القوانين التي تناسبهم بها وبالتالي فهم مستقلون عن الحكومة وقوانينها.
صورة من: DW/D. Vachedin
الأمير هاينريش الثالث عشر.. قائد المؤامرة
تزعم الأمير هاينريش الثالث عشر مجموعة "مواطني الرايخ" المتهمة بتدبير مؤامرة الانقلاب التي كشفت عنها السلطات مؤخرا. كان هاينريش قد خسر كل القضايا التي رفعها لاستعادة ممتلكات تعود لحقبة القيصر. وزعم بعد ذلك أن جمهورية ألمانيا الاتحادية قامت على أسس غير صحيحة، مرددا عبارات معادية للسامية وروج لإحياء الإمبراطورية وزعم أنه جرى تفكيكها ضد رغبة الشعب. إعداد: سامانثا إيرلي، رينا غولدينبرغ (ترجمة إ.ع/ م.ع)