تدعي إيران أن ليست لها أي علاقة مع هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت السعودية، غير أن المراقبين يرون أنها تنتهج استراتيجية واضحة المعالم تقوم على زيادة التصعيد ضد سياسة "الضغط الأقصى" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إعلان
أكدت السعودية أن إيران تقف "بلا شك" وراء الهجمات على منشآتها النفطية، وأظهرت تحقيقاتها أن الصواريخ المستعملة في تلك الهجمات لم يكن من الممكن إطلاقها من جنوب غرب اليمن، ولكنها جاءت على الأرجح من الشمال. وألقت الولايات المتحدة بدورها باللوم على إيران في الهجمات، ومع ذلك، لم يتم تقديمأي دليل واضح لحد الآن على تورط الجمهورية الإسلامية.
الهجمات أدت إلى خفض إنتاج النفط السعودي مؤقتًا إلى النصف، فيما أعلن المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران عن مسؤوليتهم المباشرة، وهم الذين يقاتلون القوات السعودية منذ عام 2014، في حرب أدت لسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.
"سعي لرسم الخطوط الحمراء"
بعثت طهران رسالة دبلوماسية إلى الولايات المتحدة نفت فيها أي دور لها في الهجمات، وحذرت من أي تحرّك ضدها. وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إن المذكرة الرسمية أُرسلت عبر السفارة السويسرية التي تمثّل مصالح الولايات المتحدة في طهران، "شددت على أن إيران لم تلعب أي دور في هذا الهجوم وتنفي وتدين" الاتهامات الأميركية في هذا الصدد. وشددت الرسالة "على أن أي تحرّك ضد إيران، سيواجه برد فوري ولن يقتصر على مجرّد التهديد".
هذه هي "استراتيجية إيران بالتحديد: إذا تعرضت إيران لهجوم عسكري، فسوف تجر المنطقة بأسرها إلى حرب بعيدة المدى، إذ تسعى طهران لزيادة تكلفة النزاع بين الولايات المتحدة وحلفائها، من جهة، وإيران من جهة أخرى". على حد تعبير فرزانة روستائي الصحافية والخبيرة في الشؤون العسكرية في حوار مع DW. ولا تعتقد روستائي أن إيران "لا علاقة لها بالهجوم على المنشآت النفطية السعودية". "هناك افتراض بأن إيران تحاول استخدام الحوثيين أو ميليشيات شيعية أخرى لإظهار الحدود (التي لا يجوز انتهاكها) من قبل الولايات المتحدة".
ترامب يناقض ترامب والسبب أرامكو! #مسائية_DW
01:35
يذكر أن الولايات المتحدة انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/ أيار 2018. وفرضت مجموعة من العقوبات الشاملة على البلاد كجزء من استراتيجيتها المسماة بـ"الضغط الأقصى" وفقا لتعبير الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى لإجبار إيران على إبرام اتفاق جديد وشامل يشمل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.
"وصمة عار كبير للسعودية"
تدعم السعودية السياسة الأمريكية في المنطقة، وهي الحليف الرئيسي لواشنطن في الخليج، والمنافس الإقليمي الرئيسي لإيران. هناك صراع محموم وخطير على الهيمنة والنفوذ بين القوتين الإقليميتين في الشرق الأوسط. غير أن إيران لا تستطيع استيراد الأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015، فيما تعتبر السعودية إحدى الدول الأكثر إنفاقا على السلاح في العالم.
ويرى ميشائيل لودرز، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط في مقابلة مع DW أن "السعودية هي أهم مشترٍ للأسلحة الأمريكية، حيث تخصص 10 في المائة من جميع صادرات الأسلحة الأمريكية للمملكة". واستطرد موضحا "مع ذلك، هناك عدد قليل من الطائرات بدون طيار البسيطة نسبيا، تكفي لإيقاف أجزاء واسعة من صناعة النفط بالبلاد، ما يعتبر وصمة عار هائلة للسعودية". أما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فرأى في الهجوم على بلاده "اختبارا حقيقيا للإرادة الدولية في مواجهة الأعمال التخريبية".
السعودية ـ أزمات دبلوماسية متلاحقة في عهد ولي العهد الطموح
تزداد حدة الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا بشكل غير مسبوق، غير أن هذه الأزمة ليست الأولى، إذ شهدت الرياض منذ تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد أزمات دبلوماسية مع دول بينها ألمانيا بسبب ملفات أبرزها ملف حقوق الإنسان.
صورة من: picture-alliance/dpa/SPA
الأزمة بين مونتريال والرياض
االأزمة بين السعودية وكندا هي أحدث الأزمات الدبلوماسية في عهد محمد بن سلمان والتي بدأت بسبب انتقادات وجهتها السفارة الكندية للمملكة بشأن حقوق الإنسان، وذلك على خلفية اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي. الأمر الذي اعتبرته السعودية تدخلاً في شؤونها الداخلية واتخذت قرارات تصعيدية تجاه كندا مست الطلاب السعوديين الدراسين هناك والمرضى والرحلات الجوية.
صورة من: picture alliance/AP/G. Robins/The Canadian Press
سحب السفير السعودي من برلين
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2017، استدعت السعودية سفيرها في برلين، عندما انتقد وزير الخارجية آنذاك زيغمار غابريل السياسة الخارجية السعودية تجاه كل من لبنان واليمن. وبعدها قامت الرياض بسحب سفيرها من ألمانيا، ولم يتم إرجاعه لحد الآن، بالرغم من إبداء الحكومة الألمانية حينها رغبتها في عودة السفير السعودي إلى برلين، كما عبّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية عن أملها في العمل على تحسين علاقات الجانبين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
الأزمة مع قطر بتهمة دعم الإرهاب
بدأت الأزمة مع قطر قبل أكثر من عام عندما أطلقت فضائيات ومواقع إماراتية وسعودية هجوماً كاسحاً على الدوحة متهمة إياها بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة ودعم جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها مصر والسعودية والإمارات والبحرين تنظيماً إرهابياً. على إثر ذلك قطعت الدول الأربعة علاقاتها مع قطر في الخامس من حزيران/ يونيو 2017، وشنت حملة حصار عليها لاتزال مستمرة. من جهتها نفت قطر دعم أي تنظيم متطرف.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/O. Faisal
الخلاف مع لبنان بسبب الحريري
الأزمة مع لبنان بدأت إثر اعلان رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته المفاجئة من الرياض، وظهر التصعيد بعد إقرار الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بتعرض رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للاحتجاز هناك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ما أدى إلى نشوب توتر في العلاقات بين البلدين. من جهته نفى الحريري والرياض احتجازه في السعودية رغما عنه. وبعد تدخل دولي شارك فيه ماكرون غادر الحريري المملكة وعدل عن استقالته.
صورة من: picture-alliance/ MAXPPP/ Z. Kamil
بين طهران والرياض أكثر من خلاف
الأزمة السعودية مع إيران وصلت إلى أشدها بعد أن قام محتجون في طهران باقتحام مبنى السفارة السعودية احتجاجاً على قيام المملكة بإعدام الزعيم الشيعي البارز نمر باقر النمر . ويذكر أنه قد تم اضرام النار في أجزاء من مبنى السفارة وتدمير أجزاء أخرى في الهجوم عليها، وهو الأمر الذي أدى إلى القبض على خمسين شخصاً من جانب السلطات الإيرانية، ودفع السعودية مطلع عام 2016 إلى قطع علاقاتها مع إيران.
صورة من: Reuters/M. Ghasemi
تركيا والخلاف حول زعامة العالم الإسلامي
بالرغم من تاريخ العلاقات التركية السعودية التي تميزت في كثير من الأحيان بتعاون اقتصادي وتعاون عسكري، إلا أن تصريحات بن سلمان بشأن تركيا كشفت النقاب عن خلافات جوهرية بين البلدين. ومما جاء في هذه التصريحات أنه "يوجد ثالوث من الشر، يضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية". كما أوضح أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة ".
الخلاف مع مصر تسبب بعقوبة نفطية
قبل تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد، عرفت العلاقات السعودية المصرية توتراً منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وذلك عقب تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي لم يتم تمريره متعلق بمدينة حلب. كما وقعت مصر والمملكة اتفاقية تؤول بموجبها ملكية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر إلى الرياض، تبعتها احتجاجات مصرية. وكان الرد السعودي وقف تزويد القاهرة بشحنات شهرية من منتجات بترولية.
صورة من: picture-alliance/AA/Egypt Presidency
السويد تتهم الرياض بأساليب القرون الوسطى
في آذار/ مارس 2015 استدعت الرياض سفيرها في ستوكهولم بسبب انتقادات وجهتها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وخصت بالذكر منها القيود المفروضة على النساء ووصف حكم القضاء السعودي بجلد المدون السعودي المعارض رائف بدوي بأنه من "أساليب القرون الوسطى". إعداد: إيمان ملوك
صورة من: Reuters/TT News Agency/Annika AF Klercker
8 صورة1 | 8
ضغوط داخلية وخارجية ضد إيران
تتعرض إيران لضغوط هائلة بفعل العقوبات الأمريكية، فيما تشهد البلاد احتجاجات جديدة ويومية تقريبًا تسحقها قوات الأمن بوحشية، كما حدث يوم (الاثنين 16 سبتمبر/ أيلول 2019) في مدينة أراك غرب البلاد حيث تظاهر مئات العمال في شركة إنتاج المعدات الثقيلة (HEPCO) لأنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ يونيو/ حزيران. وبات الإفلاس يهدد أكبر شركة مصنعة للآلات الثقيلة في الشرق الأوسط.
الضغوط تتزايد من الخارج أيضا ولها عواقب متعددة الأبعاد، كما توضح إيلي غيرانمايه، خبيرة الشؤون الإيرانية في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR): لقد وصلت " إيران إلى نهاية صبرها الاستراتيجي". فقد كانت تأمل أن يضع الأوروبيون والصينيون حزمة اقتصادية من أجلها، ما كان سيتيح لها إمكانية انتظار الانتخابات الأمريكية المقبلة على أمل أن يفوز بها معسكر الديمقراطيين، كما تقول غيرانمايه.
وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى تقف إيران فعليًا وراء الهجمات ضد السعودية، فقد أصبحت قدراتها العسكرية "غير المتماثلة" واضحة للعيان، توازيها الهشاشة الأمنية لإمدادات النفط العالمية. وهذا ما يضع طهران في قلب أجندة اهتمامات المجتمع الدولي. ويبدو أن الجمهورية الإسلامية ستواصل التشبث باستراتيجيتها هذه إلى غاية تحقيق هدفها الحيوي وهو رفع الحظر النفطي الذي تفرضه واشنطن.