"استراتيجية بوش الجديدة في العراق استمرار لسياسة الفشل"
١١ يناير ٢٠٠٧قدم الرئيس الأمريكي جورج بوش استراتيجيته الجديدة من اجل الخروج من الورطة العراقية التي بدأت تداعياتها تضغط على الإدارة الأمريكية بقوة. ورغم انه دعا إلى مد يد العون لما أسماه ديمقراطية وليدة تكافح من اجل البقاء هناك، فقد اعترف بخطأ إدارته في عدم إشراك عدد اكبر من القوات في الحرب التي شنتها على العراق مطلع عام 2003.
ويحاول بوش في الاستراتيجية الجديدة تصحيح بعض أخطاء الماضي من خلال إرسال قرابة 21500 جندي أمريكي أضافي بهدف دعم العمليات القتالية وإحلال الأمن في بغداد والمناطق المحيطة بها، حيث تشكل نسبة العنف 80 بالمئة من مجمل أعمال العنف الدموية في العراق. وأثار إعلان بوش عن استراتيجيته الجديدة ردود فعل متباينة. ففي حين أثنى عليها بعض حلفاءه القلائل كأستراليا وبريطانيا، اعتبرتها سورية على لسان وزير خارجيتها بمثابة صب الزيت على النار.
هل تأتي هذه الخطوة متأخرة بعض الشيء؟
وتعتقد مارغريت يوهانسن من معهد بحوث السلام والسياسة الأمنية التابع لجامعة هامبورغ في لقاء مع موقع دويتشه فيلله ان الجديد في الخطة هو اشتمالها على جوانب سياسية واقتصادية وعسكرية، معتبرة ان تطبيق الجانب العسكري منها لا يمكن ان يغير من الوضع في العراق. وتؤيدها في هذا الرأي نورا بينشال من مؤسسة "البحث والتنمية" الأمريكية. وذكرت بينشال في مقابلة مع قناة التلفزيون الألمانية الأولى ان مهمة القوات الإضافية تتعلق بتوفير الأمن في مدينة كبيرة مثل بغداد يسكنها قرابة 6 ملايين نسمة، وهذا يعني انه سيخصص جندي لكل 50 مدني، في حالة تمركز جميع القوات الأمريكية البالغ عددها 130 الف جندي في العاصمة العراقية وحدها.
غير ان تنفيذ تصور كهذا يصطدم بحقيقة ان الواقع على الأرض يحتم على هذه القوات الانتشار في مناطق أخرى من العراق تعاني هي الأخرى من تدهور الأوضاع الأمنية فيها. وتذكّر زيادة القوات الأمريكية في العراق بآراء بعض مساعدي بوش في فترة التخطيط لشن هذه الحرب مطلع 2003، فقد أبدى هؤلاء يومها تحفظاتهم على قلة حجم القوات مقارنة بمهامها المتمثلة بإسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين، وضبط الأمن في بلد أضحى اليوم مهدداً بحرب أهلية. ففي حرب الخليج الأولى عام 1991 أرسلت إدارة بوش الأب نصف مليون جندي إضافة إلى قوات التحالف الدولي آنذاك، الأمر الذي جعل من هذه الحرب قصيرة وفاعلة في طرد القوات العراقية وهزيمتها دون تقديم كم هائل من الخسائر مقارنة بالوضع الحالي. الجدير بالذكر ان عدد جنود الجيش الأمريكي يبلغ اليوم 1.2 مليون جندي، منهم 400 الف في الخدمة الفعلية، في حين يشكل العدد الباقي القوات الاحتياطية.
عقبة رفض الديمقراطيين
ومن العوائق الأخرى التي تعيق تنفيذ استراتيجية بوش الجديدة موقف الديمقراطيين منها. ولا تعد سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس الأمريكي إشارة إلى قوة شوكتهم فحسب، بل على نقطة قوة في التأثير على سياسة الرئيس الأمريكي المتعلقة بالعراق كذلك. ويبدو ان أول نتائج هذا التأثير تمثلت في إسقاط بعض المحافظين الجدد الذين أيدوا بوش في حربه على العراق، وفي مقدمتهم وزير الدفاع السابق رامسفيلد. وفي هذا السياق تقول مارغريت يوهانسن انه ليس للكونغرس تأثير مباشر على العمليات العسكرية في العراق، وإنما على قضايا أخرى مثل تحديد حجم النفقات التي ينبغي تخصيصها لتمويلها. من جانب آخر ترى يوهانسن ان خطة بوش الجديدة تأخذ بعين الاعتبار بعض مطالب الديمقراطيين، التي تضمنها تقرير بيكر-هاملتون. وطالما ان هذا التقرير لم يتحدث عن حجم القوات ولم يحدد موعد انسحابها، فان الديمقراطيين لن يضعوا الشوك في طريق الرئيس جورج بوش، كما تقول يوهانسن.
انقسام النخب السياسية في ألمانيا حول الخطة
وفي سياق ردود الفعل على استراتيجية بوش الجديدة فإن النخبة السياسية الحاكمة في المانيا انقسمت في تقييم فرص نجاحها. فمن جانب اعتبر اندرياس شوكنهوف رئيس كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني الفكرة المتمثلة في زيادة عدد القوات في العراق بأنها صحيحة. غير أن خبير السياسة الخارجية في الكتلة ايكرت فون كليدن رأى بأن الاستراتيجية جاءت مخيبة لآمال الكثيرين، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار إشراك دول جوار العراق في محاولات إعادة الأمن هناك. وفي هذا السياق يعتقد الخبير في الحزب الاشتراكي الديمقراطي غيرت فايسكيرشن بأن إرسال قوات إضافية خطوة خاطئة على طريق إحلال الأمن في العراق. وأضاف في مقابلة مع وكالة رويترز ان خطة بوش لا تشكل سوى استمرار لنهجه الفاشل في العراق.
الجدير ذكره أن الحكومة الألمانية ما زالت تراهن منذ اشهر على اجراء اتصالات مباشرة مع سوريا وإيران، على أساس أنهما تتمتعان بدور أساسي في أية تسوية سياسية محتملة لقضايا منطقة الشرق الأوسط. ورغم انقسام الآراء حيال استراتيجية بوش فأن الكثير من الخبراء الألمان رحبوا ببعض نقاطها المتعلقة بضرورة النهوض بالبنية المدنية الأساسية في العراق.
عماد م. غانم