تعيد استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمن القومي رسم ملامح سياسة واشنطن الخارجية: إبراز الصين كخصم، والإشارة إلى تراجع دور أوروبا، وتزايد الاهتمام بأمريكا اللاتينية، مع تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط.
تراجع اهتمام واشنطن بأوروبا خلال عهد دونالد ترامبصورة من: picture alliance/Newscom/DANIEL TOROK
إعلان
رأت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس اليوم السبت (السادس من ديسمبر/كانون الأول 2025) أن الولايات المتحدة ما زالت الحليف الأكبر لأوروبا، وذلك غداة نشر واشنطن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة التي انتقدت المؤسسات الأوروبية.
وقالت كالاس في منتدى الدوحة ردا على سؤال حول الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة "طبعا هناك الكثير من الانتقادات، لكن أعتقد أن بعضها صحيح"، مضيفة "الولايات المتحدة ما زالت حليفنا الأكبر... لا نتفق دوما على مسائل مختلفة لكن المنطق هو عينه. ونحن أكبر الحلفاء وينبغي أن نبقى متحدين".
تشير استراتيجية ترامب للأمن القومي إلى تراجع حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي وهو أمر ناجم إلى حد كبير عن صعود الصين وغيرها من القوى.صورة من: Andrew Harnik/Getty Images
"أمريكا أولا"
وكان ترامب قد عرض الجمعة استراتيجية تقوم على تحوّل جذري في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
إعلان
يصدر الرؤساء الأمريكيون عادة "استراتيجية للأمن القومي" في كل ولاية لهم في البيت الأبيض. ومنحت الأخيرة التي نشرها جو بايدن في 2022 أولوية للتفوّق في المنافسة مع الصين مع كبح جماح روسيا التي وُصفت بأنها "خطيرة".
وبناء على وثيقة الأمن القومي لرئاسة ترامب الثانية والتي تحدد رؤية خارجة عن المألوف للعالم، تتصدّر أمريكا اللاتينية أجندة الولايات المتحدة في تحوّل جذري عن دعوتها تاريخيا للتركيز على آسيا في مواجهة صعود الصين، مع تسجيل تراجع كبير في اهتمام الإدارة الحالية بالشرق الأوسط.
والوثيقة أحدث وأوضح تعبير عن رغبة ترامب في زعزعة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي قادته الولايات المتحدة والمبني على شبكة من التحالفات والمجموعات متعددة الأطراف وإعادة تعريفه من خلال منظور "أمريكا أولا". وتقول الوثيقة المكونة من 29 صفحة إن سياسة ترامب مدفوعة "قبل كل شيء بما يصلح لأمريكا".
قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن الولايات المتحدة "ما زالت حليفنا الأكبر".صورة من: Nicolas Tucat/AFP
"مبدأ مونررو"
وتظهر الاستراتيجية ترامب على أنه يعمل على تحديث "مبدأ مونرو" القائم منذ قرنين والذي أعلنت في إطاره الولايات المتحدة التي كانت حديثة العهد حينذاك أن أميركا اللاتينية منطقة محظورة على القوى المنافسة.
وتنص الاستراتيجية "سنُعلن ونطبِّق مُلحق ترامب على مبدأ مونررو". وقال ترامب في تمهيد للوثيقة المنتظرة منذ مدة طويلة، "في كل ما نفعله، نضع أمريكا أولا".
وفي قطيعة مع عقود من المساعي الرامية إلى الانفراد بموقع القوة العظمى، تؤكد الاستراتيجية أن "الولايات المتحدة ترفض أن تنتهج بنفسها المبدأ المشؤوم للهيمنة على العالم".
تراجع حصة أوروبا والصين الخصم
وإن كانت تشير إلى أن الولايات المتحدة ستمنع قوى أخرى، لا سيما الصين، من الهيمنة أيضا، فهي تؤكد أن "ذلك لا يعني هدر الدماء والأموال للحد من نفوذ جميع قوى العالم العظمى والمتوسطة".
وفي لغة غير مألوفة عند مخاطبة حلفاء مقرّبين، تشير الاستراتيجية إلى أن الإدارة الأمريكية ستعمل على "تنمية المقاومة لمسار أوروبا الراهن داخل البلدان الأوروبية نفسها".
وتشير الاستراتيجية إلى تراجع حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي، وهو أمر ناجم إلى حد كبير عن صعود الصينوغيرها من القوى. وتقول إن "التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمال حقيقي وأكثر وضوحا يتمثل بالمحو الحضاري.. إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يعود من الممكن التعرّف على القارة في غضون عشرين عاما أو أقل".
وبعد تكهّنات عديدة بشأن ما سيكون عليه موقف ترامب من تايوان التي تطالب بها بكين، توضح الاستراتيجية أن الولايات المتحدة تؤيد الوضع القائم منذ عقود لكنها تدعو حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية للمساهمة أكثر لضمان قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها أمام الصين.
وجاء الرد الألماني سريعا، إذ شددت ألمانيا على أنها ليست بحاجة إلى من يعطيها "نصائح من الخارج". وشدد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول على أن بلاده لا تحتاج إلى "نصائح من الخارج"، مضيفا "أعتقد بأن قضايا حرية التعبير أو تنظيم مجتمعاتنا الحرة لا مكان له (في الاستراتيجية)، على الأقل في ما يتعلق بألمانيا".
تولي استراتيجية دونالد ترامب اهتماما أقل بالشرق الأوسط رغم أنها المنطقة التي لطالما شغلت واشنطن.صورة من: Evan Vucci/AP Photo/picture alliance
الشرق الأوسط...التركيزالأمريكي "سيتراجع"
في المقابل، تولي الاستراتيجية اهتماما أقل بالشرق الأوسط، المنطقة التي لطالما شغلت واشنطن. وفي إشارة إلى الجهود الأمريكية لزيادة إمدادات الطاقة في الداخل وليس من الخليج، تنص الاستراتيجية على أن "هدف أمريكا التاريخي للتركيز على الشرق الأوسط سيتراجع".
وكما هو متوقع، تركّز الاستراتيجية بدرجة أقل على إفريقيا، قائلة إن على الولايات المتحدة الابتعاد عن "الفكر الليبرالي" و"العلاقة القائمة على المساعدات" والتأكيد على أهداف على غرار تأمين المعادن الحيوية.
ترامب في ولايته الثانية.. قرارات صادمة وتصريحات غير دبلوماسية
هذه هي الولاية الثانية لدونالد ترامب، لكنه عازم على أن تكون فارقة في تاريخ بلاده، مجموعة من القرارات المثيرة للجدل، بلغت حد خلق صراع مع حلفائه و"انتهاك" مسلمات في السياسة الداخلية والخارجية لبلاده.
صورة من: Brendan Smialowski/AFP
ريفييرا "الشرق الأوسط"
خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بداية فبراير/شباط، أعلن ترامب عن رؤيته "المذهلة" لقطاع غزّة المدمر نتيجة الحرب. خطة ترامب تقضي بـ"السيطرة" على القطاع الفلسطيني وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". فاجأت هذه التصريحات الصحافيين الحاضرين وأثارت موجة غضب دولية وعربية، خصوصا أن ترامب طالب بتهجير الفلسطينيين قسريا إلى أماكن أخرى.
صورة من: Chip Somodevilla/Getty Images
حرب تجارية شاملة
أعلن ترامب عن حرب تجارية شاملة، وقودها رسوم جمركية، قام بفرضها على الكثير من الدول، ما أثار انتقادات كبيرة خصوصا من الحلفاء الأوروبيين، بينما كانت التداعيات أكبر مع الصين التي أعلنت بدورها عن إجراءات ضد المنتجات الأمريكية. لكن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل تباهى بأنّ عشرات الدول اتصلت "تقبل مؤخرته" على حد تعبيره، طالبة التفاوض.
صورة من: Nathan Howard/REUTERS
مهاجمة القيادة الأوكرانية
من أكبر المشاهد إثارة للجدل، مشهد التنابز اللفظي بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حين شن الرئيس الأمريكي ونائبه جاي دي فانس هجوما لاذعا على زيلينسكي خلال اجتماع انتشرت مشاهده على نطاق واسع، إذ طالباه أن يكون أكثر امتنانا لدور أمريكا في الحرب مع روسيا وخصوصا توفير الأسلحة، كما اتهماه أنه لا يريد مفاوضات سلام جادة. وتعاطف الكثيرون مع زيلينسكي، وخاصة في أوروبا.
صورة من: Saul Loeb/AFP/Getty Images
تناغم وتقارب مع بوتين
في الوقت نفسه، انخرط ترامب في محادثات مع موسكو، متجاوزا الأوروبيين، وأجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي "لطاما كانت تربطه به علاقة جيدة" والذي يعتبره "ذكيا". وأكد ترامب على استمرار الاتصالات مع بوتين، وتحدث عنه بكثير من الإيجابية عكس سلفه جو بايدن، وظهر ترامب باحثا عن خطب ود بوتين بأي طريقة.
صورة من: Maxim Shipenkov/Alex Brandon/AP Photo
مهاجمة الاتحاد الأوروبي
من جانب آخر، هاجم ترامب مراراً الاتحاد الأوروبي، وقال إن سبب إنشائه هو "استغلال" الولايات المتحدة، متّهما الأوروبيين بأنهم "انتهازيون"، كما دعاهم إلى استثمار 5% من ناتجهم الاقتصادي في الدفاع في المستقبل. أدت هجومات ترامب المتكررة إلى حذر كبير وسط الأوروبيين الذين أكد عدد من قادتهم عن ضرورة التفكير في علاقة مختلفة مع الولايات المتحدة.
صورة من: Spencer Platt/Getty Images
طموح توسعي
أعلن ترامب مرارا رغبته في جعل كندا "الولاية الأمريكيّة الحادية والخمسين"، واصفا الحدود مع الجارة الشماليّة للولايات المتحدة بأنها "خطّ مصطنع"، ما خلق أزمة بينه وبين كندا. ولم يتوقّف الرئيس الأمريكي عند هذا الحدّ، بل قال أيضا "نحن بحاجة" إلى غرينلاند التابعة للسيادة النرويجية، كما أعلن أنه يرغب باستعادة قناة بنما.
صورة من: Alex Brandon/AP/picture alliance
سياسة هجرة صارمة
باشر ترامب تنفيذ سياسة صارمة للغاية لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وطرد أكثر من 200 شخص إلى سجن شديد الحراسة في السلفادور، وشن حربا ضد عصابات المخدرات المكسيكية التي وصفها بأنها منظمات إرهابية أجنبية، لكن ترامب واجه أحكاما قضائية وقفت ضد عددا من مخططاته ومن ذلك تشديد الهجرة.
صورة من: Alex Brandon/AP/dpa/picture alliance
الانسحاب من معاهدات وهيئات دولية
مباشرة بعد بدء فترته الرئاسية، سحب ترامب بلاده من منظمة الصحة العالمية التي سبق أن وجه لها انتقادات كبيرة بسبب طريقة مواجهتها لفيروس كورونا، وأعلن عن عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدارها أمر قبض على نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، بسبب رفضه انخراط بلاده في سياسة خفض الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ.
صورة من: Thomas Müller/dpa/picture alliance
العفو عن مثيري الشغب في الكونغرس
كما قام ترامب بالعفو عن مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في مطلع العام 2021 احتجاجا على عدم انتخابه، كما أقر الرئيس الأمريكي تخفيضات هائلة في ميزانية المساعدات الخارجية، بذريعة مكافحة الهدر والبرامج التي تعزز التنوع والمساواة والشمول، ومن ذلك وقف المساعدات الموجهة إلى بلدان فقيرة كاليمن وأفغانستان.
صورة من: Roberto Schmidt/AFP/Getty Images
مناهضة الأقليات الجنسية
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بـ"وضع حدّ لـ"جنون التحوّل الجنسي". وأعلن في حفل تنصيبه أنه "اعتبارا من هذا اليوم ستكون السياسة الرسميّة لحكومة الولايات المتحدة الاعتراف بوجود جنسَين فقط؛ الذكر والأنثى". ووقّع لاحقا أوامر تنفيذيّة تمنع المتحوّلين جنسيا من الخدمة في الجيش أو ممارسة الرياضات النسائيّة.
صورة من: Andrew Caballero-Reynolds/AFP
مواجهة داعمي الفلسطينيين
دخلت إدارة ترامب في نزاع مع بعض الجامعات الكبري مثل هارفارد موجهة اتهامات لها بالتساهل مع "معاداة السامية" لسماحها بإقامة تظاهرات في الأحرام الجامعية، تنتقد إسرائيل على خلفية حرب غزة، وبدأت إجراءات ترحيل طلبة فلسطينيين أو مؤيدين للفلسطينيين للتهم ذاتها، وتعد قضية محمود خليل ومحسن مهداوي من أبرز هذه القضايا، إذ استندت واشطنن على بند قانوني غامض يتيح ترحيل من "يهددون السياسة الخارجية الأمريكية".
صورة من: Ben Curtis/AP/dpa/picture alliance
تقليض حجم القطاع الحكومي
أوكل ترامب لصديقه الميلياردير إيلون ماسك الإشراف على هيئة مستحدثة مهمتها خفض التكاليف الفدرالية وتقليص حجم القطاع الحكومي. من أكبر ضحايا هذه السياسة كانت مؤسسات إعلامية كمؤسسة "صوت أمريكا" وشبكة "الشرق الأوسط للإرسال" التي سرحت جل موظفيها، ما أثار مخاوف كبيرة من استغلال روسيا والصين للوضع بحكم أن هذه المؤسسات موجهة للخارج.