1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

استعراض النفوذ الإيراني في لبنان يثير قلق الغرب والعرب

١٤ أكتوبر ٢٠١٠

تأتي زيارة الرئيس الإيراني للبنان في سياق دقيق رأى فيه مراقبون استعراضا لتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة كما عبر عن ذلك الدكتور مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتجية في حوار خاص مع دويتشه فيله

تنامي النفوذ الإيراني في لبنان يقلق العواصم الغربية والدول العربية المعتدلة.صورة من: AP

دويتشه فيله: لماذا كل هذا الضجيج حول زيارة أحمدي نجاد للبنان ولماذا لا يمكن النظر إليها كزيارة تقليدية عادية يقوم بها رئيس دولة إلى بلد آخر؟

الدكتور مصطفى اللباد: لإيران تحالفات كبيرة في لبنان متمثلة بالأساس في حزب الله، وهو قوة لبنانية لها وزنها الكبير، وبالتالي فمن شأن هذه الزيارة ترسيخ نفوذ إيران وحلفائها داخل المعادلة اللبنانية. إن دواعي هذا الضجيج تبدو في نظر الأطراف اللبنانية التي يرتبط بعضها بتحالفات إقليمية تتصادم مع تحالفات إيران في لبنان، وأعني بذلك تيار المستقبل المتحالف مع السعودية والتيارات الأخرى المتحالفة مع أطراف إقليمية ودولية، إنه ضجيج يعكس عدم ارتياح هذه الأطراف من الدور المتنامي لإيران في المنطقة عموما، وفي لبنان على وجه التحديد.

يزور أحمدي نجاد لبنان في وقت تقترب فيه التجاذبات الطائفية من درجة الغليان، كيف ترى وقع هذه الزيارة على الوضع الداخلي اللبناني، خصوصا وأن استقباله تراوح بين الحفاوة الشديدة والرفض المطلق؟

الحفاوة يمكن تبريرها من وجهة نظر حلفاء إيران، وحتى حلفاء سوريا مثل حزب الله وحركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. أما عدم الترحيب فجاء بالأساس من فريق 14 آذار الذي تضم نواته الأساسية تيار المستقبل والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع.

وجدير بالذكر هنا أن زيارة نجاد ليست الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى لبنان، فهي الثانية من نوعها بعد زيارة الرئيس السابق محمد خاتمي عام 2003. إلا أن الأجواء الإقليمية أيام خاتمي كانت ملائمة أكثر، ولم يكن الاحتدام الطائفي بهذه الدرجة التي نشاهدها اليوم، بالإضافة إلى طبيعة شخصية خاتمي المتصالحة والداعية إلى حوار الحضارات.

زيارة نجاد تأتي في سياق تاريخي وإقليمي مغاير تماما، ومن المفارقات أنها ساهمت، من حيث لا يدري نجاد، في تهدئة مؤقتة للوضع الطائفي في لبنان، خصوصا وأن مجلس الوزراء اللبناني كان من المقرر أن يبحث ملف "شهود الزور" والمحكمة الدولية التي قد تؤدي إلى اتهام عناصر من حزب الله بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. إن الزيارة أجلت بهذا المعنى البت في هذا الموضوع وأعطت لبنان مهلة لا تتجاوز أسبوعا، حيث سيجتمع مجلس الوزراء من جديد الأسبوع المقبل بهذا الشأن. إلا أنه على المدى البعيد لا يمكن التعويل على الزيارة لتلطيف الوضع الطائفي في لبنان.

فاجأ أحمدي نجاد الأطراف اللبنانية بتصريحات معتدلة نسبيا وإن بتلوينات مختلفة حسب الأماكن التي زارها، وقال إن إيران تسعى لربط علاقات تعاون مع الدولة اللبنانية وليس مع طائفة بعينها، إلى أي حد يمكن أخذ هذه التصريحات محمل الجد؟

طبعا إيران بارعة وتعرف كيف توجه خطابها السياسي، فأحمدي نجاد التقى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان، ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الوزراء سعد الحريري، في إشارة إلى أن إيران تتعامل مع المؤسسات اللبنانية بخلفياتها الطائفية المختلفة، ولذلك فهو أفلح على الأقل في الالتزام بالبرتوكول. إنه يريد بذلك استعراض قوة إيران الناعمة، فكانت تصريحاته هادئة في القصر الرئاسي ببعبدا، إلا أنها لم تكن كذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث استحضر مرة أخرى مفردات التحدي والتصدي.

إن إيران بزعامة أحمدي نجاد تعرف كيف تتعامل على الصعيد الدبلوماسي، ولها القدرة على التعامل مع التناقضات الموجودة في الساحة اللبنانية، ومن ثم توظيف أفضل الفرص لتعزيز حضور إيران الإقليمي. هكذا أرى الزيارة والخطاب المتنوع للرئيس نجاد في المحطات والأماكن المختلفة.

ما هي الإشارات الرمزية التي تحملها زيارة نجاد للبنان بالمعنى الإقليمي، خصوصا وأنها تأتي بعد زيارته السابقة إلى بغداد. هل يتعلق الأمر باستعراض بشكل ما لدور إيران كقوة إقليمية صاعدة؟

الدكتور مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتجية / القاهرة.صورة من: Privat

لا يمكن لمراقب أن ينكر دور إيران المتعاظم في المنطقة، فزيارة لبنان بعد العراق من تجليات هذا الدور. إن إيران دعمت وتدعم حزب الله منذ ثلاثين عاما، دعم لم يثر في حينه حفيظة الدول العربية المسماة ب"المعتدلة" إلا بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وشطبه من المعادلة الإقليمية ما أتاح لإيران بالتمدد في العراق. وبهذا المعنى فإن زيارة نجاد للبنان تأتي بعد أن أمسكت إيران بخيوط كثيرة داخل الساحة السياسية العراقية، وبالتالي فإن الزيارة الحالية ليست كغيرها من الزيارات، ذلك أن الدول العربية "المعتدلة" تنظر بقلق إلى تنامي نفوذ طهران في خط أفقي ممتد من حدود إيران الغربية مرورا بالعراق والتحالف مع سوريا وصولا إلى جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.

من وجهة نظر إستراتجية محضة هل ستغير هذه الزيارة، بشكل ما، وضع لبنان الإقليمي والدولي، وبالتالي مزيد من التراجع للدور الغربي والعربي في هذا البلد؟

لا أعتقد أن هذه الزيارة غيرت وضع لبنان الدولي، لأن لبنان قام ويقوم منذ تأسيسه على فرضية أنه الساحة و"الترمومتر" الذي يقيس حرارة القوى الإقليمية المختلفة، لذلك عند صعود قوة إقليمية ما لابد من أن يكون لها حضور في لبنان، ويمكن التثبت من صدقية هذه الفرضية عبر ملاحظة الدور المصري في لبنان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وجاءت السبعينات التي شهدت تعاظما للدور السوري ومنذ بداية الثمانينات دخلت إيران على الخط، والتي أصبح نفوذها واضحا في لبنان منذ عام 2003.

كل هذا يسير بالتوازي مع تحالفات وارتباطات لبنان مع قوى دولية أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا. لبنان ليس حكرا على أحد ولكنه الساحة التي تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية بالوكالة. إن لبنان نفسه ليس هدفا نظرا لصغر رقعته الجغرافية وضآلة موارده الاقتصادية، بل تكمن أهميته في كونه ساحة تعكس قدرات ورغبات الأطراف الإقليمية والدولية.

لم تقابل زيارة أحمدي نجاد بالترحيب لا في إسرائيل ولا في العواصم الغربية الأخرى، ما هي مخاوف الغرب من نجاد وهل تتطابق مع مخاوف العرب؟

مخاوف إسرائيل والغرب من إيران مفهومة لأن الرئيس أحمدي نجاد نقل خط المواجهة مع إسرائيل من إيران إلى حدود إسرائيل الشمالية، في مؤشر على قدرات الجمهورية الإسلامية وتمددها الإقليمي. كما يتخوف الغرب من أن يصعب هذا التمدد مهمة التفاوض وانتزاع تنازلات من طهران على ضوء برنامجها النووي. ويبدو أن الغرب غير قادر على الضغط على إيران من خلال عزلها باصطفاف إقليمي بالتوازي مع العقوبات. لقد أثبتت إيران قدرتها على المناورة والمداورة، وزيارة نجاد للبنان تظهر للغرب أن لإيران بالفعل نفوذ في لبنان.

هناك عنصر مشترك بين المواقف الغربية والمواقف العربية إزاء إيران لكن انطلاقا من عوامل متباينة. الغرب له عين على البرنامج النووي الإيراني ولا ينظر بعين الرضا إلى تمدد الأدوار الإقليمية لإيران. أما الدول العربية "المعتدلة" فترى أن الخطر الرئيسي الآن، لا يكمن في إسرائيل وإنما في النفوذ الإيراني، بل وتبدو الدول العربية بهذا الصدد أكثر انزعاجا من الغرب وإسرائيل.

على مستوى الشارع العربي يحظى أحمدي نجاد بشعبية مثيرة، كيف تفسر شغف العرب بصورة "البطل الخارق" من جمال عبد الناصر إلى صدام حسين، من أردوغان، حسن نصر الله إلى أحمدي نجاد؟

الواقع أن هناك "مظلومية" في المنطقة وتتعلق بالشعب العربي الفلسطيني وعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ومن ثم فإن العرب يسعون للتعلق بأي شخصية تدافع عنهم. وهناك انفصام كبير بين مواقف الشعوب العربية والحكومات العربية. إن ضعف الكيانات المؤسساتية و"الدولاتية"( كيان الدولة) في الدول العربية يؤدي إلى المراهنة على شخصيات في صورة "البطل الخارق" القادر لوحده على تعديل مجرى التاريخ.

إن هذا الأمر لا يقتصر فقط على الشرائح الشعبية العادية ولكنه يشمل أيضا مؤرخين عرب كبار كعبد الرحمان الرافعي الذي رأى في أعماله الكثيرة أن التاريخ يحركه أفراد على شكل "وان مانشو"، ومن تم فهناك شرائح ترى في أحمدي نجاد "المنقذ" بسبب تصديه اللفظي والإعلامي ضد إسرائيل.

أجرى الحوار: حسن زنيند

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW