استقرار أسعار النفط مرتبط بتجاوز الأزمات السياسة في مناطق إنتاجه
٢٣ يونيو ٢٠٠٨توقع الكثيرون انخفاض أسعار النفط بعد اجتماع جدة الذي عُقد أمس (22 يونيو/ حزيران 2008) لمناقشة سبل كبح جماع الارتفاع السريع في الأسعار خلال الأشهر والأسابيع الماضية. غير أن ما حصل هو العكس إذ ارتفعت الأسعار بمعدل حوالي دولار واحد للبرميل بعد يوم على الاجتماع. وجاء الارتفاع رغم إعلان السعودية عن زيادة إنتاجها بحولي 300 ألف برميل يوميا اعتباراً من شهر يوليو/ تموز القادم. وإن دل هذا على شيء فعلى حقيقة أن المشكلة بالدرجة الأولى ليست مشكلة عرض وطلب بقدر ما هي مشكلة مضاربات في أسواق النفط من جهة وفرض ضرائب كبيرة على المشتقات النفطية من قبل الدول المستهلكة من ناحية أخرى. وعلى ذكر المضاربات فقد كان لها الباع الطويل في الزيادة السريعة للأسعار مؤخرا.
وتكمن المشكلة في أن هذه المضاربة تتغذى على الأزمات والشائعات وفي مقدمتها الأزمة بين طهران والغرب حول الملف النووي الإيراني. ومن أخطر الشائعات التي انتشرت في هذا السياق مؤخرا احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران التي تعد أحد أهم المنتجين للنفط الخام في العالم، وهو الأمر الذي زاد من حدة المضاربات في أسواق النفط الخام ورفع أسعاره بسبب المخاوف من توقف تصدير النفط الإيراني واحتمال تعطيل الإمدادات النفطية في منطقة الخليج في حال نشوب حرب على ضفته الشرقية.
حل الأزمات يحد من المضاربات في سوق النفط
بناء على ما تقدم فإن المضاربات لن تتوقف ومعها التأثير على أسعار النفط طالما بقيت الأزمات السياسية قائمة في مناطق إنتاج النفط الرئيسية وجوارها. غير أنه يمكن الحد منها رغم هذه الأزمات من خلال إجراءات معينة تحد من قدرتها على التحكم في الأسواق. ويبرز في مقدمة هذه الإجراءات على سبيل المثال لا الحصر فرض ضرائب عالية على الصفقات النفطية التي تقوم بها الصناديق الاستثمارية خلال أوقات قصيرة بهدف الربح السريع. وهو أمر يتطلب فرض شفافية مالية على هذه الصناديق فيما يتعلق بحركة استثماراتها في القطاعات البترولية.
إن اتخاذ مثل هذه الإجراءات سوف يؤدي إلى تراجع الاستثمارات في تجارة النفط بشكل ينعكس إيجابياً على استقرار الأسعار في المدى القريب، غير أن المشكلة تكمن في تردد الكثير من الدول في اتخاذها خوفا من هروب المستثمرين على أساس أنها ستجعل مناخ الاستثمار بشكل عام أقل جاذبية. ويأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة وبريطانيا حيث تتخذ معظم صناديق التحوط من نيويورك ولندن مقرات لها. ومن المعلوم أن هذه الصناديق تقود عمليات المضاربة في السوق النفطية حاليا بعدما قادتها في قطاع العقار الأمريكي سابقا. على صعيد آخر فإن وجود معظمها في الولايات المتحدة وبريطانيا يشكل مصدرا هاما لإيرادات الدولة هناك نتيجة الضرائب والرسوم التي تجنيها عن أنشطتها هناك، وهو الأمر الذي يزيد من تردد الدولتين في التوجه نحو تقييد أنشطة هذه الصناديق.
مطلوب مزيد من الاستثمار في الإنتاج والتكرير
هذا على المدى القريب، أما على المديين المتوسط والطويل فإن الحد من ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يتم أيضاً عن طريق ضخ استثمارات كبيرة في قطاعي الاستخراج والتكرير. بالنسبة للاستخراج يمكن للسعودية في حال نفذت الاستثمارات المطلوبة زيادة إنتاجها النفطي إلى أكثر من 12 مليون برميل في غضون أقل من سنتين وفقا لما أعلنه مسؤولون سعوديون أمس في اجتماع جدة. كما أن العراق قادر على مضاعفة إنتاجه الحالي من 2.5 إلى 5 ملايين برميل في اليوم خلال سنوات قليلة إذا نجح في توفير المناخ الأمني المطلوب.
ومن شأن زيادة الإنتاج بهذه الحدود تجنب الاختناقات في مد الأسواق بالنفط الخام، غير أن المشكلة تبقى في مدها بالمشتاق النفطية. فقد أظهرت أزمة ارتفاع الأسعار مؤخرا أن جزءا من المشكلة يتمثل في عجز مصافي التكرير عن تلبية حاجة الأسواق في أحيان كثيرة. وعليه فإن بناء مصافي جديدة ورفع طاقة التكرير في المصافي الحالية لا يقل أهمية عن زيادة الإنتاج من النفط الخام. وهنا لا بد من التأكيد على بناء مصافي احتياطية تعوض النقص الذي تسببه الأعطال الطارئة والكوارث الطبيعية التي تصيب المصافي العاملة.