بدأت بجمعة "المطلب واحد".وبسبب ممارسات الجيش والشرطة بحق المعتصمين في ميدان التحرير، تحولت إلى مطالب عدة.هكذا فسر محمود عفيفي، المتحدث باسم حركة "6 أبريل" كثرة وتباين مطالب الثوار، الذين دخل احتجاجهم ضد التلكؤ في تسليم السلطة للمدنيين يومه الثالث، وسط تصعيد من وزارة الداخلية والمجلس العسكري، بمباركة رسمية فيما يبدو من مجلس الوزراء.

صبيحة اليوم الثالث لثورة الغضب التي تجددت في ميدان التحرير عقب "مليونية 18نوفمبر"بدا الميدان متأهبا لجولة جديدة من الاشتباكات المتقطعة بين المتظاهرين من جهة، ورجال الأمن المركزي، التابعين لوزارة الداخلية، والشرطة العسكرية، التابعة للجيش، من جهة أخرى.

اليوم الثالث.. عنف متصاعد واعتصام مستمر

وفي حين تحول شارع محمد محمود، الواقع على ناصية الجامعة الأمريكية، إلى مسرح للاشتباكات الحقيقية والعنيفة، التي يتم فيها تبادل الحجارة بالرصاص المطاطي والخرطوش والذخيرة الحية، تحولت الساحة الوسطى في قلب "التحرير"إلى مستشفيات ميدانية تستقبل الجرحى، جنبا إلى جنب مع خيام المعتصمين، على كل شكل ولون.

ويقول عفيفي لـ "دويتشه فيله"إن "الناس متخوفين من هجوم جديد لفض الاعتصام بالقوة، لكن لديهم في الوقت نفسه إصرارا وعزيمة حتى تحقيق مطالبهم".وردا على سؤال عن ماهية هذه المطالب تحديدا قال "صحيح أنها كانت جمعة المطلب الواحد، لكن بعد ما حدث من اعتداء الشرطة على مصابي الثورة، لم يعد مطلبا واحدا".

وأضاف "في الأصل كان هناك 4مطالب رئيسية لنا هي أولا:أن يسلم المجلس العسكري الحكم لسلطة مدنية في موعد أقصاه ابريل 2012.ثانيا:إقالة حكومة عصام شرف.ثالثا:تعيين حكومة إنقاذ وطني ممثلة لكافة القوى الوطنية ورابعا:تشكيل لجنة تحقيق محايدة للتحقيق في أحداث اليومين الماضين ومحاسبة المتورطين".

تباين المطالب حول توقيت تسليم السلطة

وعن رؤيته لانتخابات مجلس الشعب قال عفيفي "نريدها في موعدها المحدد 28نوفمبر، رغم أنه لا يمكن لأحد الآن توقع ما إذا كان سيتم إرجاؤها".ومضى "إذا أجريت الانتخابات، سيكون لدينا مجلس منتخب يشرف على انتخابات الرئاسة في أبريل، ومن ثم تسليم السلطة، بعدها يأخذ الدستور مساره المقرر له وهو تشكيل لجنة تأسيسية من مجلس الشعب، ممثلة لكل التيارات لصياغة الدستور، ثم عرضه للاستفتاء على الشعب".

هذه المطالب، على وجاهتها، لا تلقى إجماع سائر المعتصمين في ميدان التحرير، والذين يتشكلون من "شباب 6أبريل"و"ائتلاف شباب الثورة"و"الاشتراكيين الثوريين" ومجموعة "لا للمحاكمات العسكرية" وحملة "دعم البرادعي"، إضافة إلى حركات أخرى صغيرة وأفراد.

ففي حديثها لـ "دويتشه فيله"قالت إيمان جمال، طالبة في السنة الثالثة بكلية الحقوق –جامعة القاهرة، والمعتصمة في الميدان منذ 18نوفمبر "نزلت الميدان للمطالبة بتسلم السلطة إلى حكومة إنقاذ وطني فورا وليس بحلول ابريل، لأن المجلس العسكري يعطينا وعودا كاذبة، على أن تجرى بعد ذلك الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية".

علاج مصابي الثورة وأنابيب الغاز ضمن المطالب

رؤية إيمان جاءت بدورها مغايرة لأعضاء حركة "يمكن"، الذي نصبوا خيمتهم في الميدان لحين تحقيق مطالبهم التي لخصوها في "تسليم السلطة للمدنيين في أقرب وقت ممكن"، فضلا عن "محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك والمشير حسين طنطاوي"، يضاف إلى ذلك "ضمان حقوق مصابي الثورة".

هكذا قال كريم محمد، طالب في كلية الاقتصاد والتجارة الخارجية، وزميلته رباب حمدي، دبلوم صنايع، لـ "دويتشه فيله"وأضافت رباب على تلك المطالب "لازم كمان يحلو مشكلة الغاز، الناس مش لاقية أنابيب".

أما مصطفى فوزي، زميلهم في الخيمة لكنه غير عضو في حركة "يمكن"، فقال "مطالبنا هي تسليم السلطة قبل شهر ابريل"، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى "تأجيل انتخابات مجلس الشعب لأن الأحزاب غير جاهزة"، على حد قوله، موضحا "لا أرى أي شخص يصلح في دائرتي حتى الآن ليكون ممثلا لي".

محمد الراوي : ضربني بلطجية الشرطة فكيف أكون أنا بلطجيا

بجوارهم كان يجلس محمد الراوي.بدا من خلفية ثقافية مختلفة، وبسؤاله قال إنه "نقاش، خريج تجارة"وأضاف "من يقولون إن في الميدان الآن بلطجية، أقول لهم إن الشرطة هي من أحضرت البلطجية من عابدين وأنا تعرضت للضرب على أيديهم بخرطوش 16، كيف يقولون عنا بلطجة وأنا نفسي تعرضت للضرب من بلطجية الشرطة".

إلى جانب هؤلاء، توسط الميدان أيضا ملتحيان، افترشا الأرض اعتصاما.قال شعبان جمعة عويس، إخصائي اجتماعي في مدرسة النيل الابتدائية، "المجلس العسكري يستخف بنا، غيّر اسم أمن الدولة إلى الأمن الوطني، ورفع أسماء حسني وجمال وسوزان مبارك من بعض مدارسه، وأعاد الفلول في شكل أحزاب جديدة". وأضاف "مطلبي هو أن يسلم المجلس العسكري الحكم إلى سلطة منتخبة، ثم تجرى انتخابات مجلس شعب وشورى ثم رئاسة.المجلس وعدنا بتسليم السلطة بعد 6 أشهر، فات منها 9 حتى الآن".

تدخل في الحديث زميله أحمد حسن شحاتة (تاجر)قائلا "عاوزين حال البلد يمشي، مش إحنا اللي موقفين حالها".وخلال الحديث مع شحاته اتضح أنه أحد مصابي الثورة.قال "حضرت المليونية وغادرت آخر الليل، لكني عدت صبيحة السبت بعدما فوجئنا بالاعتداء على مصابي الثورة. عدت تضامنا معهم".

الفنجري لمصابي الثورة: عندكم ميدان التحرير

أما ياسر أبو عوف، فتدخل في الحوار بدوره طواعية، معرفا نفسه بأنه عضو اتحاد مصابي الثورة.قال "إحنا هنا عشان نجيب حقوقنا.نحن معتصمون من يوم 17نوفمبر لمطالبة المجلس العسكري باستكمال علاجنا"، واستدرك "وطبعا نطالبه بمحاكمة مبارك والعادلي وقتلة الشهداء، لكن أهم مطلب هو إقالة المشير".وعاد يقول "لجأنا إلى اللواء محسن الفنجري يوم تكريم المصابين لنخبره أننا لا نتلقى العلاج فعليا كما وعدنا المجلس العسكري. فأجابنا بالحرف: عندكم ميدان التحرير".

وبمحاولة العودة إلى المطلب الرئيسي للاعتصام وتصوره لمجريات الانتخابات، اندفع أبو عوف (وهو غير ملتح)قائلا "لا أريد شخصا يتحدث باسم الدين.لكني أريد شخصا متدينا، يعرف ربنا، ويطبق شرع الله لأن السياسة لازم ألا يكون لها علاقة بالدين".هنا تدخل شحاتة سريعا "يعني حزب النور يا شيخ".وبسؤال شحاتة أكد أنه يريد أن تجرى الانتخابات في موعدها "عشان نخلص"، على حد تعبيره.

وفي حين يرى البعض أن هناك تشتتا بين مطالب الثوار في التحرير، وأن من يسيطر على الميدان الآن هم "بلطجية"، نفى ناشط "6 أبريل" ذلك، وأكد عفيفي أن "مصابي الثورة لا يسيئون بمطالبهم إلى مطالب الثوار وأنه لا يوجد تناقض بينهم أساسا. الناس ترى أن المجلس العسكري فشل في تحقيق مطالب الثورة كلها، لذلك فهم مستمرون في المطالبة بها".

كما اعتبرت إيمان، طالبة الحقوق، المنضمة لحركة "التحرير"الجامعية، المطالبة بإقالة قيادات الجامعة والعمداء، أن مطالب المصابين الخاصة باستكمال علاجهم تدعم مطالب الثوار في الميدان الخاصة "لأنها واحدة"، على حد قولها.

أميرة محمد ـ القاهرة

مراجعة: منى صالح