حرب غزة تثير المخاوف من انتشار التطرف بين مسلمي غرب البلقان!
١٩ يوليو ٢٠٢٤الإسلام في البوسنة والهرسك وإقليم السنجق، الذي اقتطعته صربيا والجبل الأسود من البوسنة، منفتح على العالم ومتسامح مع الآخر. هنا، عاش المسلمون السنة جنباً إلى جنب مع المسيحيين واليهود منذ قرون. خلق المسلمون في هذه البلاد شكلاً خاصاً بهم من الإسلام الأوروبي.
لكن منذ التسعينيات وانحلال عقد يوغسلافيا اختلف شكل الإسلام بفعل الحرب الأهلية ومجازرها والتأثيرات الخارجية.
واليوم يثير الهجوم على حارس أمن في السفارة الإسرائيلية في بلغراد في 29 حزيران/يونيو 2024 المخاوف من احتمال وقوع موجة جديدة من التطرف.
تبعات "الجهاد البوسني"
"قبل حرب البوسنة (1992-1995)، لم يكن هناك سلفيون أو وهابيون في البلقان. ليس لديهم جذور في المنطقة. وحتى يومنا هذا، لا تزال الجماعات المتطرفة أقلية صغيرة بين المسلمين"، يقول فيدران دجيتش من "المعهد النمساوي للسياسة الدولية" (oiip) في فيينا.
خلال حرب البوسنة، تلقى البوشناق المسلمون دعماً عسكرياً كبيراً، خاصة من الدول الإسلامية. وأصبحت البلاد محجاً للمقاتلين الأجانب، الذين أتت معهم حركات إسلامية متطرفة لم تختف بعد نهاية الحرب. والتي تشكل "أساس الإسلام السياسي" في البوسنة والهرسك، كما كتب كارستن دوميل في تحليل لـ"مؤسسة كونراد أديناور" الألمانية (KAS)، المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي. شغل كارستن دوميل منصب مدير مكتب المؤسسة في العاصمة البوسنية سراييفو من عام 2014 إلى عام 2018.
قاتل نحو 4 آلاف مجاهد من الدول العربية إلى جانب المسلمين البوشناق، وبقي الكثير منهم في البلاد بعد اتفاق دايتون للسلام في عام 1995. بدأت الجماعات المتطرفة في ترسيخ وجودها في بعض مناطق البوسنة والهرسك وإقليم السنجق منذ أواخر التسعينيات مستفيدة من دعم مفتوح من المملكة العربية السعودية. واستُخدمت الأموال السعودية لبناء مساجد سلفية ودعم المؤسسات الثقافية.
"خلال الحرب في سوريا والعراق، شكل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نقطة جذب للشباب الذين كانوا محبطين اجتماعياً، ما دفعهم للذهاب للقتال في سوريا والعراق"، حسب رأي الباحث السياسي فيدران دجيتش. ويضيف بأنه "في أوج صعود تنظيم داعش، كانت البوسنة والهرسك واحدة من الدول الأوروبية التي تضم أكبر عدد من مقاتلي داعش بالنسبة لعدد السكان. ولكن بعد انحسار التنظيم عام 2019، تراجع هذا الشكل من التطرف مرة أخرى؛ ولم تقع المزيد من الهجمات الإسلامية في غرب البلقان منذ ذلك الحين".
السعودية وحرب غزة
وفق تقارير وسائل الإعلام، فإن مرتكب الاعتداء على السفارة الإسرائيلية في بلغراد صربي اعتنق الإسلام ومن ثم تورط يوماً بعد يوم في براثن التطرف. وقد عاش في الفترة الأخيرة في مدينة نوفي بازار ذات الأغلبية المسلمة في إقليم السنجق بجنوب صربيا.
المنظمات الإسلامية المتطرفة لا تزال موجودة في البوسنة والهرسك وإقليم السنجق، رغم قيام المملكة العربية السعودية بتخفيض مساعداتها المالية. ففي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، أنهم سيتوقفون عن دعم المساجد في الخارج بعد الآن.
ولكن بعد تراجع الدور السعودي قد تؤدي الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تغذية بذور جديدة للتطرف، حسبما يرى الباحث جورجيو كافييرو، خبير البلقان في مركز الأبحاث الأمريكي Gulf State Analytics. ويضيف: "حتى الآن تأثيرات حرب غزة على البلقان محدودة. ولكن كلما طال أمد الصراع في غزة، كلما زاد خطر التطرف. تسود حالة كبيرة من التأثر والتعاطف في العالمين العربي والإسلامي مع الضحايا في غزة. وقد يؤدي هذا إلى وقوع الشباب في براثن القوى المتطرفة".
ويتفق معه بالرأي الخبير السياسي فيدران دجيتش من "المعهد النمساوي للسياسة الدولية" (oiip) في فيينا ويرى أن الأحداث الحالية في الشرق الأوسط ستساهم في موجة جديدة من التطرف. إذ يُنظر في غرب البلقان إلى حرب غزة باعتبارها حرباً عالمية ضد المسلمين، "الغرب يعلن الحداد ويحزن على الأطفال القتلى في أوكرانيا، ولكن هناك صمت بشأن غزة، وهذا يؤدي إلى المرارة والاستياء من الغرب ومعاداة السامية".
وحتى السياسة الرسمية في صربيا تبدو متناقضة. فمن ناحية، تدعم الدولة الفلسطينيين على الصعيد الدولي، لكنها من ناحية أخرى، تقوم بتزويد إسرائيل بالأسلحة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
تفاوت اجتماعي وسخط
يرفض غالبية المسلمين في البوسنة والهرسك وإقليم السنجق النزعات المتطرفة باعتبارها إساءة لدينهم. لقد نأى المجتمع الإسلامي بنفسه بوضوح عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في بلغراد. ولكن بالإضافة إلى حرب غزة، يشكل التفاوت الاجتماعي والوعد الذي لم يتحقق بمستقبل أفضل بعد انتهاء حرب البوسنة أرضاً خصبة للتطرف.
ويقول فيدران دجيتش من "المعهد النمساوي للسياسة الدولية" (oiip) في فيينا: "شهدت المنطقة بأكملها تدهوراً اجتماعياً واقتصادياً هائلاً في التسعينيات. ولم تر الوعود المقطوعة بالتنمية النور. لم تستفد إلا نخبة صغيرة جديدة قريبة من أنظمة الحكم، في حين تعاني الشريحة العريضة من البوسنيين والهرسك من التهميش والإفقار ومستوى معيشة منخفض يقترب من خط الفقر. هناك استياء كبير بين الشباب، ما يدفع عشرات الآلاف لترك المنطقة كل عام".
ويختم الباحث فيدران دجيتش كلامه بأن "هذا الوضع يؤدي إلى الإحباط ويشكل أرضا خصبة للأيديولوجيات المتطرفة، ليس فقط الإسلامية، ولكن أيضا القومية الصربية. يضاف إلى ذلك رؤية المسلمين أنفسهم في إقليم السنجق كمجموعة تتعرض للتمييز من قبل الصرب. بعد الهجوم على حارس أمن في السفارة الإسرائيلية في بلغراد ، تزايد خطر تنامي معاداة المسلمين في صربيا. وهذا بدوره من شأنه أن يزيد من تأجيج دوامة الإحباط والتطرف".