اسرار المضاربة المُبالغ فيها في دور المزادات الفنية
١٣ ديسمبر ٢٠١٣حقيقة أن الأثرياء في ألمانيا لا يُقدمون على المزايدة في أكبر المزادات الدولية إذا عُرضت أعمال فنية قيمتها الملايين من الدولارات، أمر له ربما علاقة بالتواضع الذي يسود في أوساط الأثرياء الألمان.غالوس بيزندورفر الذي يعمل في أكبر فروع دار سوذبيز للمزادات الأمريكية في ألمانيا على دراية كبيرة بذلك، ويقول النمساوي الذي يشغل منصب نائب مدير فرع دار المزادات في مدينة كولونيا الألمانية في هذا الصدد: "في بعض البلدان هناك عدد كبير من أغنيائها ينفقون أموال طائلة على أعمال فنية".
المزايدة بلا حدود
حوالي 142 مليون دولار أمريكي هي قيمة لوحة الفنان الأيرلندي فرانسيس بيكن المكونة من ثلاثة أجزاء، و58 مليون هي قيمة الكلب البالوني الضخم للفنان الأمريكي المعاصر جيف كونز، كذلك حققت أحد أعمال فنان البوب آندي وارهول رقما قياسيا وصل إلى 105 مليون دولار أمريكي. فعلى ما يبدو فإن قيمة الأعمال الفنية في ارتفاع متزايد وتلقى رغم الارتفاع المستمر إقبالا عند زبائن عدة من مختلف أنحاء العالم. لكن العائدات الضخمة لدار مزادات سوذبيز وكريستي مثلا يرجع الفضل فيها إلى الإقبال الكبير لأغنياء عديدين من دون الأثرياء الألمان.
ويقول ماركوس آيزنباين من دار فان هام للمزادات في كولونيا: "الأسعار التي تحققها هذه الأعمال الفنية كبيرة ورائعة ولكنها في نفس الوقت رادعة". ويضيف: "هذه المبالغ الهائلة لا يتقبلها عقل إنسان عادي". والأسعار الخيالية يمكنها أن تخيف أيضا العملاء المحتملين.
أما في صالات العرض والمعارض، بعيدا عن دار المزادات، يتطلع البعض إلى هذه الصورة المبالغ فيها. وتقول غيرلينده تويتشباين التي تُسير منذ ثلاثة عقود صالة عرض في مدينة فرانكفورت: "هذه الأرقام المرتفعة تُخفي حقيقة أن هناك عملاء عاديين جدا وأسعار عادية".
المزادات الفنية مزادات موسمية
الأعمال التجارية لدور المزادات في ألمانيا لا تصل إلى مستوى الأعمال التجارية لدور المزادات في نيويورك أو لندن أو هونغ كونغ. ومع ذلك فإن ما تحققه دور المزادات في ألمانيا من أرباح ليس بقليل. فهناك العشرات من دور المزادات الصغيرة في ألمانيا معظمها ينطوي تحت الرابطة الاتحادية الألمانية للمزادات الفنية. وتعتبر دور مزادات مثل ليمبيرتس وفان هام في كو لونيا وناغل في شتوتغارت وفيلا غريزه-باخ في برلين وكيترا في ميونيخ من بين أكبر دور المزادات في ألمانيا.
تعمل دور المزادات فقط في مواسم معينة، ففي الربيع والخريف تطرح دور المزادات معروضاتها لعشاق الأعمال الفنية، ويقول كارل-زاكس فيدرسين من دار ليمبيرتس للمزادات: "إنه أيضا عمل روتيني مصحوب بأوقات عصيبة وهادئة". وفي الفترة قبل موعد المزاد، أي أشهر قبل افتتاح المزاد، تُنقل إلى دار المزادات أعمال فنية لمالكين هواة ولورثة الأعمال الفنية. ونادرا ما تُنقل أعمال فنية من المتاحف إلى دار المزادات وإنما تَطلب المتاحف المشورة من خبراء فنيين في غالب الأحيان. وبعد ذلك تُعرض هذه الأعمال الفنية قبل المزادات لبضعة أيام لكي تُعطى الفرصة للعملاء المحتملين لفحص المعروضات عن كثب. فمهما كانت جودة فهارس المعروضات الفنية وصفحات الإنترنت المصممة بشكل متقن لإعطاء صورة عن هذه الأعمال، إلا أن الانطباع الفعلي لجودة وحالة كل عمل فني لا يمكن تقييمه إلا في عين المكان.
هل يحقق كل عمل فني نجاحا في دار المزادات؟
"قبل المزاد يكون الجميع دائما في حالة توتر". كما يقول كارل-زاكس فيدرسين، ويضيف: "السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيباع هذا العمل الفني أم لا؟". فإذا تم بيع أي عمل فني فإن المالك يحصل على مبلغ المزاد ودار المزادات تحصل على عمولتها. أما الأعمال الفنية التي لم تُباع فيتم إرجاعها إلى أصحابها أو تُعرض مرة أخرى بسعر أقل مما سبق في المزادات المقبلة.
ما كَوْنُ لوحات وأعمال فنية من حقبة فنية معينة تلقى إقبالا عند المشترين فهذا راجع إلى قلة المعروضات الفنية من هذه الحقبة في السوق. فمعظم لوحات الفن الانطباعي الأكثر شهرة، كلها موجودة الآن تقريبا في المتاحف أو بحوزة أشخاص هواة. وإذا ما ظهرت عل سبيل المثال لوحة فنية للفنان الهولندي فينسنت فان غوخ في السوق إلا وتسارع عشاق الفن في المزايدة عليها، باعتبار أعمال فان غوخ الأكثر شهرة وشعبية وأغلاها سعرا في العالم. كذلك الأعمال الفنية لمجموعة فناني المدرسة التعبيرية "الفارس الأزرق" و "الجسر" فهي نادرة والطلب عليها كبير، بالإضافة إلى ذلك فإن الطلب كبير أيضا على كل الأعمال الفنية الكلاسيكية المعاصرة والفن التعبيري الألماني.
وتمكنت دار ليمبيرتس للمزادات من تحقيق أرباح كبيرة إثر بيعها للوحة "منظر طبيعي" من عام 1912 للرسام ليونيل فايننغَر، وبلغ سعر اللوحة مليون يورو. كذلك حققت دار فيلا غريزه-لاخ للمزادات في برلين أرباحا مرضية لأعمال الفن المعاصر. ويقول الرئيس التنفيدي برينت شولتس لدار فيلا غريزه-باخ للمزادات في برلين بفخر: "حققنا أرباح قياسية عالمية لأعمال فنية عديدة كأعمال الفنانة الألمانية إيزا غينتسكن والفنان الألماني غيرهارد ماركس والرسامة باولا مودرزون-بيكر والفنان البيلروسي-الفرنسي أوسيب زادكين. قرابة مليونين وثمانمئة ألف يورو للوحة الفنان الألماني كارل شميت-روتلوف. وهذه الأسعار لم تحققها دور مزادات أنغلو-أمريكية معروفة".
"نعتبر أنفسنا في نفس المرتبة مقارنة مع دور المزادات الدولية" كما تقول إيرينا كيتيرا من دار فيلا غريزه-باخ للمزادات في مدينة ميونيخ أيضا باقتناع. وتضيف: "السبب في عدم تحقيق أسعار كبيرة هنا يرجع بالأساس إلى توجه مالكي اللوحات الفنية المعروفة مباشرة إلى دور مزادات في لندن أو نيويورك".
العروض الفنية تحدد اتجاه المزادات
كل ما ينطبق حاليا على الفن الانطباعي والفن التعبيري والفن الكلاسيكي المعاصر والفن المعاصر، لا ينطبق على حقبات فنية أخرى. ويؤكد ماركوس آيزنبايس ذلك قائلا: "جميع المجالات الفنية الأخرى تعرف تحفظا إلى حد ما"، ويضيف: "هناك أيضا تراجع للأسعار في الأسواق". ويشمل هذا الانخفاض على سبيل المثال اللوحات الفنية من القرن 19 وأعمال فنية هائلة من القرن 16 والقرن 18.
العرض والطلب على الأعمال الفنية في ألمانيا ضعيف جدا بالمقارنة مع دول أخرى في أنحاء العالم حاليا، ويقول كارل-زاكس فيدرسين: "هناك سيولة كبيرة متداولة في السوق، أموالا لا تحصى من الصين والشرق الأوسط. فالعملاء يشترون أعمالا فنية باهظة الثمن ليس لاهتمامهم بالفن وإنما رغبة منهم في إظهار مكانتهم والارتقاء بها في المجتمع". وهذا ما يفسر الأسعار الدولية العالية للأعمال الفنية. إضافة إلى ذلك فإن انخفاض أسعار الفائدة على السندات في العالم جعل العديد من أصحاب رؤوس الأموال يوجهون اهتمامهم صوب الفن للمضاربة بأسعاره.
أما في ألمانيا فإن نظرة المجتمع للفن لا تصل إلى حد المضاربة والجري وراء الربح السريع. وامتلاك بعض الأثرياء الروس والصينيين ومدراء من الولايات المتحدة وابريطانيا لأعمال فنية والتباهي بها، أمر لا يلعب دورا مهما في السوق الألمانية. ويقول غالوس بيزندورفر من دار سوذبيز للمزادات في كولونيا: "لما يتجاوز السعر سقف الخمسة ملايين دولار فإن الاهتمام عند الألمان ينعدم بالكامل".