اشتباكات بيروت.. عودة الهدوء ودعوات دولية لوقف التصعيد
١٤ أكتوبر ٢٠٢١
عقب اشتباكات مسلحة دموية تزامناً مع تظاهرة ضد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، تعهد الرئيس ميشال عون بمحاسبة المسؤولين. في المقابل حضت واشنطن وباريس والأمم المتحدة على وقف التصعيد وإجراء تحقيق مستقل في الانفجار.
إعلان
قال الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة متلفزة اليوم الخميس (14 أكتوبر/تشرين الأول 2021) إن أحداث العنف في بيروت اليوم "غير مقبولة"، متعهدا بمحاسبة المسؤولين عنها والمحرضين. وقال عون "لن نسمح لأحد أن يأخذ لبنان رهينة لمصالحه الخاصة... ولن نسمح بأن يتكرر ما حدث اليوم تحت أي ظرف." وتابع أن إطلاق النار سيكون موضع متابعة أمنية وقضائية.
وكانت اشتباكات مسلحة تخللها تبادل لإطلاق النار والقذائف الصاروخية تزامناً مع تظاهرة لمناصري حزب الله وحركة أمل ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الذي تعرض خلال الأيام الأخيرة لحملة ضغوط قادها حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، اعتراضاً على استدعائه وزراء سابقين وأمنيين لاستجوابهم في إطار التحقيقات التي يتولاها في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وكان وزير الداخلية اللبنانية بسام مولوي قد أعلن عن سقوط 6 قتلى و16 جريحا في إطلاق نار في بيروت اليوم خلال احتجاجات للمطالبة برحيل المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. فيما أعلن الصليب الأحمر اللبناني بدوره عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 30 شخصاً آخرين.
وأعلن الجيش اللبناني أنه "خلال توجه محتجين الى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة- بدارو، وقد سارع الجيش الى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها". ولم يحدد الجيش هوية الأطراف التي بدأت إطلاق الرصاص.
وكان الجيش اللبناني أعلن أن وحداته المنتشرة "سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرق وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر. وطلب الجيش، في بيان عبر حسابه بموقع "تويتر" من المدنيين إخلاء الشوارع.
وفي وقت لاحق قال الجيش على تويتر إنه أوقف تسعة أشخاص بينهم سوري، مؤكدا أنه سيواصل انتشاره في منطقة أحداث العنف لضمان عدم اندلاع اشتباكات.
واتهم حزب الله وحركة أمل "مجموعات من حزب القوات اللبنانية"، أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية ويعد اليوم معارضاً شرساً لحزب الله، بـ"الاعتداء المسلح" على مناصريهما. في المقابل اعتبر حزب القوات اللبنانية اتهامه "مرفوضا جملة وتفصيلاً".
وبعد اشتباكات استمرت ساعات عدة، عاد الهدوء ليسيطر على المنطقة وسط خشية من تصعيد جديد.
وفي مقابلة مع صحيفة النهار قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن اتصالات أجراها مع الجيش تفيد بتحسن الوضع الأمني في الشارع. وكان ميقاتي قد دعا "الجميع الى الهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنة لأي سبب كان". وأعلن ميقاتي، الذي كان قد توجه إلى مقر قيادة الجيش، إن غدا الجمعة سيكون يوم حداد عام على أرواح الضحايا أحداث اليوم.
وكان مقرراً أن تعقد الحكومة بعد ظهر الأربعاء جلسة للبحث في مسار التحقيق، غداة توتر شهده مجلس الوزراء بعدما طالب وزراء حزب الله وحركة أمل بتغيير المحقق العدلي. إلا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قرر تأجيل اجتماع الأربعاء إلى موعد يحدد لاحقاً بانتظار التوصل إلى حل.
دعوات لوقف التصعيد
خارجيا حضت الولايات المتحدة على نزع فتيل التوتر في لبنان بعد اشتباكات دامية في بيروت خلال تظاهرات ضد القاضي المكلف التحقيق حول انفجار مرفأ بيروت. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين "نضم صوتنا إلى السلطات اللبنانية في دعوتها إلى التهدئة ووقف تصعيد التوتر".
كما عبرت فرنسا عن قلقها إزاء أعمال العنف، وقالت وزارة الخارجية في بيان إن "فرنسا تشعر بقلق بالغ إزاء العرقلة الأخيرة لحسن سير التحقيق ... وأعمال العنف التي وقعت في هذا السياق. إن فرنسا تدعو جميع الأطراف إلى التهدئة". وجاء في بيان الخارجية الفرنسية "يجب أن يتمكن القضاء اللبناني من العمل بشكل مستقل وحيادي في إطار هذا التحقيق، من دون عراقيل وبدعم كامل من السلطات اللبنانية".
من جانبه دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتيريش كل المعنيين في لبنان لوقف العنف والكف عن الأعمال الاستفزازية والخطابات التحريضية، وفق متحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك. وقال دوجاريك للصحفيين إن غوتيريش أكد مجددا ضرورة إجراء تحقيق مستفيض ومستقل وشفاف في الانفجار الذي وقع عام 2020 في مرفأ بيروت.
ع.ج.م/أ.ح (أ ف ب، رويترز، د ب أ)
في صور.. عام على جراح لم تندمل لدى اللبنانيين!
تحل الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع وجراح اللبنانيين لم تندمل. انهيار اقتصادي متسارع فاقمته تداعيات مأساة المرفأ وتفشي فيروس كورونا، فيما تعجز القوى السياسية على التوافق وتشكيل حكومة تضمد جراح لبنان.
صورة من: Reuters/A. Taher
شرارة الاحتجاجات
إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، فجّرغضب لبنانيين لمسوا قبل أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، أبرز ملامحها كان انهيار سعر الليرة وأزمة الخبز فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام. من هنا انطلقت شرارة الإحتجاجات مع توالي الأزمات على اللبنانيين، أسوؤها انفجار مرفأ بيروت.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
على الرغم من تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية. وخلال أيام بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد مطالبين برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة. على وقع غضب الشارع، استقالت حكومة سعد الحريري في 2019.
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
فشل حكومة دياب
في السابع من مارس/ آذار 2020 أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب عن خطة إنعاش اقتصادي في لبنان وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. بعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف 2020 بعد عدة جلسات جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.
صورة من: Getty Images/AFP
انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس / آب 2020، دوى انفجار ضخم في بيروت دمر أحياء فيها وقتل أكثر من مئتي شخص. بعد ساعات قليلة على وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى كميات ضخمة من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت منذ عام 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً ضخماً في المرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
الانفجار يفاقم مآسي لبنان!
شكل الانفجار صدمة غير مسبوقة لللبنانيين، الذين أنهكتهم الأزمات المتتالية. بدأ سكان بيروت في اليوم التالي يبحثون عن المفقودين ويتفقدون منازلهم وأبنيتهم المتضررة، فيما انهمك عمال الإغاثة بالبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض. ووصف محافظ بيروت مروان عبود وقتها الوقع بأنه "كارثي". وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت المساعدة الدولية تتدفق إلى البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
ماكرون يمدّ يد الإنقاذ
في السادس من أغسطس/ آب زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة وسط حشد من اللبنانيين الغاضبين على طبقة سياسية متهمة بالفساد وسوء الإدارة. في ختام زيارته، دعا إلى "تغيير" في النظام. ثم رعى مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة نحو 300 مليون دولار، على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
صورة من: Reuters/G. Fuentes
استقالة حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدة وزراء تباعاً استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
أزمة تليها أخرى!
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل الى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
إجهاض تشكيل حكومة جديدة
بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة. عادة ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.
صورة من: Dalati Nohra/Lebanese Official Government/AP Photo/picture alliance
الدعم مقابل الاستقرار السياسي
منذ عام كامل، لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق بشأن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات وقاية. كما لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تسريع تشكيل حكومة تباشر بتنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان.
صورة من: Aziz Taher/REUTERS
لبنان في ذكرى أسوأ أزماته
في الذكرى الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، ينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا من أجل مساعدة لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تسعى باريس من خلال هذا المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل شعب لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، كما صنفها البنك الدولي. فهل تندمل جراح لبنان قريباً؟ إعداد: إيمان ملوك