يعتقد خبراء دوليون أن اضطرابات إيران ستساهم بزيادة الضغوط على حلفاء طهران ووكلائها في العراق ولبنان، هذا فيما أيّد خامنئي رفع سعر البنزين منحياً باللوم في "أعمال التخريب" على معارضي الجمهورية الإسلامية وأعدائها الأجانب.
إعلان
ذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء اليوم الأحد(17 تشرين الثاني/نوفمبر 2019)، أن الاضطرابات التي تشهدها إيران نتيجة الاحتجاجات على رفع أسعار الوقود، تزيد الضغط على حلفاء طهران ووكلائها في العراق ولبنان، الذين يتعرضون لضغوط بالفعل. وأضافت الوكالة أن أي مؤشر على الضعف في إيران قد يقابل بمزيد من الضغط من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأشارت إلى أنه في المقابل، ستلجأ طهران إلى خبرتها في قمع الاحتجاجات. ونقلت بلومبرغ عن صندوق النقد الدولي أنه يرى إمكانية وصول التضخم في إيران إلى 50% في حال فرض مزيد من العقوبات الأمريكية.
وكانت وكالة "فارس" الإيرانية قد ذكرت في وقت سابق اليوم الأحد، أنه تم إلقاء القبض على نحو ألف شخص خلال الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ يومين بسبب رفع سعر الوقود. وأضافت أنه جرى الاعتداء على العشرات من المصارف والمتاجر ونهبها.
وبدوره، أيّد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي اليوم الأحد رفع سعر البنزين منحياً باللوم في "أعمال التخريب" على معارضي الجمهورية الإسلامية وأعدائها الأجانب. وقال الزعيم الأعلى الإيراني في خطاب نقله التلفزيون الرسمي: "هذا القرار جعل بعض الناس يشعرون بقلق دون شك... ولكن أعمال التخريب وإشعال الحرائق يقوم بها مثيرو الشغب وليس شعبنا". وقال خامنئي، قبل ساعات من قول وسائل الإعلام إنه تمت استعادة الهدوء في البلاد، "الثورة المضادة وأعداء إيران يدعمون دائما أعمال التخريب والإخلال بالأمن ويواصلون فعل ذلك".
وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن بعض نواب البرلمان، الذين كانوا يعتزمون مناقشة السبل المقترحة لإجبار الحكومة على التراجع عن قرارها، سحبوا اقتراحهم بعد خطاب خامنئي اليوم الأحد.
من جانبه، اعتبر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأحد أن الدولة "يجب ألا تسمح بانفلات الأمن" في مواجهة "أعمال الشغب" التي تشهدها مدن إيرانية عدة منذ مساء الجمعة احتجاجاً على رفع أسعار الوقود. وقال روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء، حسب بيان رئاسي، إن التعبير عن الاستياء حق، لكن التعبير عن الرأي شيء وأعمال الشغب شيء آخر، مضيفاً " يجب ألا نسمح بانفلات الأمن في المجتمع"، حسب تعبير البيان الرسمي.
يذكر أنه قتل شخصان على الأقل، هما شرطي ورجل مدني خلال تظاهرات عنيفة ضد رفع أسعار الوقود الذي أعلنته الحكومة يوم الجمعة الماضي، وفي هذا الصدد أوضح روحاني أمام وزراء حكومته "أنه لم يكن أمام الدولة حل آخر لمساعدة العائلات ذات الدخل المتوسط والمحدود التي تعاني جراء الوضع الاقتصادي الناتج عن العقوبات الأمريكية التي فرضت على طهران.
في غضون ذلك، قالت وزارة الاستخبارات في إيران إنها ستتخذ إجراءات قوية بحق المتظاهرين، الذين شاركوا في عمليات التخريب. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (ارنا) عن الوزارة القول في بيان إنها "لن تدخر جهداً" في جهودها لضمان الأمن القومي للبلاد. وأصدر المدعي العام تحذيراً مماثلاً للمتظاهرين أمس السبت، وفقاً لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) وقال المدعي العام الأول محمد جعفر منتصري: "بالتأكيد، يتم توجيه مثيري الشغب،من الخارج، وأنشطتهم تعتبر غير مشروعة وإجرامية (...) ومن هنا فسوف نتخذ إجراءات مناسبة ضدهم". وأضاف منتصري أنه يتعين على المواطنين أن ينأوا بأنفسهم عن مثيري الشغب هؤلاء حتى لا يتعرضوا للعقوبة.
ح.ع.ح/خ.س(د.ب.أ/أ.ف.ب)
العلاقات العراقية الإيرانية.. تاريخ من النفوذ والتوتر
تتجذّر العلاقات بين العراق وإيران منذ سنوات طويلة، وقد غلب عليها التوتر في مراحل عديدة، وسط سعي إيرانيّ دائم لجعل العراق الساحة الرئيسية لنفوذها الإقليميّ. في ألبوم الصور هذا نلقي الضوء على تاريخ العلاقات بين البلدين.
صورة من: leader.ir
أهمية العراق بالنسبة لإيران
ظلت إيران تاريخياً تحاول بسط نفوذها على العراق بسبب أهمية موقعه الاستراتيجي، فهو يشكّل بوّابة إيران الشرقية على العالم العربي ومنه إلى البحر المتوسط مروراً بسوريا ولبنان. وتستغل إيران الروابط التاريخية والمذهبية بين البلدين في سبيل تحقيق ذلك، خاصة بعد تحولها للمذهب الشيعي في عهد الدولة الصفوية.
صورة من: DW-Montage
المذهبية.. "أداة التدخّل الشرعي"
تتخذ إيران من المذهب الشيعي وسيلة لاعتبار تدخّلها في العراق "شرعياً". فبالإضافة إلى الوجود الشيعي الكبير في العراق، يرتبط اسم العراق ارتباطاً وثيقاً بأحداث "التاريخ الشيعي"، حيث توجد فيه مدينتنا النجف وكربلاء، المقدّسة لأتباع المذهب الشيعي، كما أن مراقد ستة من الأئمة الاثني العشر توجد فيه، ولذلك يحج إليه ملايين الناس سنوياً.
صورة من: picture-alliance/dpa
الصراع الصفوي العثماني
يشكل الصراع بين الدولة الصفوية، والتي قلبت بلاد فارس (إيران) إلى المذهب الشيعي، والدولة العثمانية، إحدى المحاولات الواضحة لحكّام بلاد فارس للسيطرة على بلاد الرافدين (العراق). فبعد أن بسط الشاه سليمان الصفوي نفوذه في إيران، سيطر على العراق، إلا أن الدولة العثمانية تمكّنت من إخراجه من يد الحكم الصفوي. واستمر التوتر بين الطرفين للسيطرة على العراق حتى سقوط الصفويين ومجيء الأفشاريين ثم القاجاريين.
صورة من: DW/Helbig
معاهدة أرضروم
بعد انتصار القاجاريين على العثمانيين في معركة أرضروم 1823، وقّع الطرفان معاهدة حملت اسم المعركة، والتي اعترفت الدولة العثمانية بموجبها بحق إيران في مدينة وميناء المحمرة "خرم شهر" وجزيرة عبدان، وكذلك الأراضي التي هي على الضفة الشرقية لشط العرب. إلا أن تلك المعاهدة لم تكن قادرة على حد الخلاف على الحدود بين الطرفين.
صورة من: iichs
الخلاف على الحدود عند شط العرب
ورغم توقيع العراق وإيران معاهدة لرسم الحدود بين الطرفين في عام 1937، تعترف فيه طهران بحق بغداد في مياه شط العرب وتنظيم الملاحة فيه، ما عدا مناطق محددة، إلا أن الشاه الإيراني قام بإلغاء المعاهدة من طرف واحد في عام 1969 مستغلاً ضعف نظام البعث الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام من ذلك، وقامت إيران بحشد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق.
صورة من: DW-Grafik
الثورة الإيرانية وقدوم صدام.. في نفس العام
وفي عام الثورة الإيرانية 1979، تولّى صدام حسين زمام الأمور في العراق بإزاحة الرئيس أحمد حسن البكر، ليشتد العداء بين الطرفين، واللذين كانا يتبادلان التهم، طهران تتهم بغداد بإعدام الرموز الشيعية المعارضة، ومن أبرزهم محمد باقر الصدر، والعراق يتهم إيران بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة وخصوصاً تلك التي فيها شيعة. يضاف إلى ذلك الخلاف على الحدود بين البلدين عند شط العرب.
صورة من: AP
الحرب العراقية الإيرانية
شكّلت الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت بين 1980 و 1988 أوج التصعيد والتوتر بين البلدين، وخلّفت الحرب مئات آلاف القتلى والمصابين وعشرات آلاف الأسرى.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتفاضة عام 1991 في العراق
ورغم انتهاء الحرب بعد أن أعلن المرشد الأعلى الخميني قبول قرار مجلس الأمن الداعي لوقف القتال، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تشهد تقارباً واضحاً، بل إنها عادت للتوتر مع اندلاع انتفاضة عام 1991 في العراق، حيث اتّهمت بغداد أن لطهران يد فيها، وهو ما أعاق تطبيع العلاقات بين البلدين.
صورة من: AP
الغزو الأمريكي للعراق – نقطة تحوّل
يشكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحوّل جذرية في تاريخ العلاقات العراقية الإيرانية. حيث استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في العام الذي تلا سقوط نظام صدام حسين، كما قام وفد عسكريّ عراقيّ - برئاسة وزير الدفاع آنذاك سعدون الدليمي- بزيارة إلى طهران وقدّم اعتذاراً لإيران عما وصفه بجرائم صدام بحق إيران، ووقّع الطرفان حينها اتفاقاً للتعاون العسكري في مجالات الدفاع ومحاربة الإرهاب.
صورة من: picture alliance/AP Photo
هيمنة إيرانية بعد الانسحاب الأمريكي
واستمرت العلاقات بالتحسن بدءاً من عهد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، وتوثقت العلاقات في عهد المالكي، إلى أن وصلت إلى هيمنة إيرانية على العراق، وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011، قبل أن يعود جزء من قواتها بطلب من الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم الدولة.
صورة من: Lucas Jackson/AFP/Getty Images
في عهد العبادي
رغم استمرار الضغوط الإيرانية، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي تمكّن –ولو نسبياً- من إعادة نوع من التوازن إلى علاقات العراق مع كل من أمريكا وطهران، وقد كشف العبادي أن بلاده تسعى أن تنأى بنفسها عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكن التساؤلات ماتزال تطرح نفسها حول إمكانية ذلك بالفعل، وسط التأثير الذي مازال يمارسه الطرفان في كل انتخابات تشهدها البلاد منذ سقوط صدام.
صورة من: Irna
خلاف المرجعيات
وتجدر الإشارة إلى وجود صراع حول مرجعية شيعة العراق بين الحوزتين الشيعيتين (المدرستان الرئيسيتان): حوزة النجف في العراق، وهي المقر التاريخي للحوزة من القرن الخامس، وحوزة قُمْ في إيران، وهي المقر المستحدث في أعقاب الثورة الإيرانية. بالإضافة إلى رفض الشيعة في العراق إلى جانب المرجع الأعلى للشيعة في العالم آية الله علي السيستاني لمبدأ ولاية الفقيه، وهو اساس نظام الحكم في إيران.
الكاتب: محيي الدين حسين