اعتقال إمام أوغلو يقسم الجالية التركية في ألمانيا
٣١ مارس ٢٠٢٥
على الرغم من بعد تركيا الجغرافي عن أحد أكبر مساجد ألمانيا في دويسبورغ-ماركسلوه ولكنها قريبة جدًا. إذ يتردد آلاف المسلمين كل يوم على هذا المسجد من أجل صلاة الجماعة ولتناول الإفطار في رمضان. وتسود أجواء الفرح والإثارة بين الخيام البيضاء الكبيرة المنصوبة في سوق رمضان التقليدي هنا، وتنتشر في الهواء رائحة لحم الدونَر (الشاورما) المشوي، ويُقدَّم التمر بالإضافة إلى الحلويات والأسماك المقلية.
وهذا التناقض بين الأحداث البعيدة نحو ألفي كيلومتر إلى الجنوب الشرقي لا يمكن أن يكون أكبر. ففي إسطنبول وأنقرة وإزمير يتظاهر عشرات الآلاف منذ أكثر من أسبوع ضد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وتتعرض الحكومة التركية برئاسة أردوغان لانتقادات شديدة.
ولكن إذا سألنا الناس في مدنة دويسبورغ الألمانية إن كانوا يراقبون ما يحدث في وطنهم أو في وطن والديهم السابق، فسنحصل على إجابات متشابهة للغاية.
وغالبًا ما يقولون إنَّ الحياة اليومية مستمرة هنا، وإنَّ هذا الأمر يتعلق بإسطنبول وليس بدويسبورغ. والكثيرون لا يريدون الحديث قط؛ ونسمع زوجين شابين، الزوجة من مشجعي نادي جالطة سراي والزوج من مشجعي نادي فنربخشة التركي، يتحدثان فقط حول كرة القدم وليس السياسة. ومن الواضح جدًا تخوُّف الناس من اتخاذ موقف في هذه الأوقات المشحونة سياسيًا.
وفقط سليم المولود في ألمانيا ويعيش منذ عشرة أعوام في مدينة دويسبورغ بولاية شمال الراين وستفاليا، وقد جاء إلى المسجد مع ولديه الصغيرين، يتحدث بصراحة - وعلى الأرجح أنَّه يقول ما يجول في خاطر الكثير من مؤيدي الرئيس التركي- :
"أردوغان يقود بلدًا فيه مشكلات كثيرة، وهذا صعب بطبيعة الحال، إذ لا يوجد أي سياسي يفعل كل شيء دائمًا بشكل صحيح. ولكن يجب أولًا أن يأتي شخص يتصرف بشكل أفضل من أردوغان، الذي يضمن الاستقرار والديمقراطية، وهو في النهاية دائمًا على حق. ولماذا تتم مهاجمة أردوغان أصلًا، طالما أنَّ أمر اعتقال إمام أوغلو صدر عن القضاء؟".
مظاهرات من أجل إمام أوغلو في ألمانيا
وإذا سافرنا إلى مدينة إيسن المجاورة، فسنلاحظ دهشة كبير عند سماع مثل هذها الجواب - ونطلع في الوقت نفسه على مدى انقسام المجتمع التركي الألماني. فقد دعت يوم الجمعة الماضي جمعية "حزب الشعب الجمهوري في إسن" (CHP Essen)، وهي مجموعة محلية ألمانية تابعة لحزب إمام أوغلو، إلى الخروج في مظاهرة في وسط مدينة إيسن احتجاجًا على اعتقاله. ورفع المئات لافتات عليها كتابات باللغتين الألمانية والتركية مثل "العدالة لإمام أوغلو" وَ "أنت لست وحيدًا"، أو كذلك مقولة الشاعر الألماني برتولت بريشت"لا أحد أو الكل"، التي يستخدمها رئيس بلدية إسطنبول.
وفي هذه المظاهر قالت هوليا جوشكون، نائبة رئيس جمعية حزب الشعب الجمهوري في إيسن لـDW: "نظمنا هذه المظاهرة خلال 24 ساعة لأنَّ ذلك يجب أن يحدث بسرعة من أجل إرسال رسالة واضحة هنا في ألمانيا أيضًا. ونحن نريد من خلال الاحتجاجات بطبيعة الحال إثارة الانتباه في ألمانيا ولدى السياسيين الألمان أيضًا".
كثير من مؤيدي أردوغان في منطقة الرور
ومدينة إيسن تعتبر في الواقع معقلًا لحزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان. وفي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا قبل عامين، صوَّت نحو 80 بالمائة من الأتراك الألمان لصالح الحزب الحاكم، وهو أعلى تأييد لأردوغان في كل ألمانيا. ولكن الوض يختلف خاصة بين الشباب، الذين يخرجون في تركيا إلى الشوارع من دون خوف أو وجل، وفي ألمانيا أيضًا تعمل أعداد متزايدة من الشباب لصالح حزب الشعب الجمهوري.
مثل الطالب سرحات كرم باجشي، الذي يبلغ عمر 18 عامًا ويتولى رئاسة المنظمة الشبابية لحزب الشعب الجمهوري بمدينة دوسلدورف الألمانية، ويقول: "تضاعف في اليومين الماضيين عدد أعضائنا الشباب. وهاتفي يرن طول الوقت، لأنَّ الناس يريدون فعل شيء ما، يريدون تغيير شيء ما. وأخبار احتجاجاتنا يتم نشرها حتى في تركيا، وهذا يشجع الناس هناك أيضًا".
تأييد إمام أوغلو لا يخلو من الخطر
ويوجد حتى أتراك ألمان يسافرون في هذه الأيام إلى تركيا من أجل المشاركة في المظاهرات هناك. وتخطط حاليًا جمعية حزب الشعب الجمهوري في إيسن لمواصلة الاحتجاج في ألمانيا، ولكنها تريد أيضًا انتظار التطورات في تركيا ومؤتمر حزب الشعب الجمهوري في 6 نيسان/أبريل. ومع ذلك لا يخشى المؤيدون من التعرض لأعمال انتقامية - ربما بعد رحلهم التالية إلى تركيا.
وفي هذا الصدد تقول هوليا جوشكون: "واحدة من أقربائنا كانت مؤخرًا في السجن، وأُطلق سراحها الآن. ولكننا تجاوزنا هذا الحد، ولم يعد لدينا أي خوف. ويمكن طبعًا أن يحدث شيء ما، ولكن ما هو البديل؟. وإذا لم نقل شيئًا، فسيصبح الوضع أسوء. نحن نريد الكفاح من أجل حقوقنا وديمقراطيتنا".
زيادة الاستقطاب في ألمانيا أيضًا
يجب على من يريد أن يعرف بالضبط ما تفعله الأحداث في تركيا بالمجتمع التركي الألماني أن يتحدث مع كانر آفر، وهو باحث اجتماعي يعمل في مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج في إيسن ويقدم حاليًا أطروحته للدكتوراه حول الحراك المكاني والاجتماعي للأكاديميين من أصول تركية. ويقول لـDW:
"إذا نظرنا إلى نتائج الانتخابات التركية نلاحظ أنَّ الألمان الأتراك يميلون أكثر إلى التحفظ. ويعيش في منطقة الرور عدد كبير من ذوي الأصول التركية، ونلاحظ هذه الانقسامات بين المعارضة والحكومة لدى الأتراك الألمان أيضًا". ويضيف كانر آفر أنَّ عائلته مثال جيد على ذلك، وأنَّ الناس كانوا يتجنبون الحديث حول السياسة. ولكن: "اعتقال إمام أوغلو عزز التضامن مع مرشح حزب الشعب الجمهوري، في تركيا وبشكل أقل في ألمانيا أيضًا".
كثير من الأتراك الألمان يفضلون عدم التدخل
بيد أنَّ كانر آفر لا يعتقد بأنَّ احتجاجات الأتراك الألمان سيكون لها تأثير أكبر على تركيا: فمن أجل ذلك يجب أن تستمر المظاهرات بأعداد كبيرة ولأسابيع، للضغط على الحكومة الألمانية، التي يجب أن تزيد بدورها الضغط على تركيا، كما يقول كانر آفر: ولكن برلين مشغولة الآن في تشكيل الحكومة. ويضاف إلى ذلك أنَّ الخطر كبير نتيجة الإدلاء بتصريحات ناقدة بشكل علني وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكن استبعاد التعرص للاعتقال في تركيا.
ولهذا السبب توجد أيضًا أصوات كثيرة تدعو إلى عدم نقل صراعات تركيا السياسية الداخلية إلى ألمانيا، بحسب تعبير كانر آفر: "هذه الحركة تفضّل النظر إلى ألمانيا، إلى التطورات التي تحدث هنا وتؤثر على حياتنا المشتركة". ومع ذلك يقول كانر آفر مناشدًا: "المحافظون والمتدينون يستطيعون بطبيعة الحال دعم أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ولكن عندما يستمر الظلم يجب أن يكون المرء قادرًا أيضًا على التفكير في ذلك بشكل نقدي والتشكيك فيه".
أعده للعربية: رائد الباش