اعتقال باتريك زكي.. أزمة "ريجيني" جديدة بين مصر وإيطاليا؟
١٢ فبراير ٢٠٢٠
بوادر أزمة جديدة بين روما والقاهرة على خلفية اعتقال ناشط مصري يدرس في إيطاليا بعد وصوله إلى مطار القاهرة. لا يعرف إلى أي مدى ستصل هذه الأزمة، لكنها تذكر بقضية سابقة: قصة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
إعلان
قضية أخرى تضاف لملف قضايا حقوق الإنسان في مصر. بطلها هذه المرة الناشط الحقوقي باتريك جورج زكي، وهو طالب مصري شاب يدرس في جامعة بولونيا بإيطاليا، أوقفته السلطات المصرية الجمعة الماضي في مطار القاهرة، لدى عودته من إيطاليا ووجهت إليها تهما عدة من بينها "الإضرار بالأمن القومي" و"التحريض على قلب نظام الحكم"، وفق ما نشرته منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي ينشط فيها. ويأتي توقيف زكي بناء على مذكرة صدرت بحقه في سبتمبر/ أيلول الماضي بعدما غادر إلى إيطاليا لنيل شهادة الماجستير.
اعتقال الناشط المصري أثار قلق إيطاليا، مما أعاد إلى الأذهان قضية طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، الذي اختطف ولقي حتفه في مصر في بدايات 2016، وهي القضية التي أثارت أزمة كبيرة في العلاقات بين روما والقاهرة. فهل يتكرر الأمر هذه المرة أيضا؟
قضية ريجيني ترخي بظلالها
وكانت وزارة الداخلية المصرية قالت إن القبض على زكي جاء تنفيذا لقرار سابق من النيابة العامة التي أمرت بحبسه احتياطيا لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق في "قضايا جنائية". وأكدت في بيان أن الباحث لا يحمل سوى الجنسية المصرية، نافية ما رددته بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول أنه إيطالي الجنسية. رغم ذلك دخلت روما على الخط وعبرت عن قلقها البالغ من الواقعة على لسان مسؤول بارز في وزارة التعليم الإيطالية.
وقالت المنظّمة التي ينشط فيها زكي إن الأخير تعرّض "للتهديد والتعذيب والصعق بالكهرباء أثناء سؤاله عن عمله ونشاطه".
ملامح قصة تذكر بقضية جوليو ريجيني، الذي وجد ميتا وعليه آثار تعذيب في يناير/ كانون الثاني من العام 2016.
ورغم الاتهامات التي وجهت للسلطات المصرية بالمسؤولية عن اختطاف وتعذيب وقتل ريجيني بسبب أنشطته البحثية وميوله السياسية تصر القاهرة على نفي كل ذلك حتى الآن.
وقد تسببت القضية في جدل سياسي وإعلامي وخلقت أزمة دبلوماسية حادة ومطولة بين روما والقاهرة. وعن احتمال أن يتكرر ذلك بسبب قضية زكي، الذي تطالب السلطات الإيطالية الآن بإطلاق سراحه، يقول المحامي والناشط الحقوقي مالك عدلي في حديث لـ DW عربية إن ذلك مستبعد "فإيطاليا حتى في قضية ريجيني نفسه، وهو مواطن إيطالي وقتل، لم تفعل شيئا في نهاية المطاف، فلماذا نتوقع أن يحدث شيء الآن؟ وخاصة من دولة ليست بمرجعية في حماية حقوق الإنسان وتصدر أسلحة القمع وبرامج التجسس؟"
المصالح الاقتصادية أم حقوق الإنسان؟
وأعادت قضية زكي ابن السابعة والعشرين ربيعا طرح النقاش القديم الجديد حول معايير العلاقات بين دول الغرب ودول كمصر، تواجه اتهامات كبيرة بانتهاك حقوق الإنسان.
والسؤال الذي يطرح نفسه دائما، أي كفة تميل في ميزان العلاقات بين الطرفين: المصالح والصفقات الاقتصادية أم ملف حقوق الإنسان؟
يقول مالك عدلي إن دول الغرب عموما وليس إيطاليا فقط لا تفعل شيئا ملموسا على مستوى الحكومات فيما يتعلق بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان والتصدي لها.
ويضيف عدلي: "أقصى ما يحدث هو ضغوط ومبادرات من منظمات أو أفراد أو ناشطين غير محسوبين على الحكومات أو مجرد اعتراضات أو بيانات لوزارات الخارجية في هذه الدول، أما مقاومة حكومية فعلية فلا توجد. في نهاية المطاف ما نراه على الواقع هو استمرار الصفقات التجارية وصفقات السلاح.. إلخ"، حسب تعبيره.
ويشاطره القول أيضا الصحفي المصري ورئيس تحرير صحيفة الشروق عماد الدين حسين بأن مصالح الدول هي أهم ما يتحكم في علاقاتها وعليها تبنى. ويقول حسين في حديث لـه مع DW عربية "حتى في قضية ريجيني كانت هناك ضجة كبيرة وتأثرت العلاقات لكن البلدين امتصا هذه الصدمة"، ويضيف حسين في سياق الحديث عن أهمية المصالح الاقتصادية: "مسألة المصالح الإيطالية في مصر أمر لا يخفى على أحد فعلى سبيل المثال شركة إيني الإيطالية هي التي اكتشفت أكبر حقل غاز في مصر".
وتتجه الأنظار الآن نحو صفقة الأسلحة الضخمة التي تشتري بموجبها مصر أسلحة من إيطاليا بمليارات الدولارات، وهي الصفقة التي يعتبرها مراقبون أكبر صفقة من نوعها بين البلدين. وعن احتمال أي تأثير لقضية زكي على هذه الصفقة يستبعد الحقوقي المصري مالك عدلي ذلك تماما.
تفاعل افتراضي مع القضية
على مواقع التواصل الاجتماعي حظيت قضية زكي أيضا بتفاعل كبير ركز على التضامن مع الناشط المصري الشاب والدعوة إلى إطلاق سراحه. وبسرعة انتشر وسم (هاشتاغ) #freepatrick (الحرية لباتريك) كما أُنشئت صفحات خاصة بنفس العنوان تطالب بوقف اعتقال الناشط.
وركز أيضا رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير على جدارية قرب السفارة المصرية في روما، رسمتها فنانة شارع إيطالية تُدعى لايكا، تصور ماريو ريجيني يحضن زكي ويقول بالإيطالية "هذه المرة سيكون كل شيء على ما يرام"، بالإضافة إلى كلمة "حرية" مكتوبة باللغة العربية.
وحسبما ما أكدته مصادر قضائية وأمنية لفرانس برس فإن زكي متّهم بـ"التحريض على التظاهر دون الحصول على إذن"، و"التحريض على قلب نظام الحكم، و"إدارة واستخدام حساب على شبكة معلوماتية (...) بغرض الإضرار بالأمن القومي" وكذلك "الترويج لارتكاب جرائم إرهابية". تهم ثقيلة قد تؤدي إلى عقوبة سجن طويلة، خاصة فيما يتعلق بنقطة الترويج لارتكاب جرائم إرهابية.
وردا على الانتقادات والمخاوف من أن هذه القضية ترسخ ثقافة قمع الأصوات المعارضة في مصر، يقول عماد الدين حسين إن المعارضة تنظر هكذا فعلا لمثل هذه القضايا، لكن الحكومة لها أيضا وجهة نظر في الأمر، فهي ترى أن هناك ناشطين "يألبون الرأي العام ويمارسون أعمالا تتنافى مع قانون البلاد". ويضيف رئيس تحرير صحيفة الشروق: "إذا اعتقل زكي بسبب أفكاره فهذا غير مقبول طبعا، لكن إن كان الاعتقال مبنيا على تهم يدينها القانون فالنيابة العامة وحدها هي من يمكنه أن يحسم الأمر".
بالصور: قلق حول حقوق الإنسان في الدول العربية والعالم
تقرير منظمة العفو الدولية 2013 يعطي معلومات شاملة عن الأوضاع الحالية لحقوق الإنسان في 159 دولة. وقد شهدت الشهور الماضية في بعض الدول العربية العديد من التغييرات في ظل ما يعرف بالفترة الانتقالية، نستعرضها في هذه الصور.
صورة من: Reuters
السعودية: أوضاع صعبة لحقوق الإنسان
يسجل التقرير الدولي اعتقالات تعسفية دون محاكمة بحق منتقدي الحكومة وناشطين سياسيين، بعضهم يخضع لمحاكمة سريعة ليس فيها أي احترام لحقوق المدَّعى عليه. كما يسجل تمييز ضد الأقلية الشيعية في المناطق الشرقية. الحريات العامة تعاني كثيرا. أوضاع المرأة في السعودية استمرت على حالها. كذلك أوضاع العمال الأجانب سيئة في ظل عدم توفر حماية لهم من السلطات. مئات حكم عليهم بالإعدام. وجرى تنفيذ العقوبة بحق 79 شخصا.
صورة من: picture-alliance/dpa
البحرين: بعض الإصلاحات ولكن..
شهد العام الماضي استمرار التعدي على المتظاهرين. ورغم أن الحكومة قامت ببعض الإصلاحات بناء على توصيات لجنة التحقيق المستقلة بانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها أهملت أهم توصية قدمتها اللجنة وهي: تقديم المسؤولين عن الانتهاكات للمحاكمة. هناك العديد من المعتقلين القابعين في السجون، والسجناء السياسيين. كما سجل التقرير حالات تعذيب من قبل الشرطة لمعتقلين.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر في ظل حكم الإخوان
في مصر، التي تولى فيها محمد مرسي الرئاسة في يونيو/ حزيران 2012 خلفا للمجلس العسكري، قتل 28 متظاهرا على الأقل على يد قوات الأمن في القاهرة والسويس. كما لوحظ تسجيل عنف وتعذيب للمعتقلين، وكذلك ملاحقات قضائية ضد صحفيين وناشطين بتهمة إهانة الرئيس. التمييز ضد المرأة مستمر، وكذلك التمييز ضد الأقليات الدينية. 91 شخصا حكم عليهم بالإعدام. لا توجد معلومات حول ما إذا نفذت تلك الأحكام.
صورة من: Reuters
العراق: انتهاكات مستمرة
اعتقال آلاف الأشخاص وإعدام المئات بتهم تتعلق بالإرهاب بعد محاكمات غير نزيهة. التعذيب وصور أخرى للانتهاكات ضد المعتقلين كانت أمرا يوميا. فيما تم إطلاق سراح المسؤولين عن قضايا التعذيب. 129 شخصا على الأقل أعدموا، بينهم 3 نساء. جماعات مسلحة تقاتل ضد الحكومة مسؤولة عن انتهكات لحقوق الإنسان أيضا، فقد قامت بهجمات انتحارية أسفرت عن مصرع مئات المدنيين. وسُجلت الكثير من الانتهاكات ضد الصحافيين.
صورة من: Getty Images
اليمن: تحسن في حالة حقوق الإنسان
أشار تقرير منظمة العفو إلى تحسن الحالة العامة لأوضاع حقوق الإنسان في اليمن، ورغم ذلك بقي مصير الأشخاص الذين اعتقلوا أو فقدوا خلال عام 2011 غير معروف. وأعطى قانون خاص الحصانة للمسؤلين عن انتهاكات خطيرة خلال فترة حكم الرئيس صالح. معظم حالات القتل التي تعرض لها متظاهرون خلال عامي 2011 و 2012 بقيت دون ملاحقة قضائية. وأشار التقرير إلى استمرار التمييز ضد النساء والبنات بموجب القانون وفي الحياة اليومية.
صورة من: Reuters
سوريا: جرائم ضد الإنسانية...
النزاع المسلح في سوريا، رافقته جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية من طرفي النزاع. ويؤكد التقرير أن القسم الأكبر من هذه الجرائم نفذته القوات الحكومية، كالهجمات العشوائية على المناطق السكنية باستخدام الطيران والمدفعية والقنابل العنقودية. التعذيب والانتهاكات الجسيمة أمر يومي. ووفقا لتقارير المنظمة فإن 550 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في المعتقلات بسبب التعذيب. كما جرى استهداف الطواقم الطبية التي تسعف الجرحى.
صورة من: AP
... ومأساة لاجئين
الوضع الإنساني في سوريا مأساوي. مئات الآلاف فروا من بيوتهم. وقدرت الأمم المتحدة عدد الفارين خلال عام 2012 فقط بحوالي مليوني شخص. أوضاع النازحين داخل سوريا صعبة للغاية مع صعوبات في إغاثتهم. وكذلك أرقام اللاجئين إلى دول الجوار تتصاعد، مع تحذيرات من حصول كارثة إنسانية.
صورة من: Reuters
الأردن: تضييق على الإعلام وحرية الرأي
تصدت قوات الأمن بعنف لاحتجاجات اندلعت في البلاد وجرى اعتقال المئات. مع تواصل التضييق الشديد على حرية التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات والأحزاب، إضافة للتضييق على الإعلام الإلكتروني. وهناك تقارير عن التعذيب وأشكال أخرى من قمع المعتقلين. واعتقالات تعسفية لمئات وربما لآلاف الأشخاص. 10 نساء على الأقل جرى قتلهن تحت ما يسمى "جرائم الشرف". وجرى إعادة عدد من اللاجئين السوريين إلى بلدهم رغما عنهم.
صورة من: picture-alliance/dpa
ليبيا: مرحلة انتقالية مليئة بالانتهاكات
ارتكبت ميليشيات مسلحة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كالاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل، وبقيت تلك الجماعات دون محاكمة. استمرار الاعتقال التعسفي دون محاكمة لآلاف من أنصار نظام معمر القذافي الذي أطيح به في عام 2011. عشرات الآلاف ممن يعتبرون مناصرين للقذافي والذين غادروا ديارهم عام 2011، مازالوا حتى الآن ملاحقين وتتهددهم إجراءات انتقامية. كما سجلت انتهاكات بحق أجانب بدون إقامة شرعية.
صورة من: DW
لبنان: تمييز بحق اللاجئين
تقارير عن تعذيب وانتهاكات أخرى بحق سجناء. وتواصل التمييز بحق اللاجئين الفلسطينيين سواء في سوق العمل أو في المؤسسات التعليمية والمرافق الصحية، وحتى الحصول على مسكن ملائم. سوء معاملات العمال الأجانب من أرباب العمل وأحيانا من قوات الأمن. الكثير من اللاجئين وطالبي اللجوء - جزء كبير منهم فر من الجارة سوريا - وجدوا أنفسهم رهن الاعتقال التعسفي. 170 ألف شخص على الأقل فروا من سوريا إلى لبنان.
صورة من: dapd
تونس: قوانين قديمة تلاحق النشطاء
لوحق العديد من الأشخاص بتهم جنائية وفقا لقوانين أصدرها النظام السابق ولم يتم تعديل تلك القوانين. هناك تقارير عن استخدام قوات الأمن للعنف بحق متظاهرين وتعذيبهم . ذوو ضحايا مظاهرات 2011 التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي، استمروا في عام 2012 بالمطالبة بالعدالة ومحاكمة الجناة. كما سجلت منظمة العفو الدولية تضييقا على حرية التعبير.
صورة من: dapd
ألمانيا: بعض المعاناة لدى طالبي اللجوء
لم تشكل السلطات جهة مستقلة لتلقي الشكاوى. كما أن الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب مازالت لا تتلقى الدعم المالي الكافي من الحكومة. العديد من طالبي اللجوء أعادتهم السلطات الألمانية إلى بلدانهم الأصلية، رغم التهديدات التي تنتظرهم هناك. كما صدر حكم قضائي في ولاية راينلاند- بفالتس، أدان موظفي الشرطة الاتحادية بخرق المبدأ الدستوري الذي يحرم التمييز.
صورة من: picture-alliance/dpa
إيران: معاناة الناشطين ومنعهم من السفر
تواصل التضييق الشديد على حرية التعبير وحرية التجمع في إيران. مع وجود تمييز ضد الأقليات الدينية. وأشار التقرير إلى اعتقال وتعذيب المئات من المعارضين وناشطي حقوق الإنسان والمناضلين من أجل حقوق الأقليات والنساء المدافعات عن حقوق المرأة، وبعدها حوكموا في ظل إجراءات قضائية سريعة وغير عادلة لتصدر بحقهم أحكام تعسفية بالسجن والمنع من السفر إلى الخارج.
صورة من: MEHR
إسرائيل: حصار واعتقالات مستمرة
في عام 2012 كان عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يزيد على 4500. حصار قطاع غزة المستمر منذ سنوات لازال يؤثر بشكل بالغ على حياة 1.6 مليون إنسان يسكنون القطاع. في نوفمبر/ تشرين الثاني ضربت إسرائيل جماعات فلسطينية مسلحة في غزة أطلقت صواريخ على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 150 فلسطينيا و6 إسرائيليين. معظم الضحايا من المدنيين. وفي الصورة حالة حزن على موت المعتقل عرفات جرادات.
صورة من: Hazem Bader/AFP/Getty Images
الولايات المتحدة: إجراءات مكافحة الإرهاب تثير القلق
في عام 2012 جرى إعدام 43 رجلا. هناك ظروف سجن سيئة تدعو للقلق. في معتقل غوانتانامو مازال هناك عدد من المعتقلين. وكذلك التقارير المستمرة عن استخدام الشرطة العنف داخل أمريكا. وتشير المنظمة إلى أن إجراءات مكافحة الإرهاب خارج الولايات المتحدة مقلقة.