اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا بين النظرية والتطبيق
١٠ مارس ٢٠١٠لم تثمر الإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها سوريا ودول عربية عديدة عن الثمار المرجوة منها، بل نجم عنها العديد من النتائج السلبية، كما يقول يوسف سعد، أمين عام اتحاد الصناعات الجلدية في العالم العربي، ومن أبرز هذه النتائج ارتفاع الأسعار ونسبة البطالة بين الشباب وتدني مستوى التعليم والصحة. ويرى يوسف سعد أن الإصلاحات الاقتصادية أدت في معظم الدول العربية الى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، لهذا كما يضيف:"كان من المفروض اتخاذ الإجراءات والخطوات الكفيلة بتحقيقها قبل تقديم الوعود بها." لكن الذي حصل هو أن الحكومات منحت تسهيلات ضريبية واستثمارية بشكل انتقائي وركزت على قطاعات معينة كالسياحة والتجارة. وجاءت هذه التسهيلات من نصيب أشخاص يملكون بالأساس رؤوس أموال كبيرة، بينما لم تساعد المبادرات الفردية وأصحاب الدخل المحدود على تحسين مستواهم المعيشي من خلال مشاريع صغيرة ومتوسطة تشغّل الشباب وتنشط عملية للتنمية.
خيارات أخرى غير دعم المواد الاستهلاكية
ومع الإقرار بضرورة الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية في سوريا فإن بعض الخبراء من أمثال الدكتور غسان محمود إبراهيم، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، يرون بأنه لدى الدول العربية خيارات أخرى أفضل من الإبقاء على الدعم الحكومي لبعض السلع الأساسية، تتمثل في تحسين مناخ الاستثمار بشكل انتقائي. فالدعم المذكور يكلف الدولة المليارات، لأنه يُقدم الى الغني والفقير كما هو الحال في سوريا التي تدعم الخبز والسكر والديزل ومواد أخرى. ويؤثر هذا الدعم بشكل سلبي على الاستثمار الحكومي والنمو.
وكما يقول الدكتور غسان محمود إبراهيم، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، تبين نتائج الخطة الخمسية العاشرة للاقتصاد السوري الحصيلة المتواضعة للإصلاحات. فقد انخفضت نسب النمو وارتفعت معدلات البطالة واتسع نطاق الفقر. وتشير التقارير الصادرة عن عام 2009 إلى أن نسبة العجز في الميزانية بلغت 9,5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه نسبة مرتفعة برأي الدكتور غسان، لذا من الأفضل كما يقول أن تعيد الحكومة السورية عملية تقييم الإصلاح. وأن تنظر إلى المؤشرات السلبية التي ما تزال موجودة، كارتفاع نسبة البطالة وانخفاض إيرادات الدولة.
وفي هذا الإطار لا بد من الحد من التهرب الضريبي الكبير، ومن إعادة النظر في إعادة توزيع الدخل القومي الذي هو في معظم الأحيان لصالح الأغنياء" كما يقول الدكتور غسان ويضيف:" تمنح الدولة إعفاءات وتسهيلات كثيرة في ظل قلة الإنتاج، من ذلك على سبيل المثال، الإعفاءات الخاصة بالتجار وبعض الصناعيين، إذ إن معظمها تعود بالسلبية على الدولة" وينتقد الدكتور غسان أيضاً انخفاض الإنفاق على قطاع التعليم ، مؤكداً على ضرورة دعم هذا القطاع الهام بشكل أقوى" كونه يضمن قوى التجديد والإبداع.".
عدم وضوح في التطبيق
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين من أمثال عبد القادر الحصري، من شركة أرنست أند يونك، Ernst and Young أن المشكلة تكمن في الالتباس الحاصل بين دور الدولة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ففي سوريا التي أعلنت تبنيها لاقتصاد السوق الاجتماعي ، ما تزال الصورة ،كما يقول الحصري، غير واضحة حول تطبيقه "هناك من ينظر الى دور الدولة وكأننا مازلنا نتبع اقتصاد التخطيط المركزي" ويوضح الحصري رأيه من خلال الإشارة إلى أنه لا يوجد في اقتصاد السوق الاجتماعي شيء اسمه "توظيف اجتماعي" ومع ذلك "نرى مؤسساتنا العامة ودوائرنا ما تزال مليئة بحالات التوظيف هذه." الحصري يرى بأن السياسات الاقتصادية الحالية في الدول العربية تتمخض عن آثار اجتماعية واقتصادية هامة، وأن رفع المستوى المعيشي لا يعتمد على رفع الدعم الحكومي لسلع عديدة فقط، بل على نجاح هذه السياسات الاقتصادية. ويعتبر الحصري أن هذه السياسات متكاملة ومتشابكة لذلك يؤدي إهمال أي منها إلى خلل في مجمل العملية. ويقول إن هذا التقصير موجود في الدول العربية عموماً.
من جهة أخرى يرفع في سوريا شعار اقتصاد السوق الاجتماعي، في وقت لا يعرف فيه الرأي العام شيئا يذكر عنه. ويعود هذا حسب رأي الخبير الاقتصادي سمير سعيفان إلى "غياب وثيقة تحدد ماهية هذا الاقتصاد، وعدم وجود تحديد واضح لدور كل من الدولة والقطاع الخاص في التجارة والاستثمار". ثم يشير الخبير سعيفان إلى ما يصفه بغياب الرؤية الواضحة للسياسة الاقتصادية في سوريا.
غير أن رجل الأعمال السوري ورئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، فيجد أن الوصف القائل بأن اقتصاد السوق الاجتماعي يصب في صالح الأغنياء هو وصف غير دقيق، ويقول في حديث خاص بدويتشه فيله:"الاقتصاد الاجتماعي وجد لمصلحة الطبقات المتوسطة والفقيرة، ومن الطبيعي أن يُوجد بعض الأشخاص الذي انتقلوا من الطبقات المتوسطة إلى الطبقات العليا" ثم يوضح في حديثه أن الدولة وضعت مبادئ السوق الاجتماعي والإجراءات التنفيذية لصالح الفقراء والأغنياء معاً.
الكاتبة:عفراء محمد - دمشق
مراجعة: منى صالح